سرمد سليم
الآلهةُ لا تموت،
لكنها تُنفى،
تُرَكَنُ في الزوايا المُعتمة من الذاكرة،
كصورِ أمهاتٍ أُخذن من الألبومِ
ولم يَجِدْنَ طريقاً للرجوع.
في لالش،
كان الضوءُ يُرشّ بماءٍ مُقدّس،
تتوضأُ به الحكاياتُ قبل أن تُروى،
وكانت الجدرانُ تنبضُ كما تنبضُ الكتبُ حين
تُفتح.
الآلهةُ لم تكن تماثيل،
بل أنفاسًا تسكنُ البخور،
ضحكةً في ناي،
وذراعاً ممدودة في نشيد العودة.
لكن ذاتَ مساءٍ مكسور،
ذبلتْ عيونُ القناديل،
وصعد الدخانُ لا إلى السماء، بل إلى الحنجرة،
ليختنقَ الدعاءُ في منتصفِه.
الآلهةُ حينها،
تسلّلت من شقوقِ المعبد،
خلعت أكاليلها،
وحملت صمتها الثقيل على الظهر،
كعروسٍ خائفة من عرسٍ لم يُقم.
يا شنكال،
هل سمعْتِ نشيدَها الأخير؟
كانت تنشدُ لكِ من داخل الحريق،
وترسلُ ظلالَها على شكلِ نساءٍ
يندبن أسماءَ بناتِكِ المختطفات،
ويُعلّمن الشموعَ كيف تنطق.
الآلهةُ المهجورة،
تجلسُ الآن على حافةِ الأسطورة،
تخيطُ جراحَها بخيطٍ من تراب،
وتنقّطُ على الحائطِ الأبجدي،
دماءً صارتْ كلمات.
أحدُها يقول: خيانة.
والثاني: صلاةٌ لم تُستجب.
والثالث: ذاكرةٌ أُعدمت.
كان للآلهةِ أصوات،
لا تشبهُ صراخَ المذبوحين،
ولا هتافَ المنتصرين،
بل ترتيلةً تهدهدُ الجرح،
وتقول له: إنكَ باقٍ، وإن نسيك الجميع.
شنكال،
أخبريهم أن الآلهةَ لم تهرب،
بل أُقصيتْ،
كما يُقصى الشاعرُ حين يكتبُ بلغةٍ لا تُباع.
وأنها لم تصمت،
بل خُدِشتْ حنجرتُها
بمسمارِ التاريخِ نفسه.
الآن،
كلُّ معبدٍ هو قبر،
وكلُّ طقسٍ، ارتباك.
والسماءُ،
تفتّشُ عن آلهتها في أغاني اليتامى،
وفي الغبارِ المتصاعدِ من كتبٍ لم يقرأها أحد.