-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

قراءة في رواية «ما أصعب ألا أراك» للكاتبة الأمازيغية مليكة مزان



جان بابيير – فيينا / خاص سبا


نحن هنا بصدد أدب مضاد للشاعرة والروائية الأمازيغية مليكة مزان، إذ تفتتح روايتها «ما أصعب ألاّ أراك» بجملة «أن يحترموا أسلوبي في تقبيل شفتيك» ومن النافذة التي تطل على جناح الطائرة الأيمن، تتوق إلى الرجل الذي هيمن عليها مع انهمار دمعها لفقدانه، وأنت هناك في أرض كردستان التي لم يذرف أحد الدموع على ضحاياها، وتبث هواجسها وشغفها للابنة، من خلال حديث ابنتها: إنها صديقة شعب الأنفال والمجازر، لوجود حرمان بداخلها، هي نفسها سليلة، (ديهيا) الأميرة الأقرب والملك (آكسيل) وتتخذ اسم تلك الملة المقاومة في التاريخ الأمازيغي كإسقاط لرمز تاريخي هي الرواية البطلة التي تسرد وتحكي القصة، تتواتر الجمل في أسلوبها بين الشعر والسرد، لتكون إلى سيرة ذاتية.

وتسرد ظروف سجنها الفكري، من خلال الحوارات بين النائب العام والطبيب والسجينات والحراس، تدخل بتلميحات من تفاصيل حياتها كزوجة لدبلوماسي، الفراق والشغف للحب يعلو أكثر من أي شيء، في المتن ويوشم الصفحات، حتى تغرز عصا الغثيان في بلعوم المعبد معبد العلمانية لعصيد، معبد السلف للدواعش، معبد القضاء في المغرب وطقوس السجن الكل ماضي إلى تابوه الخاص، وتبدأ كينونتها العظمى، مرافقةً بعواء عالي عن توقيت الحرية لشعبين، كانا ضحية الجغرافية والتاريخ، الزمن المتخثر كفصاد دم.

وتبجل التراب والإنسان عليه، ترمي وشاح الزيف، وتمضي نحو بعضها عارية عنه (آكسيل) وحافية منه (أفيندار)، ترفع مليكة نخب الهزيمة على مائدة التهميش والغبن، وتسخر من هزيمة الوجود، بهزيمة أكبر برسائلها المفتوحة والموجهة دائماً إلى آكسيل وتعرفها عليه وجلبه لها علم شعب آخر، وتقهقه كمجداف يضرب الماء لتسير بزورق الرواية إلى الضفة التي تشتهيها، ما يأخذ على الرواية هي الوصف في المكان، والشخوص الذين يأخذون أدوارهم المنسية بين السطور، نجدهم مجهولين بقدر ما تكون جملهم واضحة وعميقة تكون وجوههم غائبة، يعلوها الغمام، تمازج وتماهي بين الشعبين الأمازيغي والكردي وحتى تستخدم مفردات كردية وأخرى أمازيغية في الكتابة، تجمع بين سير ذاتية، وهمومها الشخصية إلى إسقاطها وتفاعلها مع هموم الإنسان، وهي بطبيعتها جريئة الكلمة كما أعتدنا عليها في كتبها السابقة، فتحشر ما بين فخذي الجمل والأسطر مفردات عارية "كقحبة وخصية، ومعاشرة كلب،" بمنظومة اخلاقية خاصة بها دون الاستئذان من الكتب السماوية والناموس الكوني تمزّق نهدي الجمل ،وعورتها أمام الحرف ، جاعلة من سطورها مرآة ،تكتشف المرأة التي تسكنها، رامية في الحفرة التي سترمى فيها الشخصيات كيفما اتفق هناك تأتي العبث في بناء الشخصيات ، التي لا ندري كيف نمت وتطورت وتفاعلت مع الأحداث ، مرتدية لفستان الحرية كامرأةٍ تحفر قبر الفكرة هل مازالت الفكرة محتملة؟ الشخصيات جاءت كما من يرمي احجاره في لعبة (الداما ) بقهر بعد خسارته في لعبة الحياة ، تيلي ،رنكين ، الدبلوماسي الغائب الحاضر في الأحاديث ، أكسيل الطيار الأمريكي ، عصيد الداعية العلماني الذي خانها شخصية من لحم ودم كما مليكة ، تافوست زوجها الكساندر، امنغاس ،تانريت ،كوثر، دلشاد ، مايا خديجة زميلتها في الزنزانة ، وشخصيات كثيرة اخرى كل الشخصيات تفتقر إلى الملامح والوصف أسماء تتكرر في السجن وأماكن أخرى الزمكانية في الظل الضباب تارة وتارة تحت الشمس ، وتكتب بأسمها الصريح "مليكة " هل تعمدت تهميش ملامحهم ؟ وبحثها الدائم عن أكسيلها في دول ومدن اوربية للقائه، وتنقسم بين رجلين بقلبها طيار امريكي من أصل أمازيغي وأفيندار الكردي الذي يعني اسمه أيضاً الحبيب، وتسرق من ذات يوم قبلة في برودة أوروبا، هل حبها لهما هو اسقاط رمزي لشعبين لم ينعما بحرية الحب والوطن؟ وكرهها للدواعش والرجال الديكتاتورين كما إرهاب الحب، تبرر وتدافع بكل شغف عن دور النساء التاريخي في إدارة السلطة وتحريك الرجال مثل الدمى ليلعبوا أدوارهم.

أحياناً نجد المعاني لديها ملساء وطرية مثل الكمثرى و وأحياناً أخرى قاسية كالسفرجل، الحرف واهن يعاني الهزال، ناتئة بعويل الخوف،كم من التمادي تملك لاستفزاز ما يحيط بها من قشور البذخ ،بإمكانها ان تخلق الصورة وتستطيع توظيفها في سياق ما أرادت الكاتبة ، لكن بمتابعة دقيقة للقارئ سيجد الأشياء مختلفة وتضيع منه ، هل سيرضيه هذا ؟ إلاّ إذا اقتربنا أكثر منها وهي تدي حانة أحزانها ووزعت الكؤوس على الصفحات.

تستخدم كل الحداثة من (فيس بوك) و(واتس آب) وصفحات التواصل الاجتماعي كمتمم للعمل والحبكة في السرد والحوار وخلال إقامتها تحت الحراسة النظرية بيد الشرطة القضائية في المغرب لم تكف لحظة عن بث لواعجها لآكسيل ومعاملة الحراس السيئة من فراش متآكل وسخ وتعطي مكان واسع في الرواية للزنزانة بعكس ضيقها،وظروف الاعتقال في روايتها تمريرها لرسائلها من الزنزانة ، وتتخذ من قضيتها الشخصية ،قضية شعب يجمعها معهم أكثر من حب وعلاقة دم لتذهب القضية في جسد امرأة إلى السجن ثانية ، وقضية أخرى لشعبها في شخص آكسيل .

"لم أترك أكْسيلا أمازيغيا كان أو كورديا، إلا.. واستحضرت حبه! ولا جهاديا إرهابيا سافلا إلا.. ولعنت دينه"

داءها هو الحرية ودواءها آكسيل أو أفيندار الحب والحرية علاجها، وتعود لتجد بين يدي أفيندار حبيبها آكسيل هو الفقدان بكل ما تعنيه الكلمة. في هذا انثى المياه تصدم بأبجدية الجدار، تصطدم بالهمس الغافي تحت ظل شجرة الأزل، واستطاعت إنجاب طفلٍ للخطيئةِ والحبّ "ما أصعب ألا أراك".
تعديل المشاركة Reactions:
قراءة في رواية «ما أصعب ألا أراك» للكاتبة الأمازيغية مليكة مزان

جان شيخ حسن

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة