قراءة نقدية لرواية الغرفة 22 للكاتبة إيناس جعيتم

 


شاهيناز الفقي

 

يقول الناقد الفرنسي كوركوف "تستطيع الرواية البوليسية أن تجيب سؤال القارئ هل لحياتنا معنى في خواء العالم الحديث".

ورغم أن أشهر كاتبة لأدب الجريمة والروايات البوليسية كانت امرأة وهي أجاثا كريستي التي كتبت حوالي 66 رواية بوليسية، وصنفتها موسوعة جينيس للأرقام القياسية أنها الروائية الأفضل بيعا على الإطلاق، نلاحظ غياب الأدب البوليسي أو أدب الجريمة في عالمنا العربي بصفة عامة وللكاتبات بصفة خاصة نتيجة لعوامل عدة منها انشغال معظم الكاتبات بقضاياهن الشخصية والمجتمعية والتفافهن حول ذاتهن في معظم ما يكتبونه، والنظرة لأدب الجريمة في عالمنا العربي أنه صنف من الأدب يحتل مرتبة ثانية ويعرف أنه أدب للتسلية.

معظم الأعمال الأدبية البوليسية كانت في الأصل توجه لفئة الفتيان مثل أعمال الكاتب نبيل فاروق وقد اختلط فيها الأدب البوليسي بأدب الجاسوسية والخيال العلمي، إلا أن هذه النوعية من الأدب مازالت تجذب العديد من القراء في مختلف ثقافتهم وفئاتهم العمرية.

الغرفة 22 للكاتبة إيناس سيد جعيتم رواية تجمع بين أكثر من لون أدبي، منها أدب الخيال العلمي ولبوليسي والنفسي حيث تقوم فكرة الرواية على قيام الدكتور ناجي ببحث علمي يكون له نتائج هامة وتغيير في موازين القوة في منطقة الشرق الأوسط، يتم إيداع دكتور ناجي مصحة نفسية عن طريق إيهامه أنه مريض نفسي للاستيلاء على نتائج البحث.

من خلال حالة من المزج بين الأدب البوليسي وأدب الجاسوسية بالخيال العلمي تكمل إيناس جعيتم روايتها الغرفة 22، وتتابع الأحداث في جو من التشويق والإثارة حتى نهاية الرواية نكتشف من خلال الأحداث حقائق وعلاقات متشابكة وجرائم قتل وفساد رجال المال والسياسة.

عنوان الرواية يوحي بحالة من الغموض، الغرفة 22يثير العديد من التساؤلات في ذهن القارئ، ويفتح المجال لتفسيرات وخيالات متعددة عن الغرفة ورقمها والتي لا نعرف في أي مكان تقع ربما فندق ربما مستشفى والعديد من التخمينات.

الغلاف جيد يتناسب مع الحالة العامة للرواية، الباب الموارب يثير الشك والخوف ربما أكثر من الباب المغلق، المواربة تعطي حالة من التوجس وزاوية ضيقة للرؤية وجزء من الحقيقة.

تتميز كتابة إيناس سيد جعيتم في هذه الرواية بما يطلق عليه براعة الاستهلال، فقد استطاعت ان تجذب انتباه القارئ من السطر الأول، امتازت عباراتها الأولى بلغة أدبية راقية لوصف حالة الجو الذي تدور فيه الأحداث، " نهار بلا شمس.. وسماء احتجبت خلف ركام من سحب رمادية اللون وطقس شديد البرودة يخنق بيديه كل نسمة هواء تتوق للحظة دفء" ورغم أن الاتجاه الحديث في الأدب يسير نحو الحدث مباشرة والبعد عن الوصف لكن استطاعت إيناس بلغتها الأدبية الرصينة وعبارتها التي توحي بالغموض أن تدفع القارئ لاستكمال القراءة.

إيناس سيد جعيتم لديها قدرة على أن تحكم قبضتها على القارئ خاصة أن مصحة نفسية مسرح الأحداث للرواية يعج بالعديد من الأمراض التي تطرقت إليها الكاتبة بشكل سريع بالإضافة لجرائم القتل والاختفاء، يمسك القارئ بخيط ليكتشف أنه في الطريق الخطأ ليعيد اكتشاف الأحداث مرة أخرى في فصول متتالية حتى نهاية الرواية.

الشخصيات عند إيناس هي شخصيات تحمل بداخلها عقدا ومشاكل نفسية وفساد وضعف إنساني ولكن ربما كانت تحتاج الكاتبة للتأني في التطرق للشخصيات الرئيسية ليتعرف عليها القارئ بشكل أعمق، مما يزيد من التحام القارئ مع شخصيات الرواية وتفاعله معها.

أسلوب السرد مشوق يعتمد على الإثارة ولكن دون التخلي عن اللغة الراقية، تعرض لأكثر من مرض نفسي في الرواية وقد تطلب الأمر منها البحث والدراسة لتتحدث عن أعراض الاكتئاب والفصام والهلاوس وكلبتومانيا (هوس السرقة)، وكل مرض من هذه الأمراض النفسية يتميز بأعراض مختلفة وأسلوب للعلاج مختلف وقد استطاعت إيناس من خلال شخصية دكتور محمود التوائم مع كل حالة بشكل جيد جدا.

وكما بدأت إيناسسيد جعيتم روايتها من الغلاف والباب الموارب فقد انهت روايتها أيضا بالباب الموارب على العديد من الأسئلة في ذهن القارئ عن الطريق الذي يسير فيه الطبيب محمود مع نيرة، عن السيارة التي تتبعهم، عن مصير البحث والدكتور ناجي وتساؤلات تحتمل العديد من الإجابات.

 

الرواية صدرت عن دار اسكرايب للنشر والتوزيع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ملحمة فرهاد وشيرين

ما معنى الوجود يسبِق الماهية؟ وهل الإنسان حرٌّ في أفعاله؟

نظرية العقد الاجتماعي عند جون لوك