خاصّ (سبا)
"لا وقت لديّ أيّها السادة المشاهدون كي
أحيّيكم، إذ إنّني خرجت مسرعة من الحمّام، من دون أن أجد الوقت لأرفع سحّاب
البنطال، وأغلق البلوزة بالأزرار، ولا أتذكّر ما إذا كنت لبست السوتيان، فقد أسرعت
إلى هنا لأنقل لكم هذا الخبر العاجل من موقع الحدث: انفجار عبوّة ناسفة تزن
أطنانًا عدّة، زرعها الإرهابيّون في إحدى شقق البلدة، التي يسكنها رجل مسكين، تحت الأريكة
في غرفة الجلوس. وقد أحدث الانفجار دمارًا هائلًا في الممتلكات، وتناثرت أشلاء
الضحايا في كلّ مكان على السجّادة، وما زالت الدماء تنزف منها إلى الآن".
"الخبر
الأكيد تنقله لكم محطّتنا من موقع الحدث، أيّها السادة المشاهدون، نحن نعرف أنّكم
عنّا لاهون، وفي أسرّتكم غاطسون، مع أنّكم تتركون أجهزة التلفزيون مفتوحة، تتلصّص
عليكم من دون توقّف. لكن، عليكم اليوم أن تغيّروا عاداتكم، وتنهضوا لتشاهدوا هذا
الخبر العاجل والخطير: انفجار سيّارة مفخّخة بأطنان من المتفجّرات، كانت مركونة في
زاوية شقّة من البلدة، يعيش فيها رجل مسكين وعائلته، وبالضبط قرب غرفة النوم، التي
طارت جدرانها في كلّ الاتّجاهات، وتناثرت على الأرض ركامًا، واشتعلت في أثاثها
النيران، التي ما زالت تلتهم بقايا السرير، من خشب الأبنوس الفاخر الغالي الثمن.
وقد تجمّع الدخان كثيفًا في غرفة النوم، التي ليس لها نوافذ على عادة العربان، ما
أدّى إلى اختناق الزوج والزوجة، وهما يمارسان الجنس في وضع الجلوس الشاعري المليء
بالحنان. وسننقل إليكم تفاصيل هذا الوضع مباشرة بالصورة فقط – طبعًا من دون صوت،
إذ إنّهما ماتا مختنقين ومتفحّمين – كي تجدّدوا أيّها السادة المشاهدون حياتكم
الروتينيّة المملّة في الفراش".
"الخبر
اليقين من محطّتنا فقط، ننقله إليكم من على خطّ النار مباشرة، في حين تنتظر
المحطّات الأخرى نقل الحدث من شاشتنا، من دون أن تجرؤ مراسلاتهنّ على الاقتراب من
الميدان، وهنّ يجلسن جانبًا وراء جدار، يأكلن الهمبرغر ويشربن الكوكا كولا. وعلى
العكس، فمراسلاتنا ينبطحن على الأرض تحت النار، وهنّ يتناولن الفلافل ويشربن الشاي.
وإليكم خبرنا: سقطت قذائف هاون عدّة في إحدى شقق البلدة، يسكنها رجل مسكين
وعائلته، بعد أن قصفها الإرهابيّون من البساتين المحيطة بها. وأحدث انفجارها
دمارًا هائلًا في المطبخ، فسقطت الصحون من خزنها محطّمة، وتطايرت كسراتها في أرجاء
الشقّة، موقعة عددًا كبيرًا من الإصابات في صفوف المدنيّين. وسنبلغكم سريعًا
بأعداد القتلى والجرحى، بعد تقليبهم على بلاط الحمّام، وفرز الأحياء منهم عن
الأموات. وما زال سقوط القذائف يتوالى حتّى الآن على الشقّة، إذ إنّ موجات انفجار
إحداها أطارت تنّورتي الخضراء، فانكشف تحتها كيلوتي الأحمر المكشكش أمامكم الآن،
الذي اشتراه لي عشيقي ضابط الأمن من محلّ في الصالحيّة، في قلب دمشق، فالأحمر
يذكّره بلون الدماء التي أصبح يلغ بها أكثر، منذ أن علّق النجوم على كتفيه".
"خبر
من تحت النار، اتركوا طعامكم وشرابكم، وشاهدوه الآن على محطّتنا: هاجمت جحافل من الإرهابيّين،
بالرشّاشات وقذائف الـ آر. بي. جي. والقنابل الحارقة، إحدى الشقق في البلدة وقت
الفطور، يسكنها رجل مسكين وعائلته. وبما أنّه كان صباح يوم الجمعة، فقد كانت
العائلة تتناول طنجرة ضخمة من الفول المدمّس، باللبن والطحينة والزيت، مشبّعة
بالثوم الشهي، بحسب عادة أهل الشام في هذا اليوم، منذ مئات الأعوام. ومن شدّة
انفجارات القنابل ولعلعة الرصاص، طارت الطنجرة في فضاء الغرفة، وهطل مطر من الفول،
وتحطّم زجاج النوافذ شظايا، أوقعت ضحايا كثرًا على السجادة، وما زالت أشلاؤهم
متناثرة حتّى الآن بين حبّات الفول الشهيّة المفروشة في كلّ مكان، وقد كدت أتناول
بعضها لولا اختلاطها بالزجاج وتلوّنها بالدماء. ومن الصعب معرفة عدد القتلى في
الشقّة، وجميعهم مدنيّون عزّل، إذ اختلطت الرؤوس المقطوعة بالأطراف المبتورة، بعد
أن أعمل الإرهابيّون المجانين سيوفهم وخناجرهم فيهم فرمًا وتقطيعًا، ومن ثمّ
أشعلوا النار فيها ليشووها ويتناولوها على الفطور، فهم ليسوا من أهل الشام، غير معتادين
على تناول الفول المدمّس صباح كلّ الجمعة".
"صرّحت
لنا وكالة الأنباء الرسميّة، الناطقة بتعليمات من القصر الجمهوري مباشرة، بأنّ الانفجار
الذي وقع في إحدى شقق البلدة، يقطنها رجل مسكين وعائلته، ناجم عن قصف سرب من
الطائرات الإسرائيليّة المعادية، في غفلة من رجال دفاعنا الجوّي، الذين كانوا
يؤدّون صلاة الصبح. وقد شاركت الأقمار الاصطناعيّة الأميركيّة بالتشويش على
راداراتنا الجوّيّة أثناء الهجوم، فتعطّلت بوصلاتها، فاتّجهنا بقبلة الصلاة من دون
قصد إلى الشرق نحو طهران، بدلًا من الجنوب نحو مكّة، وكدنا نطلق الصواريخ على
الطائرات الروسيّة والإيرانيّة الصديقة، التي كانت تحوم في الأجواء وقتذاك، من أجل
تصوير أفلام سياحيّة للدعاية لبلدنا. وقد أحدث القصف في الشقّة حرائق كبيرة، شوهد
لهيبها مضيئًا بشدّة، من شقق البنايات المجاورة، حيث ظنّ الجيران أنّهم في وقت
صلاة الظهر بدلًا من صلاة الصبح، وتناولوا الغداء بدلًا من الفطور مسرورين. واستخدم الأعداء
في القصف قنابل عنقوديّة، أحضروها من كروم العنب الأميركيّة، المحرّم استخدامها
دوليًّا، إلّا في التجارب الحقليّة الميدانيّة على الديناصورات، وأدّى انفجارها
إلى تكسّر الصحون والكاسات والفناجين، وانطعاج الملاعق والشوك والسكاكين. وستقوم
قوّاتنا الباسلة بالردّ المرعب المزلزل الهادر في الزمان والمكان المناسبين –
وبالتأكيد، ليس في أوقات الصلاة – انتقامًا لأرواح الشهداء في الشقّة، وحتّى ترتدع
إسرائيل وتقرّ بحسن الجوار، ولا تحطّم ثانية أواني المطبخ الغالية الثمن، التي
يشتريها المواطنون بصعوبة من أسواق التهريب".
"تشير
أخبار وكالات الأنباء العالميّة التي ترد إلينا في موقع الحدث، إلى أنّ الانفجار الشديد
في إحدى شقق البلدة التي يشغلها رجل مسكين وعائلته، ناتج من قصفها بصواريخ كروز
توماهوك العابرة للبحار، المنطلقة من إحدى مدمّرات الأسطول السادس الأميركيّة،
الذي تنتشر قطعاته قرب سواحلنا، في تهديد مباشر لأمننا القوميّ، ضمن الاستنفار
الكبير لقوّات حلف الناتو لدعم الإرهابيّين. وقد عبر أحد الصواريخ الشقّة، وطيّر
الباب الخارجي في الفضاء، ووضعه في مدار حول الأرض مع الأقمار الاصطناعيّة، لكن من
دون أن يبثّ إشارات لاسلكيّة، لأنّه مصنوع من الخشب، ما يتطلّب تصنيع واحد جديد
للشقّة، سنرفع فاتورة تكلفته إلى مجلس الأمن الدولي، من دون اعتراض روسيا والصين
بالفيتو. وقد تزامن قصف الشقّة مع إطلاق دفعات عدّة من صواريخ كروز توماهوك،
المحمّلة برؤوس نوويّة بزنة أطنان عدّة، على القصر الجمهوري، والموظّفون المناوبون
فيه ما زالوا نيامًا، إلّا أنّها عدلت عنه بفضل منظومات التشويش الدفاعيّة، الروسيّة
والإيرانيّة والكوريّة الشماليّة والفنزويليّة، ونزلت فوق المنتجعات السياحيّة،
التي أقامها الأعداء الغاصبين على هضبة الجولان، منذ أكثر من أربعين سنة. وقد أبدت
مجموعة من طيّارينا الشجعان من حملة سيف ذي الفقار، والطيّارين الإيرانيّين الحسينيّين
المتطوّعين، الآتين من قواعدهم في الخليج الفارسي، عن رغبتها في تشكيل مجموعات
انتحاريّة على طريقة الكاميكاز اليابانيّة، لقصف السفن الأميركيّة. وهؤلاء
الانتحاريّون الأبطال بانتظار تعليمات القائد العامّ للبدء بهجوم الكاميكاز،
وتلقين الأعداء درسًا لن ينسوه، لكنّه تريّث في إعطاء الأوامر، وهو يفكّر في من
سيقصف الإرهابيّين في الداخل عندما يفقدهم وطائراتهم".
"أرى
على طرف السجّادة جسدًا ممدّدًا بين الحطام بلا حراك، ومع ذلك لا يبدو عليه أثر تقطيع
بالسكاكين، أو تمزّقات بالشظايا، بعكس أشلاء الجثث المتناثرة حوله. لنقترب
بالكاميرا منه، ونتعرّف سبب موته، غريب! إنّه جسد امرأة في قميص النوم، ووجهها
هادئ وحزين، كأنّها كانت تشاهد مسلسلًا تركيًّا رومنسيًّا قبل إصابتها. يبدو أنّها
حيّة، إذ ما زالت تتنفّس، فثدياها النافران يصعدان ويهبطان كزغلولي حمام، برجرجات
منتظمة مثيرة، لكنّها غائبة عن الوعي. أرى بقعًا حمراء باهتة وبثورًا حول فمها
وأنفها، كأنّها استنشقت غاز الخردل أو غاز السارين...
يالطيف!
غاز كيماوي، خبر عاجل كشفته محطّتنا في سبق إعلامي: قصفت مجموعة من
الإرهابيّين الشقّة في البلدة، التي يعيش فيها رجل مسكين وعائلته، بصواريخ تحتوي
رؤوسها على موادّ كيماويّة، مجهولة التركيب، وإن كنّا نرجّح بحسب المشاهدات
الأوّليّة لاختلاجات مئات المصابين بأنّها غاز الخردل أو غاز السارين. وقد حصلت
عليها من إسرائيل، عبر وساطات من قطر والسعوديّة، بحسب الكتابات على إحدى القنابل
التي لم تنفجر. وما زالت غمامات الغاز تغمر المكان، لذلك طلبنا من إدارة الحرب
الإلكترونيّة والنفسيّة عند العسكر بتزويدنا كمّامات ورقيّة، مرسومًا عليها قلوب
وزهرات بالألوان كافّة، لنختار منها بحسب الأذواق ما يحمينا من الغاز، ونستمرّ في نقل
الحدث من دون تأخير.
وقد
نُقل مئات المصابين إلى مستشفيات البلدة للمعالجة من الاختناق والحروق، التي أصيب
في معظمها الأطفال، والنساء، والكلاب، والعصافير، والفراشات، هذا إذا وصلوا إليها
أحياء. ونحن نوجّه نداء إلى منظمة «أطبّاء بلا حدود» وجمعيّات الرفق بالحيوان
لتأمين إبر الأوبرين، إذ إنّ الكمّيّات الموجودة لدينا نفدت بسبب كثرة المصابين، وارتفعت
أسعارها بشكل جنوني لدى المهرّبين في السوق السوداء. وما زال البحث جاريًا في
الشقّة للتأكّد ممّا إذا كان هناك ناجون، على السقيفة، أو في الحمّام، أو التواليت".
"ونطالب
الأمم المتّحدة بأن ترسل مباشرة لجان تحقيق دوليّة، على ألّا تكون شبيهة بخبثها
بمجموعات البحث عن السلاح الكيماوي في العراق، أيّام صدّام حسين، وذلك لكشف حقيقة
استخدامها من الإرهابيّين، حيث يصنّعون في البساتين موادّ كيماويّة، خارج إطار
اتفاقيّات الأمم المتّحدة، التي سمحت بإنتاج بعضها لتنظيف الأواني في المطبخ، والبورسلين
في الحمّام والتواليت، والسجّاد في غرفة الضيوف".