-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

أصوات من بلدان «تامزغا» خارج الحدود



بوزيان موساوي / خاص سبا


تستضيف اليوم فنانة من طراز آخر: امرأة قررت أن تبدع لوحات تشكيلية، و شعرية، و قصصية... بعدسة كاميرا.. هي سيدة فن التصوير الفوتوغرافي الفني بامتياز: ضيفتنا هي الأستاذة نجاة القاضي. معتمدة لدى المقهى الأدبي ببروكسيل كمؤرخة فنية للحدث الأدبي و الفني و الثقافي بعدسات كامراتها ..
الأستاذة نجاة القاضي مواطنة بلجيكية من أصول مغربية ريفية (مدينة طنجة)... استطاعت أن تندمج بشكل إيجابي و متنور في المجتمع البلجيكي كأي مواطنة بلجيكية أصلية، مع الحفاظ على المقومات الجوهرية لهويتها المغربية و الإسلامية.
التصوير الفوتوغرافي بالنسبة لها هواية، و غواية، و ليس مهنة لكسب لقمة العيش... فن التصوير بالنسبة لها موهبة من بين مواهب إبداعية و فنية أخرى لم تستطع تحقيق ذاتها فيها لانشغالها التام و الدائم كأم ببيتها، و تفرغها لتربية أبنائها...
لما طرحت عليها السؤال:
أجابت بضحكتها الملائكية الصادقة و العفوية: ـ شغلي أنا؟ هههه أنا ربة بيت... ههههه. (و الابتسامة لا تفارقها...).
ذكرتني إجابتها بحوار بين صحفية فرنسية و ربة بيت من إحدى البوادي المغربية.. كان سؤال الصحفية:
ـ هل تشتغلين؟:  أجابت المرأة لا أشتغل، أنا ربة بيت..      

سألت الصحفية: ـ كيف تقضين يومك؟
أجابت المرأة: أستيقظ فجرا، أحلب الأبقار، أكنس، أغسل، أحضر الأكل، أعتني بزوجي، و بأطفالي... لا أنام حتى أطمئن على الجميع، و لو تأخر بي الوقت ليلا...
تفاعلت الصحفية متسائلة باستغراب: ـ و تقولين أنك لا تشتغلين؟
الحكمة من سرد هذه القصة القصيرة بين الصحفية و المرأة، هو هذا الدرس الأخلاقي الراقي الذي تعلمناه، و لا زلنا نتعلمه من أمهات كما السيدة نجاة القاضي، أمهات ضحين بالغالي و النفيس لأجل التفرغ لتربية الأبناء، في زمن تفشت فيه ظواهر سلبية شتى كالتعاطي لكل أنواع المخدرات، و الانحلال الخلقي، و التطرف، و التعصب.. و أصبح الهم الأساسي لكل الأمهات الواعيات و المتنورات إعطاء القدوة، و البحث عن كل وسائل تطوير المناعة لدى فلذات أكبادهن درءا لكل استلاب يضر بحياتهم و بمستقبلهم و بالأغيار..
الصورة عند نجاة القاضي قصيدة، و لوحة فنية، و قصة.. فليس كل من يتوفر على آلة تصوير، مصور، و ليس كل مصور فنان.. نجاة القاضي بداخلها شاعرة و فنانة عاشقة للطبيعة، و للأجواء الاحتفالية الراقية، و للكلمة الطيبة، و للابتسامة المتفائلة الدائمة..
لا أمتلك شخصيا ثقافة تمكنني من تحليل نقدي جمالي لصور الأستاذة نجاة القاضي.. لكنني و أنا أدون انطباعاتي عن نماذج من صور فوتوغرافية فنية من عدسة الأستاذة نجاة القاضي، تذكرت مقولتين:
1 ـ مقولة "السلطة السحرية لآلة التصوير" (الكاميرا). Le pouvoir magique de la caméra
هل للكاميرا "سلطة"؟  

من بين تجليات هذه "السلطة"، أن نخضع لأمر المصور لما يصرخ: "لا تتحرك !"... أن ننظر للكاميرا بشكل رسمي، و كأننا أمام مأمور عسكري.. أن نصلح من هندامنا، و نختار أبهى حللنا أمامها، و كأننا في فرح، أو في يوم عيد.. لذا ارتبطت كل مناسباتنا، و كل الأجواء الاحتفالية بالكاميرا، و بشخصية المصور.. و كأن المصور يتقمص دور المؤرخ: كل لقطة تؤرخ للحظة.. لحظة لا تتكرر أبدا.
حتى في التصوير السينمائي و التلفزي، بمجرد ما يصرخ المخرج:" صمت ! نحن نصور." (Silence ! on tourne.) ، غالبا ما يصاب أكبر الفنانين بالخجل أمام الكامرا إلى حد التلعثم، إلى حد طلب إعادة التصوير...
و من هم من جيلي، أو أكبر مني، يتذكرون قصة أول صورة فوتوغرافية لولوج المدارس: كاميرا عملاقة في وسط الشارع العمومي واقفة على ثلاثة أرجل، تغطي إحدى جنباتها قطعة قماش سوداء اللون، يدخل المصور العجوز رأسه داخلها و هو يغطي نفسه و الآلة بقطعة قماش أسود، قبل أن يأمرنا: "لا تتحرك !".. و كأنه أول درس في الانضباط..   2 ـ مقولة "التبئير" Focalisation
اكتشفت من خلال قراءتي الانطباعية للصور التي التقطتها عدسات الأستاذة نجاة القاضي عدة قواسم مشتركة مع ما درسته من نظريات في النقد الأدبي، و منها مقولة "التبئير" (أو نظرية الرؤية من وجهات نظر مختلفة)، و لا غرابة في كون "التبئير" Focalisation ، يشتق من Focus و تعني العين... و لأن النص الأدبي (شعر، مسرح، قصة، رواية...)، يعتمد على الأساليب التصويرية، يتساءل القارئ دائما: من يرى؟ ماذا؟ من أية زاوية؟
و الاجابة على هذه الأسئلة كانت منطلقا عند العديد من النقاد، و من بينهم جيرار جونيت، لتقعيد مقولة "التبئير" Focalisation.
و تتجلى هذه المقولة بتمظهراتها الثلاث في الصور التي التقطتها عدسات الأستاذة نجاة القاضي كالتالي:
أ ـ صور التقطتها نجاة القاضي بنفسها، و هي حاضرة فيها من بين المكونات الأخرى (عناصر الطبيعة، أشخاص، أمكنة، معالم عمرانية...).. اللقطة في هذه الحالة تؤرخ للحظة/ لحدث من وجهة نظر الفنانة و هي بداخلها، أي معنية بعملية التصوير كجزء من الكل.. و هذا ما يسميه جرار جونيت في النقد الأدبي ب "التبئير الداخلي" Focalisation interne.
ب ـ صور التقطتها كاميرا نجاة القاضي و هي حاضرة فيها، لكن ليست هي من التقطت الصور بنفسها، و كأنها فوضت وجهة نظرها لغيرها من الحضور/ الشهود.. و اللقطة تؤرخ للحظة/ لحدث من وجهات نظر مختلفة و مشتركة و متكاملة؛ و الفنانة في هذه الحالة معنية بشكل غير مباشر بعملية التصوير.. و هذا ما يسميه جرار جونيت ب "التبئير الخارجي" Focalisation externe.
ج ـ صور التقطها الأستاذة نجاة القاضي بنفسها دون أن تقحم نفسها بداخلها كجزء من مكونات الصورة، باحتفاظها بمكانها خلف الكاميرا.. و كأنها تلتزم الحياد، لتترك مكونات الصورة/ اللوحة تتحدث عن نفسها كيانا و دلالات و جمالية.. اللقطة في هذه الحالة تؤرخ للحظة / لحدث لا تشرك فيه الفنانة الغير في أخذ الصورة، و لا تظهر فيها.. و هذا ما يسميه جيرار جونيت ب "التبئير من درجة الصفر" Focalisation degré zéro.
سيدتي: أنت من جعلت الكاميرا تبتسم.. و أنت من تنثرين الابتسامات كما الورود.. أدام الله الابتسامة، و دمت مبدعة، و إنسانة، و أما صالحة نفتخر بها.
  


تعديل المشاركة Reactions:
أصوات من بلدان «تامزغا» خارج الحدود

canyar

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة