-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

هل فقدنا فنّ القراءة؟


 
آندي ميلر

ترجمة: رهام المطيري




القراءة معبد واسع، لكنها لا تزال معبدًا قد يتطلب من رعيته أن يحنوا رؤوسهم أحيانًا في لحظة تأمل صامتة.

تراكمت الغيوم هذا الربيع لتتفرق مُخلفة وراءها سلسة من الزوابع في فناجين الشاي الأدبية. هل نشر كُتب خاصة لكل جنس يحط من قدر أطفالنا؟ هل يجب علينا أن نبني اختبار اللغة الإنجليزية للثانوية العامة بناءً على تغريدات راسل براند ومقتطفات من مقابلته مع الكاتبة كيتلين موران؟ هل دورات الكتابة الإبداعية مضيعة للوقت؟ هل كان مايكل جوف محقًا عندما أزال رواية "فئران ورجال" من منهج اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية، هذا إن كان قام بذلك بالفعل؟

من الممكن التنبؤ بالطريق الذي تمر به مثل هذه الزوابع: يظهر تقرير ما في صحيفة ما، ومن ثم يمتلئ تويتر بالوسوم وتجتاحه حالة من السخط، وتُطلق عرائض إلكترونية في كل مكان. يصدر فيليب بولمان بيانًا، وعلى إثر ذلك يأتي أحدهم ليجادل نص البيان، وآخر يشجب أخر على برنامج "اليوم". وبعدها تظهر تفاصيل جديدة للقصة لتعكس حالة الهياج الشعبي، وأخيرًا تنجلي الغيوم.

كأي شخص آخر، تسخطني النقاشات التي تدور حول القراءة - ولكي أكون واضحًا، أنا أشجب القيود المفروضة على إمكانية وصول السجناء للكتب، والتي اعتبرها انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية أكثر من أنها زوبعة في فنجان شاي. لكن، إلى جانب الهمهمة العامة على شبكات التواصل الاجتماعية، ومجموعات الكتب، وموسم المهرجان الأدبي الذي اقترب، فإنني أشك بتطلعي للمشاركة في مثل هذه النقاشات، فهذه النقاشات وسيلة جيدة لئلا تقرأ!

الحقيقة أنه عندما تقرأ كتابًا فإنه لا بديل للقراءة. فرغت مؤخرًا من كتابة كتاب عن خمسين كتابًا عظيمًا، استدعى مني البحث لمادة هذا الكتاب التحديق في سطور وسطور من الكلمات على صفحات الكتب حتى نفدت السطور ومن ثم الكلمات، وبعدها أمضيت وقتًا أفكر فيه حتى عرفت ما أريد أن أكتبه عن تلك الكتب. بعض تلك الكتب من الأعمال الأدبية المرجعية والتي يمكن أن تعتبر كلاسيكيات ككبرياء وهوى، و ميدل مارش، و موبي ديك، وبعضها الآخر بالتأكيد خارج هذه القائمة كشفرة دا فينشي – على حسب ما يرى مُراجع الجارديان – و رواية Krautrocksampler لجوليان كوب.

تجربة كتابة هذا الكتاب قادتني لأن أستنتج أنه بالرغم من أننا نحب أن نقتني الكتب ونتجادل حولها ونعبر عن آرائنا بشدة حول رواية الحسون وغيرها من الكتب، إلا أنه يبدو أننا بدأنا نخسر ملكة قراءة الكتب نفسها أكثر من ذي قبل.

تحدث كارل تارو جرينفيلد في مدونة صحيفة النيويورك تايمز عن "ادعاء المعرفة الثقافية". يقول جرينفلد "إن كل ما نشعر به الآن هو الضغط المستمر لأن نعرف بما فيه الكفاية خشية أن يكتشف الآخرون أننا أميّون ثقافيًا. مغمورون ببايتات من البيانات، ما يهمنا ليس بالضرورة أن نستهلك هذا المحتوى مباشرة، بل فقط أن نعرف بوجوده".

من الواضح أن جرينفيلد يسعى لإيصال فكرة ما، لكن هذه ليست ظاهرة جديدة تمامًا. عادة ما يراكم عشاق الكتب كتبًا أكثر مما يمكنهم قراءته بالفعل، كما لاحظ شوبنهاور قبل 150 سنة "عادةً ما يخلط المرء بين شراء الكتب وإدراك ما تحتويه." بعد أن أعددت قائمة بالعناوين التي أرغب بشرائها - والتي، بالمناسبة، لم تتضمن "أن تقتل طائرًا محاكيًا" أو "فئران ورجال"، لأنني درستها في المدرسة قبل سنوات - أدركت أنني من غير قصد قد اخترت عددًا من الكتب التي كنت في مواقف مختلفة في حياتي كذبت وادعيت أنني قرأتها. ولقد اعترف لي عدد من الأشخاص سرًا بأنهم يفعلون الشيء نفسه.


سيبقى الجدل قائمًا حول إن كان من الأفضل مثلًا قراءة جحيم دانتي بدلًا من جحيم دان بروان. على أي حال، كون كتاب ما من أفضل الكتب مبيعًا لا يعني أنه تلقائيًا بلا جدوى. كذلك، ليس عليك ألا تُنزِّل كتابًا على جهاز الكندل الخاص بك لأنه من ضمن الأعمال الأدبية المرجعية. في الواقع، إنَّ توفر الكتب الإلكترونية المجانية المفاجئ على مواقع مثل (Project Gutenberg) يجب أن يقُربنا من الكتب الكلاسيكية. ولكن الرغبة الإنسانية الفطرية في جعل أنفسنا نبدو أكثر ذكاءً مما نحن عليه، إلى جانب كثرة اختيارات المستهلك والتدفق الثقافي المكثف في عصرنا الرقمي هذا تعني أننا نفتقر بشكل متزايد إلى الوقت والإرادة اللازمة للتعامل مع أي شيء أطول من 140 حرفًا أو أكثر تطلبًا من مجلتي جرانتا أو غرازيا. يبدو أنه من الأفضل التحدث عن الكتب بدلاً من قراءتها.

إن المُتع التقليدية للقراءة أكثر تعقيدًا من مجرد الاستمتاع. إنها تنطوي على الصبر والعزلة والتأمل. ولذلك فإن الكتب أكثر تعرضًا لخطر ضعف تركيزنا من تلك الأشياء التي تتطلب جهدًا أقل. في مقالة رائعة في صحيفة مترو نيوزيلاندا، شرحت الكاتبة إليانور كانتون ( الحائزة على جائزة مان بوكر العام الماضي عن روايتها "اللامعون"، وهي رواية رائعة لم أقرأها بعد) عدم التوافق بين الفن وعربة التسوق. تقول كانتون أن "النزعة الاستهلاكية التي تتطلب من منتجاتها أن تكون مرغوبة وفي نفس الوقت لا يمكن التخلص منها للأبد، لا يمكن أن تفهم الفن لأن الأخير لا يتطلب ما تتطلبه النزعة الاستهلاكية من منتجاتها".

كُتب مثل ميدل مارش، و موبي ديك لم تُكتب لكي تُخطف بسرعة من على رفوف المكتبات أو أن تقرأ على عجل أو لتُقيّم على مضض بنجمة واحدة على أمازون فقط لأن "تغليف الطرد كان جيدًا ". رواية ميدل مارش كُتبت قبل أن نولد كلنا، وستبقى بعد موتنا. ربما علينا أن نتحلى بالتواضع لنقول "حسنًا، لم أفهمها، ما الذي علي أن أتعلمه من الكتاب؟"

وفي هذا السياق، إنَّ الخلافات حول ما إذا كانت رواية بريطانية أو أمريكية المنشأ - والخلافات اللاحقة حول هذا الخلافات - تبدو سخيفة وإلى حد ما منحطة. مايكل جوف رجل مثقف، ومن المؤكد أنه سيقر بأن تطويع الفن لتعزيز مفاهيم الهوية الثقافية هو شيء محبب وكذلك ممارس من قبل الأنظمة السياسية في اليسار واليمين المتطرفين. ومع ذلك، من الصعب تصديق أن وزير التعليم، كأولياء الأمور والمدرسين والُكتاب وأمناء المكتبات وبائعي الكتب والقراء في كل مكان، لا يريد لأطفالنا أن يكتشفوا الإثارة ولذة الإدراك اللتين تعترياننا عندما ننتهي من قراءة كتاب عظيم ونفكر: نعم، إن العالم يبدو هكذا!

ولكي يحدث ذلك، نحتاج إلى أن نكتشف مرة أخرى التزامنا بالتحديق في الكلمات على صفحات الكتاب، حتى تنفذ الأسطر أولاً، ومن ثم تنفذ الصفحات، وأن نحتفظ كذلك بآرائنا لأنفسنا حتى نتعرف على ما نقرأه جيدًا. أن لافتات "ممنوع الكلام" الموجودة سابقًا في المكتبات لم تُوضع إلا لسببٍ ما، فليس ما نقرأه هو المهم، بل المهم كيف نقرأ.

القراءة معبد واسع، لكنها لا تزال معبدًا قد يتطلب من رعيته أن يحنوا رؤوسهم أحيانًا في لحظة تأمل صامتة.



تعديل المشاركة Reactions:
هل فقدنا فنّ القراءة؟

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة