-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

نظرية العقد الاجتماعي عند جون لوك


بحث ودراسة : رشيد جمال



يعتبر جون لوك فيلسوفاً تجريبياً ومفكّراً سياسياً، ولد في عام 1632م في زنجتون في إقليم سومرست بإنكلترا.
في تلك الفترة كانت إنكلترا تعيش صراعات مذهبية وحروباً بين البرلمان والملك على السلطة، حاول لوك بأن يكون منصفاً لقضية الشعب الإنكليزي؛ فهو الذي كان ينادي دائماً بحق الحرية لكل فرد، بحيث يحاول التغلب على الفكر الاستبدادي والحكم المطلق عن طريق العقل، وكتب هذه الأفكار في رسالتين عن أسس الدولة بعنوان «مقالتان عن الحكومة»، وأيضاً كتاب ينادى للتسامح بين المذاهب والأديان.

ولوك كان من مؤيدي الثورة الكبرى عام 1688م، وبسبب أفكاره السياسية لجأ إلى هولاند؛ بسبب ملاحقته من قبل سلطات الملك، ولكن عاد إلى انكلترا مرة أخرى أثناء بدء الثورة الكبرى ضد سلطة القصر.

وكان لوك مناصر للحرية والعدالة، يحاول تحرير الفكر البشري من سلطة الجهل المطلق والحكم المطلق، وبأن الإنسان في حالة الطبيعة كان إنسان خير بحيث كان يميز عن طريق العقل بين الخير والشر، ويحاول دائماً بأن يكون إنساناً أخلاقياً ولا يتعدى على الآخرين نرى بهذا المنحى الذي يتوجه به جون لوك يناقض توماس هوبز في حكمه على الطبيعة البشرية، التي يصف بها طبيعة الإنسان بانها شريرة وهمجية.

يحاول لوك التعمق في الحالة الطبيعية لدى الفرد والمجتمع فنرى بأنه يصف الإنسان بالخير والأخلاق وهو بالأصل عقلاني، وأن العقل يلقن الأفراد أفكاراً وقيماً معينة تتجه نحو الأخلاق والعدالة، وسمّى هذه الأفكار باسم«قوانين الطبيعة»، وهي قوانين متعلقة بالوجود البشري وأساسية لحقوق الأفراد الطبيعة وغير قابلة للتصرف فيها.

والإنسان في الوجود كائن عقلاني، وفكرة الحرية مرتبطة بفكرة السعادة، ولا نستطيع الفصل بين الحرية والسعادة؛ لأن الحرية هي التي تمنح الإنسان السعادة عن طريق اختيار العمل والأشياء التي يحبها، «وأن غاية السياسة وغاية الفلسفة واحدة، هي البحث عن السعادة والتي تكمن في الأمان والسلام، وبالتالي لا نستطيع ضمان السعادة بدون ضمانات سياسية تعمل على نشر السعادة بطريقة عقلانية»1.

ويحاول لوك في الحالة الطبيعية للإنسان أن يثبت لنا عدت عوامل موجودة في الطبيعة البشرية والمجتمع بحيث يحاول أن يكون معتدل في وصفه للحالة الفطرية للإنسان فيها بنظره لا تشكل الحالة الوحشية والهمجية، كما صورها هوبز، ولا النعيم والخير الذي يعيشه الإنسان كما صورها روسو،إنما هي حالة يستطيع الخروج منها وذلك بطريقة منظمة ضمن شروط وضمانات للمستقبل.

وإن الفرد في حالة الطبيعة كان بحاجة على قانون يحمي حرياته، يحقق له السعادة التي يجب أن تكون سعادة المجتمع وليس الفرد فقط، وفي الحالة الفطرية كانت الحرية والمساواة الطبيعية منظمة بواسطة العقل وموجودة في قانون الطبيعة نفسه الذي يمنع لأي فرد من الاعتداء على الآخرين، بحيث كانت «هناك قوانين ضمنية في الحالة الفطرية للإنسان وهما:
أولاً – على الفرد المحافظة على حياته، وحياة الآخرين ضد أي تهديد أو خطر.
ثانياً – عليه أن يكون حكيم في تصرفه أثناء ارتكاب المخالفات ضد قانون الطبيعة»2.

ولكل فرد الحرية ضمن القانون، وله حق العمل والملكية والخاصة في الحالة الفطرية وهي حق طبيعي أيضاً موجود قبل وجود المجتمع المدني حسب لوك, وعن طريق العمل يستطيع الفرد إعطاء قيمة لذاته عن طريق العمل الذي يقوم به وأهميتها بالنسبة له وللمجتمع, «فالعمل قيمة للإنسان ونحن مسؤولون عن عملنا,وأيضاً تصرفاتنا وأخلاقنا عن طريق العقل، وهذا العمل الذي نقوم به يعود بالفائدة على المجتمع والفرد بشكل عام وأن الملكية أيضاً هي أحد أسباب السعادة وحسب لوك فإن السعادة الحقيقية هي بامتلاكنا الأشياء التي تنتج أكبر اللذات».3

وهكذا نرى بأن الحالة الطبيعية للإنسان كانت تحتاج إلى قوانين عامة تكون لصالح الجميع وليس لصالح أفراد محددين، والقضاء العادل هو بديل الحالة العشوائية في الحكم على الشؤون الخاصة والعامة، ويجب أن تكون هناك سلطة قوية لتطبيق العدل، ولذلك كان لا بد من تنظيم المجتمع وجعله أكثر عدالة وتحقيقاً للسعادة، فكان لا بد من وضع قوانين ودساتير تحمي الحقوق والحريات وملكية الأفراد.

هكذا نرى بأن الملكية كانت من إحدى أسباب التي جعلت الفرد يبتعد عن الحالة الطبيعة، وهذا أدى إلى خلق الصراعات ونشوء نوع من الفوضى في المجتمع، فكان لابد من وجود نظام أو قانون يحمي حرية وكرامة الفرد من أي فرد أو مؤسسة.

«فكان للوك الجانب الإيجابي بطرح أفكاره الليبرالية، التي ستصبح فيما بعد قوانين في تأسيس دساتير دول عظمة مثل أمريكا، التي أسست دستورها على نظريته، وأيضاً الدستور الإنكليزي، الذي تأسس على نظرية لوك حتى نهايات القرن التاسع عشر»4 ، وعندما نعود إلى مبدأ نظرية لوك في العقد الاجتماعي نرى بأنه يؤسس لحالة من الالتزام والانضباط واحترام حريات الآخرين.
ويقول في هذا الصدد جملة مشهورة له «الحرية هي ألا يتعرض المرء للتقييد والعنف من الآخرين»، وأيضاً في نفس السياق يقول «ليس هناك حرية حيثما يغيب القانون»5 ، إذاً يعني الحرية ليست الشكل الفوضوي والعشوائي لحياة الفرد، إنما هي تحت سلطة القانون.
فهناك جوانب في الإنسان خاضعة الغريزة، وعندما نتجه بهذا المنحنى نكون قد حولنا المجتمع إلى غابة،أي بمعنى نفعل ما نريد لأجل مصالحنا الشخصية وغرائزنا، لذلك يقول جون لوك، «أن وجود السلطة لأمر ضروري، لأننا لا نستطيع العيش بسلام وأمان بدون وجود سلطة تقوم بمهمة ضبط كل مَن يريد العبث أو السيطرة على ممتلكات الآخرين»6، أي بمعنى وجود السلطة هو لتأمين الحقوق الطبيعة للفرد والمجتمع كحق الملكية والحرية والحياة وتعزيزها.
وهذه السلطة تكون بينها وبين الشعب عقد أو اتفاق، ينص على
 «يجب على الفرد التنازل عن بعض حقوقه لصالح الجماعة وأن يكون تحت سلطة القانون وعلى الدولة أو السلطة حماية ممتلكات الفرد وصون حرياته وكرامته».7
وفي حال عدم التزام السلطة أو الحاكم بالعقد يستطيع الشعب التمرد عليه؛ لأن المبادئ الأساسية للسلطة هي السهر على راحة وسعادة المواطنين وحماية مصالحهم الخاصة وتحقيق الأمن والسلام واحترام حقوقه. ولكي لا تكون للسلطة كل الصلاحيات وتتحول مع مرور الوقت إلى سلطة استبدادية.
«فقد قسم لوك الدولة إلى ثلاثة سلطات.
- السلطة التشريعية
- السلطة القضائية
- السلطة التنفيذية.
وتأتي السلطة التشريعية على هرم السلطات، وهي أهم سلطة في الدولة؛ لأنها سلطة الشعب»8 ، وهي التي تشرع القوانين، ومن ثم تأتي السلطة التنفيذية بتطبيق القوانين وذلك لأنها تمتلك القوة وهي المسؤولة عن تطبيق النظام والقانون بين الناس بالعدل، أما السلطة القضائية فهي تابعة للسلطة التشريعية، بحيث هذه القوانين تكون من عقل المجتمع ولمصلحته وبما يتماشى مع حرياته وتصون كرامته.
وفي حال نشوء خلاف فيجب اللجوء إلى القانون؛ لأنه فوق الجميع ويطبق بشكل عادل على الكل والكل متساوٍ أمام القانون، وهكذا نرى بأن لوك يحاول أن يوضح لنا حقوق وواجبات الفرد تجاه الآخرين والدولة.

وفي الجانب الأخرى هناك مقدسات وحقوق طبيعية للفرد والجماعة يجب على الدولة حمايتها وعدم المساس بها، كحق الحياة، حق الحرية، حق المساواة، وأيضاً هناك حق للفرد في اختيار المعتقد الذي يؤمن به وليس للدولة أي سلطة على الفرد أو الجماعة فيما يتعلق بأمور الدين؛ لأنها مسألة شخصية بين الإنسان وربه.

وإذا نظرنا إلى الواقع الحالي من منظور نظرية لوك في العقد الاجتماعي نقع في دوامة مجموعة من الأسئلة التي تفرض نفسها علينا:
- هل ما زال هناك احترام لحقوق الطبيعية للإنسان؟
- هل نحترم معتقدات الآخرين مهما كانت
- ما هي الأسباب التي أدت إلى وجود أنظمة استبدادية وخاصة في الدول الشرقية؟

بالتأكيد المجتمعات الحالية تفتقد الكثير من حقوقها وهي حقوق طبيعية موجودة قبل وجود الأنظمة، ففي معظم الدول الشرقية والعربية وخاصة دول ما يسمى بالربيع العربي كسوريا والعراق واليمن وليبيا.
- أين حق الإنسان في العيش؟
- هل الإنسان يمتلك حريته وحياته؟
- وهل الحاكم في تلك الدول حاكم وصي الله على الأرض، أم هو مجرد موظف لدى الشعب؟

وإن السلطات الاستبدادية استفادت نوعاً ما من نظريات العقد الاجتماعي، بحيث قامت بكتابتها على الورق وتحويل الكثير منها إلى مواد في الدستور، وتقديمها إلى المحافل الدولية وإظهار كون البنود المكتوبة في الدستور تنص على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، ولكن في الواقع يكون التطبيق مناقض تماماً.
مثال: سوريا، نظامه نظام جمهوري،وفي الواقع هو ملكي؛ الابن يرث الحكم من الأب.
ومعظم الدول ذات الحكم الأبدي تفتقد شعوبها من أبسط حقوقها.

وعندما نتطرق إلى الماضي وذلك بالبحث في أفكار ونظريات موجودة قبل قرون من الزمن فقد للتأكيد على فكرة،أن الفلسفة تحاول دائماً البحث في مشاكل الإنسان والبحث عن السعادة والمساواة، وأن هذه النظريات حاولت بشتى الأشكال تقديم الأمان والسلام والحرية للإنسان والمحافظة على حقوقه، فترى بأنه كان لهذه النظريات الكلمة الفصل في رسم معالم الدولة الحديثة والتي سيأتي من بعدهم مفكرون وفلاسفة يطورون أسس تكوين الدولة والحقوق والقوانين، ويؤسسون منظمات دولية للدفاع عن حقوق الإنسان وصون كرامته.
......................

هوامش: 


 1.عبد الوهاب الكيالي, موسوعة السياسة, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, ط2, بيروت, لبنان,1990م.
2.  مجموعة باحثين, تطور الفكر السياسي, منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر, ط2, 1990م.
3. عبد الوهاب الكيالي, موسوعة السياسة, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, ط2, بيروت, لبنان,1990م.
4. نفس المرجع .
5.  جون, لوك, في الحكم المدني,ت. ماجد, فخري, اللجنة الدولية للترجمة والروائع, بيروت, 1959م.
6.  مجموعة باحثين, تطور الفكر السياسي, منشورات المركز العالمي لدراسات وأبحاث الكتاب الأخضر, ط2, 1990م.
7.  نفس المرجع.
8.  عبد الوهاب الكيالي, موسوعة السياسة, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, ط2, بيروت, لبنان,1990م.

تعديل المشاركة Reactions:
نظرية العقد الاجتماعي عند جون لوك

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة