المصور رامي سالم يفوز بالمرتبة الأولى بمسابقة بيفولي الدولية
أهدي الفوز للمغيبين في السجون والشهداء الذين ضحوالتنتصر ثورتنا
فاتن حمودي
"الصورة قبض على اللحظة قبل أن تنزلق للنسيان"، هو ما يقوله المصور الشاب ابن حلب الشهباء رامي سالم، الفائز بالمركز الاول في مسابقة بيفولي الدولية للتصوير الفوتوغرافي 2019، تلك الصورة التي تختزل حال السوريين، والتي تحمل عنوان"عطاء رغم الألم".
عمل رامي وسط الموت، و تحت سماءٍ تزخ حقدا، اراد أن يسجّل الحاضر، ليقول" مقطوعة اليدين يا بلادي"، فالعنف الذي نعيشه يترك بأجسادنا علامات وتشوهات، هي حكاية الصورة وحكايتنا، اردت أن ارسل للعالم رسالة تحكي قصة شباب وأطفال بترت أطرافهم نتيجة حرب ظالمة.
أما الصورة التي حققت الفوز، فإنها حكاية شاب يدعى عبد المولى، فقد أحد أطرافه على أحد حواجز النظام، رُكِبَ له طرف صناعي في مركز الرابطة الطبية للمغتربين السوريين "سيما"، "المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية"، لفت نظري حينها وهو يقوم بتركيب طرفين لمصاب قطعت قدماه من فوق الركب، أمر مخيف جدا ،صورت هذه الصورة، كشاهد، اردت أن يرى العالم معاناة السوريين، لم أكن اعلم أنني سأكون الفائز الأول، خاصة أن الصورة لم تحصد اللايكات بما يكفي، لكن اعضاء لجنة التحكيم صوتت لي، ربما لفتهم ما تحمله الصورة من رسائل، يكفي أن نرى أنفسنا وقد بترت أيدينا وأرجلنا ورغم هذا نشتغل بالأمل ونساعد بعضنا، لهذا أطلقت عليها اسم" عطاء رغم الألم"..
تخلى رامي سالم عن خياره في دراسة الهندسة، خوفاً من الرصاص الذي بدأ يتصيد الشباب لاسيما في حلب القديمة، حيث بيته واسرته، وعايش فيها كل لحظات حصارها المرير، منذ عام 2013، وحتى هذه اللحظة، لم يجد أمامه اي خيار سوى التطوع لممارسة عمله الإنساني في الأعمال الإغاثية، والذي أخذه إلى الصورة، ففي الحرب نتفنن في تسجيل لحظات الموت، ولحظات الحلم، ولن نيأس، سندعهم ييأسون، بعد أن جربوا فينا كل أنواع القتل، والتهجير والتطفيش، والأعتقال.
منصة بيفول:
وحول Be vol، الدولية، فهي منصة الألكترونية تضم 30 جنسية حول العالم من المتطوعين، وتهتم بثقافة التطوع لاسيما في العالم العربي، و التعريف بأهداف التنمية المستدامة التي أطلقتها الأمم المتحدة، وهي المنصة التي أطلقت الجائزة، وحين رشحت صوري، لم أعلم أنني سأكون فائزا أولا، بكيت حين سمعت الخبر.
هدم بيتي وحلمي:
ولدت بمدينة حلب في باب قنسرين، مكان كل مافيه حضاري، أرض حجر فوانيس حمراء، يقع بيتنا هناك في هذا المكان الذي يحمل رائحة التاريخ، بيت تتوسطه بحرة، وجنينة مفتوحة على السماء، لقد هدمت البراميل بيتنا، هاجر أهلي إلى تركيا، فيما بقيت أنا في حلب لأتفرغ للأعمال الإغاثية، كان الناس حينها متعففين، كنا نضع المؤونة أمام الأبواب ونهرب.
تغيرنا كثيراً:
يتابع: التصوير لم يكن خياري الأول، وقد أخذتني الأعمال التطوعية إلى الصورة، ويشير إلى أن الثورة غيّرت كل شيء فينا، الحقيقة قبل الثورة غير الحقيقة بعدها، تغير الطريق، وتغيرنا، كنت أرى نفسي بانني سأكون مهندسا، بعد أن حققت علامات التفوق في الثانوية الصناعية، لكن الظروف كلها تغيرت، لم أكن أتخيل نفسي كمصور من قبل، ولكن بعد التخلي عن حياتي الجامعية، فضلت الحياة تحت القصف، على الأقل أكثر أمانًا من الاعتقال، وأثناء عملي في مجال الإغاثة، بدأت بمحاولة التعبير عن نفسي بطرق مختلفة، وكان ذلك مدخلي للشروع في التصوير كهاوٍ.
أتذكر في بداية الثورة، وبينما كنت في طريقي لأسجل في الجامعة، وإذا بالرصاص يزخ حول القصر البلدي، ما اضطرني أنا وابي للرجوع إلى البيت وقد اصبت بحالة رعب و توتر، كان لوني مخطوفا، أرتجف، قبلتني أمي من رأسي وهدأتني، قلت لوالدي لم نعد نستطع متابعة المشوار؟، قال:سننتظر قليلا، لم نكن ندري بأن المعركة ستطول والحرب ستهدم جذورنا وبيوتنا.
مشاعر متناقضة:
يقول : في البداية كنت أمام مشاعر متناقضة، كان ينتابني إحساس الفرح بالثورة، وإحساس الحزن بما أراه من دم وضحايا بعد ان ارتفع صوت الرصاص، والبراميل، وقد شهدنا حالة تشرد الناس، شكلنا جمعية نجمع من أهل الحارة تبرعات، نشتري مواد غذائية ونوزعها على المحتاجين، خوفونا من النظام، لكنني لم استطع التراجع ابدا، كنت اصور المواد الإغاثية من خلال كاميرة قديمة، فوجي فيلم، لأوثّق عطاءاتنا، وهكذا فإن رحلتي مع التصوير بدات عام 2013، رغم الخوف، بدأت اصور النازحين، المعاقين، البيوت المهدومة، انهدم بيتنا عام 2014 قال لي أخي لابد أن تخرج من حلب، لم أكن اتخيل أنني لن أرجع، غادرت حلب عام 2016 قبل الحصار بأيام، ذهبت إلى ريف إدلب كنت ابكي على الطريق، هذا الشعور بالإقتلاع بالدمار رافقني، ، والتحقت بالرابطة الطبية للمغتربين السوريين "سيما" وعملت كمصور، بمركز “المشروع الوطني السوري للأطراف الصناعية”.
مشاهد مخيفة:
صارت الكاميرا جزءا من يومياتي، ألتقط صور اللاجئين في المخيمات، لم أكن اعرف معنى المخيمات، ولكن حين رأيتها عرفت أنها شي لايوصف، مخيم قطمة، المعرة، مراكز الإيواء، رأيت المعاناة، ناس مرضى، معاقين، فقراء، ناس طالعة بثيابها، ناس ينامون تحت الشجر، أطفال يعانون من سوء التغذية، بعد أن حصلت من إدارة عملي على كاميرا، اصبحت أوثق بالصورة وقد نال تصويري إعجاب مدير المشروع الدكتور الجوجة، قال لي سيكون هناك مسابقة، أثبت جدارتك، أتذكر أنني دخلت المسابقة، وأصبحت مصور سيما للأطراف الصناعية.
الصورة رسالة:
يتابع:" أحببت التصوير، لأنني أعلم أهمية الصورة، وتعلّمت وحدي من خلال اليوتيوب، وبعض القراءات عن أهمية الصورة وما تحمله من رسائل، فالصورة قصة متكاملة، رسالة خاصة، نستطيع أن نثبت اللحظة ليكون شاهدا على حربهم الظالمة، يكفي أن نرى أنفسنا وقد بترت أيدينا وأرجلنا ورغم هذا نشتغل بالأمل ونساعد بعضنا، الصورة صوت من لا صوت لهم ،رسالة إنسانية نبيلة، وثيقة تعبر عن الحقيقة، عندما أصور شخص مصاب، كنت أعتبر أنني أصور احتمالاتي المستقبلية، لأن ذلك الشخص كان يمكن أن يكون أنا، أو أحد من أفراد اسرتي وجيراني، ولأن الصورة موقف، فقد اخترتها لأشير إلى صورة النظام الحقيقية في العنف والإرهاب.
لجنة التحكيم:
وعن لجنة تحكيم الجائزة، قال: اللجنة مكونة من فنانين وإعلاميين عرب وعالمين ومنهم، فنان الكاريكاتيرعلي فرزت، الاستشارية في حقوق الطفل نجيدة لاغريب، والمخرج التلفزيوني إيهاب مرسي،
Rena rena Netjisوالصحفية والباحثة الهولندية
وقد شملت القائمة على أسماء الفائزين بالمراكز العشرة الأولى، و حصلت صورتي المشاركة على إعجاب لجنة التقييم، نظراً للرسالة القوية التي تحملها، والتي تعبر عن مدى الحب والخير الذي يمكن للإنسان أن يحمله لأخيه الإنسان، حيث يظهر فيها شاب مبتور الساق يقوم بتثبيت أطراف صناعية لشاب آخر مبتور الساقين بعمل تطوعي غاية في الإنسانية..
«عطاء رغم الألم»:
كم نحتاج لأفراح صغيرة، تشعرك بأنك تقدم شيء للناس ينسيك كل جهدك الذي بذلته أثناء العمل التطوعي، يقول رامي، المخاطر أثناء العمل في مكان يعتبر من أخطر الأماكن حول العالم، لهذا أهدي هذا الفوز
للعاملين بعيداً عن الأضواء ويبذلون كل ما بوسعهم لتخفيف آلام إخوانهم، و المغيبين في السجون، والشهداء الذين ضحوا بأنفسهم لنحيا وتحيا قضيتنا.
اضاف: لا نزال نعيش تحت سماء لا ترحم اي مدني، لا ترحم اي مشفى، سماء تسرح فيها طائرات لا تبقي لا أخضر ولا يابس، لكننا نعيش بالأمل والأمل كبير جدا.