صدر حديثاً عن
منشورات المتوسط ـ إيطاليا، ودار السويدي – الإمارات العربية المتحدة، كتاب «كيف
تصبح كردياً في خمسة أيام» للشاعر السوري المقيم في ألمانيا مروان علي، وهو كتاب
يوميات جمع فيه مروان علي، بين النصوص النثرية والشعرية، مادَّة يؤرِّخ من خلالها
للحظته الإنسانية التي تُكثِّف سنواتٍ من الترحال، لكنه ترحال لا يترك الوطن وراءه،
بل يجعلُ سندباد هذه الرحلة القصرية بعيداً عن الأرض الأم؛ يحمل وطنه معه. ليمضي
به في مدنٍ شتّى، كاشفاً أوراق هويته وانتمائه الحقيقي من خلال ما يكتب من كلماتٍ
تمتزج بتراب الأرض والمطر ورائحة القمح عبر الحقول، بعرق الفلاحين في مواسم
الحصاد، بمذاقاتٍ تُحيل إلى العائلة والمدرسة والبيت، هو الذي عمل في مهنٍ كثيرة،
كسائق دراجة نارية، وسائق تراكتور، وعتال في صوامع الحبوب في القامشلي، وقد حمل
على ظهره المئات من أكياس القمح، التي لم تغادره رائحتها إلى اليوم.
الكتاب الذي
توزَّع، ظاهرياً، على خمسةِ أيام، يمتدُّ في الزَّمن الشخصي الذي يتبنى ضمير
المتكلِّم في فعل مكاشفة شفافة وجريئة لتفاصيل حياةٍ بأكملها، فالفصول الخمسة، أو
الأيام الخمسة التي نقرأ صفحاتها المقتطعة من دفتر مروان علي الخاص، نلتقي فيها
بأشخاصٍ وأماكن وحكاياتٍ تشكِّلُ ذاكرة لا تتوارى، خلف صنعة الكتابة، بقدر ما
تنحاز إلى البوح المجرَّد من بهرج اللغة، المفعم بكل ما هو حميمي وصادق، وإن بدا
في الكثير من الأحيان على شكلِ قصائدَ من سطرين أو ثلاثة، لكنَّنا سنتفاجأ في
الوصفة التي سيقدمها لنا الشاعر حتى نصبح أكراداً في خمسةِ أيام، ليس توصيفاً
سطحياً لعنوانٍ يبدو كشعار شركة تريد بيع سلعها، بل توظيفاً أدبياً للحظة استعادة
مضنية لصورٍ وعذابات وحنين قاتل لأرض الوطن، صغيراً وكبيراً، واحداً ومتعدداً:
«أنا شيركو.
ضربتُ مروان ابن عمّي عليّ الذي يكتب عنّي الآن، ألف مرّة.
وسأضربه إذا
عاد ثانية من هولندا، لكنه جبان، يخاف منّي ومن المخابرات،
لذلك لن يعود
أبداً
سيموت هناك في
أمستردام، وسأبكي عليه هنا في كرصور».
تحضر كرصور،
كما القامشلي، وحلب، يحضر شيركو، كما لينين، وأجاثا كريستي، تحضر الحرب، كما
الاشتراكية والديالكتيك، يحضر فرن الخبز، كما البيت الطّيني، وأضواء ماردين في
الليل .. كلُّ هذا الحضور يغريك بأن تصبح كردياً على يد مروان علي، وفي ظرفٍ لا
يتجاوز زمن قراءة الكتاب الذي جاء في 112 صفحة من القطع الوسط؛ وفي خمسة أيامٍ
مليئة بما يمكن أن تغفله ويسقط منك سهواً أو عنوةً، لكن، تلتقطه يد الشاعر
لتحوِّله إلى وثيقةِ ألمٍ إنساني، تجعلك تنتمي إليها كنصٍ أدبي يستحق القراءة
وقبول دعوة مروان علي لدخول عالمه الخاص:
في أوّل يوم
ذهبتُ للمدرسة، التفتُّ إلى أخي راكان الذي كان يجلس
خلفي. وقلتُ
له بالكردية: أنا جوعان، متى سنعود للبيت؟
ولم أرَ بعدها
شيئاً، صفعة كبيرة كجبل، وقوية كانفجار نووي.
اِحْكِ عَرَبي
وْلَكْ ..
بكى أخي
أيضاً، بكت الطاولة، بكت أمّي، بكت الحجارة البعيدة.
وحده أبي،
أخذني في حضنه بعد أن أخبرتُه بالحكاية، أشعل لفافة
تبغ، وقال:
سيأتي يوم،
ويتعلّم أطفالنا بلُغتهم في المدارس، وفي درس الموسيقى
ستحفظون
أُغنيّات محمّد شيخو، وستستبدلون بقصائد سليمان العيسى
قصائد
جكرخوين.
«كيف تصبح
كردياً في خمسة أيام» لمروان علي، يومياتٌ خارج الروزنامة، أرادها الشاعر اعتراف
حبٍّ لمكانه الأول.
الشاعر مروان علي |
عن صحيفة القدس العربي