recent
جديدنا

نداء الطين الأوّل

الصفحة الرئيسية

 


سرمد سليم

 

الطفولةُ ليسَتْ برعماً على غصنِ الزمان،

إنها جذعُ الضوءِ حينَ شكّ اللهُ في ذاته.

هي أوّلُ صدعٍ في جدارِ الطين،

حين همس الترابُ للحياةِ:

«كوني أنثى تلعبُ بالظلِّ وتُربّي المطر».

 

الطفولةُ ليسَتْ وقتاً، بل فضاءٌ يشهقُ بالنسيان،

إنها الملاكُ الذي رفضَ أن يكونَ طيّباً

فنزلَ إلى الأرضِ ليتعلّمَ القسوةَ من قبلة،

والغفرانَ من خدشِ ركبة.

 

كنّا نكتُبُ أسماءَنا على جدرانِ الغياب،

نربطُ السماءَ بخيطِ طائرةٍ ورقيّة،

ونغنّي:

«يا موت، كنْ أرجوحةً،

لا تُشبهُ آباءَنا حينَ يصمتون».

 

أمّي كانَتْ تعلّقُ قمراً فوقَ سريري،

لكي لا أخافَ من وجهي في الظلام،

وكانت تقول:

«كلُّ شيءٍ يُشبهك، حتى الكوابيسُ التي لا تريد أن تنام».

 

الطفولةُ: نبيٌّ بلا رسالة،

يمشي على الماءِ، لكن لا يطلبُ تصديقاً.

يضحكُ،

لكنّه يعرف أن الضحكَ ضربةُ فراغٍ في رئةِ الله.

 

كنْتُ أُلقّنُ الريحَ أسماءَ إخوتي،

وأزرعُ شجرةً من ندمٍ في كلِّ حذاءٍ مكسور،

وأقولُ للزمن:

«تأخّرْ قليلاً، أريدُ أن أُجريَ امتحاناً للحزن».

 

الطفولةُ ليسَتْ أملاً،

بل تلكَ الهاويةُ التي تسقطُ فيها اللغةُ

حين تحاولُ أن تشرحَ معنى البكاءِ لأولِ مرّة.

 

والآن، حينَ أنظرُ خلفي،

أرى طفلي الذي لم يُولَد،

يجلسُ على حجري،

ويكتبُ اسمي على زجاجٍ لا يُقاومُ الضباب.

google-playkhamsatmostaqltradent