-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

حكاية سنة من كوباني



د. مصطفى محمود / خاص سبا

الحلقة الأولى 
                                                                Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 1 » 

باع والدي حصته من الطاحونة في قريتنا النائية " شاره باني " صيف عام ١٩٥٤ ، وحملنا كل ما نملكه من حوائج وأغراضاً قروية متواضعة ( فرشات ، بسطات وسجادات يدوية صوفية - أواني المطبخ النحاسية - مخضة الوالدة مع مجموعتها - قوت البيت من شوالات البرغل والطحين والقمح الإحتياطي - القرابي التي تحتوي على سمن الأغنام - خشبة تخبيز الخبز ومجموعتها من الساج والشيش الحديدي والمرقاق الخشبي الأملس ( تير ) والسفرة الحمراء ..- صندوق والدتي الخشبية التي تستعمل لتخزين وحفظ مصوغاتها ونقودها وملابس العائلة بالإضافة الى بعض الأشياء الصغيرة - مرآة بدنية كبيرة - طشتان كبيرتان للإستحمام ولغسيل الملابس ...) في شاحنة الأرمني سركيس أفندي الذي أوصلنا الى منزلنا الجديد في كوباني ، قاطعاً مسافة /٥٥/ كم من الطريق الترابي غير السوي بأربعة ساعات تقريباً .
كان والدي المتدين جداً قد بنى منزلنا المسور على مساحة /١٠٠٠/ م٢ والذي اشترى أرضها بمبلغ /١٢٥٠/ ل.س. من مجحان آغا ( جد الدكتور بختيار حسين ) . وكان المنزل المتواضع يتألف من غرفتين طينيتين مسقوفتين بعدة خشبات مسنودة على عواميد من شجرة الصفصاف نستعمله للجلوس وكمنامة لنا ولمعارفنا من الضيوف القادمين من القرى .. وكانت هناك غرفة خاصة منفصلة للوالد تطل بباب منفصل على الشارع مع نافذة كبيرة تطل على الحوش . بينما كان مطبخنا عبارة عن غرفة طينية دون باب نسميها " آرگون " حيث تستعمل لتخبيز الخبز ولتسخين الماء في قدر نحاسي كبير ، للإستحمام ولغسيل الملابس ( كانت الوالدة تستعمل المخلفات الجافة للأغنام والأبقار ، وقش الحبوب ، والجذور الجافة للقطن والشجيرات ، كوقود لتلك الأعمال ، بينما كانت تستعمل پاپور زيت الغاز للأعمال الصغيرة نسبيةً ). وكانت هناك في زاوية بعيدة عن الغرف حفرة فنية بفوهة مستطيلة صغيرة ، ولها جدران وسقف واطئ بدون باب يسترها، أستفسرنا من الوالدة عن مغزاها ،ي فأجابت أن نسأل من الوالد الذي شرح لنا كيفية إستعمالها ، إنها :" آڤده ست خانة - تواليت ". لم ينس والدي أن يزرع في هذا الحوش الكبير عدة أشجار مثمرة : توت - رمان - مشمش .. مع مساحة متروكة لزراعة البقدونس والبصل والبقلة ...لإحتياجات المنزل الضرورية . وفي إحدى زوايا الحوش كانت ثمة بئراً بمياهها الغزيرة تتموقع بدلوها البلاستيكي وجدرانها الواطية ، نستفيد منها للإستعمالات المنزلية ولسقي أشجار وخضراوات الحوش . ........


 الحلقة الثانية 

Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 2 » 

كان منزلنا الجديد في حارة " شيخ صالح" سيدا الحديثة نسبياً، بمسجده الحجري الصغير على شكل غرفة كبيرة وبدون منارة ، تتوزع داخل حوشه الكبير / لقد قيل حينها أن مجحان آغا تبرع بما يقارب من هكتارين من أراضيه لصالح هذا المسجد ولسكن الشيخ واولاده ، الذين شيدوا أحواشهم عليها بالإضافة الى زرع كرمة وبعض الأشجار المثمرة داخل سور الكرمة / غرفتان لطلبة الفقه ، وغرفة لتعليم القرآن ( للأطفال الصغار ) بالإضافة الى بئر للماء وعدة مراحيض. لقد أخذت الحارة تسميتها من إسم الشيخ الجليل صالح حسين الذي قدم مع عائلته الغفيرة من مدينة " عامودا " عام /١٩٤٦ / كما أعتقد وذلك بتوجيه من شيخه أحمد خزنوي المقيم في قرية " تل معروف ". كان الشيخ المذكور سبباً لهجرة والدي الى تلك الحارة، والذي تعرف وتصادق وتلاصق من خلالها مع اقرانه أولاد الشيخ الملالي : ملا بشير ( والد مللي كورد - والد كاتبنا وأديبنا المعروف Jan Dost - جد الأستاذ محمد حبش كنو ..) وملا محمد ، ملا حسين ، ملا معصوم ( والد الأستاذ محسن سيدا ) . حينها كنت في الرابعة من عمري ، طفل قروي يزور ، بل يقيم لأول مرة في مدينة إفتراضية ( كانت كوباني عبارة عن قرية كبيرة بمقايس هذا الزمن )، هذه المدينة التي كانت تفتقر الى الشوارع الأسفلتية ( ما عدا سوقها وشارع السراي ) ..حيث تحول الأمطار الغزيرة التي تهطل بدءاً من أوائل الخريف والى أواسط الربيع ، بالإضافة الى الثلوج الكثيفة التي تهطل /٢-٣/ مرات في السنة ( ما عدا سنين العجاف وهي قليلة آنذاك ) أزقة وشوارع المدينة الى مستنقعات موحلة . كما كانت المدينة تفتقر الى المياه الصحية الممددة ، والى الكهرباء ( ما عدا مولد كهرباء كبير يغطي إحتياجات الدوائر الحكومية ومنازل المسؤولين الكبار ليلاً فقط ). بينما كانت لمبات الكهرباء من خلال مولد خاص تشع أنواراً من داخل وخارج قصر بوزان بك المشيد على رابية في قرية " مكتلة " القريبة ( كنا نصعد سطوح منازلنا ليلا لنكحل عيوننا خلال دقائق معدودة بالأنوار المنبعثة من ذلك القصر الفخم والمهيب في نظرنا ) . 
تأقلمت سريعاً مع أقراني احفاد الشيخ ومع الأطفال الآخرين ( أولاد كوسي - حم جن - حمه نوك - حج ويس - محمد نبو - حج قتي ....) الذين شيد أولياء أمورهم منازلهم في هذه الحارة لذات أسباب هجرة والدي . أتقنت رويدا رويدا من أحفاد الشيخ اللكنة الكورمانجية العامودية الناعمة والجميلة رغم حشوها بالمفردات العربية الكثيرة، بينما اللكنة الكوبانية محشوة بكثير من المفردات التركية المشوهة نتيجة تابعيتنا تاريخياً لمنطقة " سروج " الأورفلية ردحاً من الزمن . 
وربما كان للمذهب الإسلامي الحنفي ( كان المذهب الرسمي للدولة العثمانية ) دوراً في ذلك ، حيث الدراسة في المدارس الدينية تتم باللغات الفارسية والعثمانية التركية ، خلاف المدارس الدينية الشافعية في الجزيرة العليا والسفلى حيث اللغات الكوردية والعربية والفارسية هي الدارجة. .....


تعديل المشاركة Reactions:
حكاية سنة من كوباني

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة