اللوحة للتشكيلي العراقي مؤيد محسن |
إنَّ الوجود الإنساني هو عبارة عن اختيارنا لماهيَّتنا ، واختيارنا لماهيَّتنا إنّما يعني توصُّلنا لاختيار الشخصيّة التي نريد أن نكونها. وهذا هو معنى القول : "الماهيّة لاحِقة للوجود". لأنه لكي نختار ، فلابُدّ أولاً من أن نكون موجودين. وحين يقول الوجوديون أن الوجود يسبق الماهيّة ؛ فإنهم يقصدون بذلك أن الإنسان لا يملك بادئ ذي بدء أيّة ماهية أو طبيعة ، لأنه يولَد غير مكتمِل الصورة ، ثم يصير من بعد ما يجعل من نفسه. فالإنسان هو في عالم التجربة ذلك الموجود الوحيد الذي ينحصر وجوده في حريته. أمّا باقي الموجودات فهي خاضعة لجبرية صارمة بمقتضاها تسير أفعالها في نطاق محصور وفقاً لقدر سابق أو نظام محتوم.
بيد أن البعض قد يعترض على هذا الرأي بقوله أن وجود الإنسان هو الآخر ، يتوقف على عوامل كثيرة ، لعل أهمها وراثته وبيئته والتربية التي تلقاها. فليس الوجود الإنساني بخارج عن النظام الكوني الشامل ، بل هو خاضع لتلك الآلية الطبيعية التي تجعل اختيارنا متوقِفاً على طبيعة الشيء المُختَار نفسه. وهنا يردُّ أنصار الوجودية ، فيقولون أنّهم لا يُنكِرون بحال توقُّف الإنسان على العالم. فالوجوديون مُجمِعون على أن الوجود الإنساني ليس عامّاً مطلقاً ، بل هو وجود زماني تاريخي ، له ظروفه ومواقفه ، وجود متجه نحو العالم الخارجي ، مؤتلِف من مجموعة روابط مع هذا العالم بما فيه من ذوات وأشياء.
ولكن هذا لا يمنعنا من أن نقرِّر أن لدى الإنسان من الحرية ما يفصله عن باقي الموجودات ، لأنّ كل ما عداه هو بالنسبة إليه مجرد ( معطيات محضة ) يستطيع أن يخلع عليها بحريته المعنى الذي يختاره. حقّاً إن كوني جميلاً أو قبيحاً ، شرقياً أو غربياً ، من أسرة فقيرة أو غنية : هذا كله يُعبِّر عن وقائع لا سبيل إلى محوها أو إلغائها ، ولكنني بلا شك حرّ في ( الموقف ) أتخذه بإزاء تلك الضروب المختلفة من الوجود. ففي استطاعتي أن أكون فخوراً بكل تلك الوقائع ، أو أن أشعر بخجل شديد بإزائها. وإذن فعلى الرغم من أنني لا أختار بنفسي هذه الظروف أو تلك الوقائع ، فإنني أختار فعلاً طريقة استجابتي لها ، مُحدِّداً موقفي بإزائها. وهذا معناه أنني أحيلها إلى ذاتي ، وآخذها على عاتقي ، وآخذها على عاتقي ، وأتحمّل بالفعل ما يترتب عليها من مسؤوليات.