-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

مجهول أنا إن عدتُ

 


جان بابير


لم يعد يذكرني أحد . ماذا لو عدت إلى قريتنا الهزيلة بعد عشرين عاماً من الغياب ، هل ستكون قد أصبحت كهلة مثلي! سيكون التل الأثري أضأل مما كنت أرى، حينما نكبر تصغر الأشياء والسهول التي تمتد إلى أقدام الهضاب الصخرية البيضاء التي تبدو طاعنة في السن ,والحجر البارز يكون أكثر استلقاءاً وكسلاً من البلاد التي لفظتنا كأسماك نافقة من بطن البحر، تلك البلاد العجيبة بلاد القصص والحكايا , بلاد الطوائف والمذاهب والعرقيات تكون قد أنهكتها الحرب وطعنها الهجر، سيكون جارنا المخبر الرديء قد أصبح مسؤولاً بخصى كبيرة يسنده الحزب, والمقبرة أكثر اتساعا من الحزب ذاته. من يقنعني أن تلك الفتاة الصغيرة التي عشقتها قد أصبحت أم لستة أولاد وانتفخ بطنها بالسابع، البنت التي كانت تطرز الأغاني على منديل حبنا ومواويلها تركض حافية لتوديعي واستقبالي ، خذلنا الحب والذاكرة لم تخذلنا ، كانت تركض حافية في حقل الصبح الفصيح، وتلقي بالحبوب إلى الحمائم وضحكتها تشبه أحزاني ،من يصدق أن الطرق ما زالت تحتفظ بخطواتنا؟ من يقنع هذه المرأة مستديرة البطن ومترهلة الأثداء أنها كانت عاشقة ؟، تخرج ليلاً للقاء الحبيب الذي كنت أنا , بعيداً عن ضوء القمر وخلسة عن الفضوليين، وحفظت كعكة العيد لعام في غيابي لتمنحني إياها تميمة جوع وحب ،وجدول ضحكتها الصغيرة يسري في أرض أحزاني فتنبت شجيرات الحب، من يخبر أمي في قبرها أني عدت مجهولا مني ومن تلك البنت والتل؟ ، و يقول لها :لا تهتمي بإلحادي, ألم  تقولين :"العنزة تتعلق بأقدامها وكذلك النعجة ؟" كنت شاعرك الأجمل, أنظّم لك ماء الحب ,وروائياً أسرد حكايا التل والصخور، وأجعل من شجرة التوت الكبيرة مع عصافير الدوري أعضاء العمل الرئيسيين في السرد والمجاز ، أمي التي ماتت كشجرة، ما زلت أحفظ أفياء حكاياها عن قلب قلب, مجهول أنا رغم كل الشهود؛ الشجرة ، الهضبة، التل ، تلك البنت التي لم تكبر في ذاكرتي , كلهم شهود زور لا يحفظون ملامحي . غريب أنا أماه عن الدار، وحده ابن كلبنا يشم رائحة الحزن مني، وحبيبتي التي كانت تقبّل شفتي ساعات وساعات , وتقول لي بلل شفتي بريقك, لم تبقي أثر للرطوبة في فمي المليء بها ، جمعت كل لقاءاتنا وحبنا ووضعتهم في منديل ورميتهم في بئر ذاكرتها المسدود كالسرّ! .غريب أنا ومجهول عن الخرائط والأوطان ,ومنفي عني حتى إشعار آخر. لم يعد للصباح رائحة الخبز ، اغتاله الوقت،أماه! أنجبت بعدك الكثير من القصائد والروايات التي كان فيها ظل ابتسامتك وشيء من حكمتك ، جئت غريبا لا يعرفني أحد, جئت منسياً أحملك وأحمل التل وتلك البنت على ظهري وأمضي إلى طريق لا يفدي إلى ذاكرتي المثقلة بكم ، أهرب مني وتفيضُ روحي بكم ،وأبكي سنينا ، أشرب من أحلامي كوب ماء مُر أزور أحلامك أخرج كل شيء من صدري وأهرب فتلتقط حمائم تلك الفتاة الحب من أسطري ، يوجع قلبي ، أعلق صوتي وصورتي على مقبض الباب وأهرب مهرولا مبتعدا عن ذاكرتي التي تشير إليّ بحنين قاسٍ  .

تعديل المشاركة Reactions:
مجهول أنا إن عدتُ

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة