-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

ثقافة القطيع والإنسان المتفوِّق عند نيتشه

 

بقلم أنصار الفلسفة


وقف "فريدريك نيتشه" في عصره موقف المرصاد لكل القيم المُمنهجة متخذاً من الجينالوجيا طريقاً لإحياء حقيقة دأب يبحث عنها في جلّ فلسفته ، تحطيم هذه القيم هي مهنته ، التمرد على ماهو سائد طريقه و منهجه ، ذلك أنه الفيلسوف المُتمرِّد ، فيلسوف القوَّة ، فيلسوف المطرقة التي هوى بها على كل قيم المجتمع السائدة.

لقد كان على نيتشه متمثلاً بالحكيم "زرادشت" – بطل كتابه "هكذا تكلم زرادشت" - أن يبحث عن الإنسانية المتفوَّقة ، فلم يجد من يسمعه بين القطيع ، فيحسبونه تارةً مهرِّجاً يقدم عرضاً فكاهياً ، وتارةً يرونه ثملاً لا يعي ما يقول ، وكأن الناس صمّوا آذانهم إلا عن موسيقى القطيع ، وسيمفونية الرغبة الواحدة.

يقول نيتشه : "ليس هنالك راعٍ ، وليس هنالك إلا قطيعٌ واحد ، إنّ كل من الناس يتجه إلى رغبة واحدة. المساواة سائدة بين الجميع ومن اختلف شعوره عن شعور المجموع يسيرُ بنفسه مختاراً إلى مأوى المجانين"

لقد كان دأب نيتشه أن يجد إنساناً متفوِّقاً خارجاً عن قانون القطيع ، معرِّضاً روحه للفناء في سبيل نجاة هذا الإنسان ، فمن هو الإنسان المتفوق؟ يقول نيتشه في وصف الإنسان المتفوق : " أريد أن أعلّم الناس معنى وجودهم ليدركوا أن الإنسان المتفوق إنما هو البرق الساطع من الغيوم السوداء".

الإنسان المتفوِّق هو الإنسان المحبّ للحياة ، والذي يستمد قوته من ضعفه ، فالحياة عنده لا تتوقف مهما تعرض للنكسات . الإنسان المتفوق هو الإنسان الجبَّار القوي الذي لا ترهقه الظروف مهما قست ، وذلك بخلاف الناس العاديين الذين تموت بهم الحيوية لمجرد المرض. فهؤلاء لا يؤمنون بالحياة ، لذا تراهم يستسلمون للواقع القابع خلف إرادتهم ، وهؤلاء حريٌ بهم أن يموتوا ، لتخلو منهم الأرض ، ولا ينجو سوى الإنسان المتفوِّق.

الإنسان المتفوق هو الذي يحكم ذاته ، ولا يحتاج لمن يمثله في ميادين الحياة ، ويسمي نيتشه المدّعين بأنهم ممثِّلو الشعوب "حشرات المجتمع". إن نجاة الإنسان المتفوق تكون في ضمور صلاحيات هؤلاء ، وبالتالي فلا يمكن أن يحيا الإنسان المتفوق إلا إذا تخلَّى عن تأليه الحكومات ، وعن اعتبارها الموَّجه الرئيسي لحياة الفرد.

الإنسان المتفوق هو الذي يتجاوز ذاته ، وليس شرطاً أن يحقِّق الإنسان تفوقه في ذاته نفسها ، وهنا عليه أن يُهيئ الظروف المواءمة لإعداد التفوُّق في نفوس من سيأتي بعده من أجيال.

الإنسان المتفوِّق هو الذي يحطِّم أصنام العقل المحركة لعجلة الحياة ، فينجو بنفسه هارباً من الآفات السائدة لدى القطيع ، فهو ليس بحاجة لمن يملي عليه القوانين، لأنّه لن يجد نفسه إلا في فناء أصنام العقل ، حتى أن نيتشه ذاته يطالب الملأ – على لسان زرادشت – أن يبحثوا عن ذواتهم بعيداً عن كنفه ، لأن أشد إساءة للمعلم أن يبقى التلميذ تلميذاً إلى الأبد. يقول نيتشه في معرض ذلك : " آمركم الآن أن تضيعوني لتجدوا أنفسكم، ولن أعود إليكم إلا عندما تكونوا جحدتموني جميعكم. لقد مات جميع الآلهة ، فلن يعد لنا من أمل إلا ظهور الإنسان المتفوق".
  
تعديل المشاركة Reactions:
ثقافة القطيع والإنسان المتفوِّق عند نيتشه

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة