مصطفى تاج الدين الموسى
آهٍ منكم.. تعبتُ.. تعبتُ.. تعبت..
كان لابد لي من أن أشتمكم جميعاً في أقل من دقيقة, مضّطراً رغم صداقتنا القديمة..
اللعنة عليكم واحداً تلو الآخر, حتى أنت يا قصي !.. كنت أظن أنّك أذكى من البقيّة. أنا لا أسلم عليكم يا أغبياء, لديّ أصدقاء لا يستطيع أحد في هذا الكون تحمل سخافاتهم, والله أمرهم غريب.. لم أفهم كيف لم أمت بالجلطة حتى الآن بسببهم, رغم مرور سنوات عديدة على صداقتي مع غبائهم.
أصدقائي ــ للأسف الشديد ــ كتلٌ من لحم لا عقل فيها.. أصلاً بدون خمر أنا لا أفهم عليهم, وهم لا يفهمون عليّ.. فكيف الآن نفهم على بعض؟.
فعلاً.. مثلما قالت لي أمي منذ زمن, أنا أضيع مواهبي وذكائي مع شلّة حمقى. صحيح أنّنا ظللنا نشرب النبيذ لثلاث ساعات متواصلة في تلك الخمّارة الرخيصة, ونتحدّث عن البنات الجميلات بثياب وبدون ثياب.
وصحيح أنّ المشاغب يوسف قد لفّ لنا الكثير من سجائر الحشيش.. لكن, ورغم كل هذا لا أزال صاحياً, بينما أنتم.. للأسف سكرتم, سكرتم جداً.. ليتحوّل غباؤكم من بحر إلى محيط, حيث أغرق فيه الآن وببطءٍ مريع.
منذ دقائق كنّا قد خرجنا من تلك الخمّارة ونحن نتعكز على بعضنا, ونضحك بصخبٍ عالٍ مثل مجانين غير مبالين لأيِّ شيء في هذا العالم. إلى أن سقطت علينا ــ فجأةً ــ قذيفة من حيث لا ندري في عتمة هذا الشارع, لترمينا أرضاً وكأنّنا مجرَّد خرقٍ قماشيّة بالية, وسط عاصفةٍ كثيفة من الغبار.. تعمي العيون. رغم كلّ ألامي الفظيعة, تحاملت على نفسي بعد برهة من استلقائي على الإسفلت, ثمّ جلست وأنا أتنفس بصعوبة ودمي يسيل من كل جسدي.. سرعان ما شهقت بفزع وأنا ألمح على الأرض يداً مقطوعة من تحت كتفها بقليل ومحترقة كـ لحمٍ مشوي, وتبدو وكأنّها يسرى. انحنيت بشقِّ الأنفس عليها حيث التقطتها, رفعتها للأعلى والدخان يتصاعد منها, ثمّ رحت ألوّح بها لكم رغم الضباب الكثيف للتراب وصعوبة الرؤية.. لوّحت بها وأنا أتمتم بوهن لكم:
ـــ من منكم فقد يده يا شباب ؟.
وبأجسادكم المتناثرة حولي على الإسفلت كيفما اتفق, وكأنّها أخيلة داكنة أو أشباح بدائيّة.. رحتم تلوحون لي وببطء.. وكأنكم تسلمون عليّ في هذه العتمة. ألوّح لكم.. تلوحون لي.. ألوّح بهذه اليد المقطوعة وأنا أكرّر سؤالي بصوت منخفض من شدّة الألم, فتلوحون مجدّداً, والضباب يقهقه ساخراً.
أنا لا أسلِّم عليكم.. آهٍ منكم, كلّ الحق عليّ, أستحقُّ هذا.. لماذا أصادق الأغبياء فقط ؟!.
آهٍ منكم.. لقد تعبتُ وأنا ألوّح لكم بهذه اليد المقطوعة, تعبتُ كثيراً..
لأنّها ثقيلة.. ولأنّني لم أستطع أن أحملها إلا بيدي اليمنى…..