-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

عصر آخر



أحمد مصطفى / خاص سبا




المسألة لا تحتاج إلى كلام- قالها اوسك بفخر وهو يتحدث عن مكانة أخيه اسماعيل- إنه يستطيع أن يحل مشاكل القرية كلها، تصور إنه يتحدث مع الشرطة دون أن يرتبك أبداً.
كجل هو الوحيد الذي يصغي وهو يعبث بنمخاره، يخرج المخاط، يكورها ثم يطير كراته بطريقة بارعة في الهواء غير مبال برذاذ اللعاب المتطاير من فم أوسك وهو يتحدث عن إمكانات اسماعيل التي يستطيع بها أن يتحدى أهل القرية كلها، فهو الوحيد الذي يرافق شباب القرية إلى مركز التجنيد، و الوحيد الذي لا يستطيع المختار حمو أن يقول يرفض له أي طلب.
سمك يتحدث بزهو، و كجل يصغي بتمعن ويشرد قليلاً عن التفكير في المال الذي استدانه بالفائدة من عمر خلو ليعالج ابنه المريض، فلن يكفي ثمن الخراف سداد الدين، و قد لا يكفي موسم الشعير هذه السنة الدين أيضاً، لكنه كغيره من رجال القرية المتربعين شرق منزل حج خليل الذي كان كعادته يرش كل أوقات العصر ظل بيته بالماء بعناية، فتخفف تلك الرطوبة من حرارة شمس الصيف، ثم يمد لبادتين كبيرتين قديمتين في انتظار الضيوف المعتادين، إنهم رجال القرية لا غير، ومباراة (المانغل) المعتادة لا غيرها.
كانت هذه المرة محمومة بين أكبر خبيرين على الإطلاق، إنه علي قْر الذي هزم رجال القرية كلها، و فتحو الذي يقال إنه يتحدى القرى المجاورة أيضاً.
كجل لم يكن متحمسا لأي منهما، حيث علي قْر رفض أكثر من مرة أن يعيره كبشه لبضعة أيام لتلقيح نعاجه، و فتحو الذي سخر منه ثلاث مرات على رؤوس الأشهاد بعد خسارته المهينة في لعبة(المانغل)، لكن حماسة اللعبة تجبره أن يلتفت إليها كغيره من رجال القرية الذين شكلوا حلقة دائرية حول اللاعبين و هم متشوقون لمعرفة النتيجة.
في كل مرة يقول اوسك :
"دعك منهم أخي واسمعني، سأقول لك ما جرى لأخي بوزان" وهو يضرب كفيه ضاحكاً استعداداً للسرد.
قاطعه كجل بنوع من السخرية: دينو...!
قطب سمك جبينه و بدا عليه الامتعاض من سماعه كلمة دينو، على الرّغم من أنه شيوعي - والعياذ بالله- ويشرب العرق، ويشكك على الدوام بوجود إله للكون إلا أنّ الأخ يبقى أخاً.
لازمه لقب دينو منذ سنوات حيث أنه في إحدى المرات تحدى جميع الرعيان بحجم برازه الضخم، لكنه بعد أن تعرف على ابن الكلب مصطو  -كما يقول الصوفي حسو- فسدت أخلاقه. مصطو هذا أفسد أخلاق الكثيرين من الشباب، وآخر ضحاياه هو بوزان والذي بدوره يردد ما يصرح به الكافر مصطو حيث يقول إن الفوسيتي(السوفييت) أفضل من الجميع وإن الإمبروالية (الإمبريالية)تظلم العمال على الرغم من أن أهل القرية لا يعرفون ما يعنيه بل إنهم غير معنيين بكلامه، لكن أن يشكك بوجود الله ويتعاطى المشروبات المحرمة فلا وألف لا.
التفت الصوفي حسو إلى اوسك، ورمقه من طرف عينه اليمنى بنظرة حادة في إشارة منه بأن يسكت: استغفر الله.
أدرك اوسك خطأه فسارع إلى تغيير الموضوع وسرد قصة الذئب الذي قتله منذ سبع سنوات علماٍ أن كل أهل القرية متفقون على أن اوسك لا يجرؤ على قتل ثعلب إلا أنه كان مصراً على أنه هو من قتله، وزوجته خجو تشهد على فعلته.
ارتفع صوت فتحو و ضرب بحجارته الأرض وهو يصرخ بغضب:
"علي قر قد غش في اللعبة" بينما علي قر يحلف بالطلاق من زوجتيه بسيه وزينب إنه لم يتعمد ذلك.
ارتفع الصياح و انقسم الرجال بينهما، فريق يميل إلى ما يقوله فتحو والآخر يؤيد ما يصرح به علي قْر الذي يراه فائزاً عن جدارة وحلف فتحو بالطلاق إنه لن يلعب مرة أخرى، وحمل مانغله تحت إبطه و عاد إلى البيت وهو يتمتم و يلعن كل شيء، وبالطبع لم تسلم زوجتا علي قر من لسانه السليط ولا كل نساء القرية بمن فيهن زوجة الصوفي حسو، إنه ليس بارعا باللعب فقط بل بالشتائم الأصيلة.
بدأ الصوفي حسو يلومهم جميعاً على هذه اللعبة الشيطانية التي تسبب الخلاف دائماً بعد أن كان يلعب معهم بعينيه و رجليه. الصوفي يؤنبهم على الشجار، قالها كجل بخبث متغامزاً.
غابت الشمس كعادتها وغاب الرجال كعادتهم، ومعهم غابت القرية، وفي مكان آخر شكل آخر من الحياة.

تعديل المشاركة Reactions:
عصر آخر

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة