-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

كفصول رواية ينمو جسدها




جان بابيير (النمسا)




رأيتها تكوّر بيديها عجينة الفضيلة على شكل حكمة ناضجة، تفوح منها رائحة خبز طازج  تخرج من جسدها الشهي الساخن، العرق المنساب من حرارة التنور يشكّل حبيبات احتجاج ورفض، فقط العرق  اتّفاق وإرضاء لحرارة الجسد الثائر، ذلك الجسد الذي يؤدّي إشارات الرغبة المتورّدة هياماً.



كنت أراها تمسح يديها بقماش الرغبة المحرَّم وتكتب من الحبّ أحلاماً، لم تعد تهتم بأصوات طفولتها في باحة المدرسة، سقط (مريولها) خجلاً منها منكمشاً عليها، فقد بدا كاعبيها كرأسيّ قطتين تموآن بحليب الشهوة، ولم تعد تلوي عنق طفولتها على بائع (غزل البنات) على الرصيف بعد خطوة من المراهقة، وقبل نضج خبز جسدها، ترتدي ثوباً شفافاً إرضاء لنزواتها، صعدت السنوات سلم العمر بتأنٍ، وقدّمت عربون الحمية للجسد، سنواتها كفصول رواية تتوالى بخطٍّ تصاعدي، ما أن تودّع حدث فصل تأتي حبكة أخرى لتكتمل ملامح قصّتها، المنعطف المحموم لرواية جسدها يعود إلى حقل ذاكرتها لتحصد منه موسم صبيحة ذلك اليوم، حينما اكتمل قمرها وبكى عين من بين فخذيها ببضع دموع حمراء، مثل حبر سال على  بياض صفحة، يموت فيها الضوء الوهّاج ويرقد، يشتعل القنديل ثانية مع فتيل الخيال.



تنتفض لأحلامها وتستسلم كنرد يرمى على مائدتها تتدحرج بين الربح والخسارة في مقامرة الجسد وتحفيز الخيال، تلعب في زمنها الثائر, بتبادل الثنائيات في الأدوار  تتشبث كقدسية بهالتها، كزانية بجلدها، وقت مرتبك جداً لاستمرارية الفوضى كما الانكسار والنهوض في كلّ التحوّلات التي تشهدها، تتقمّص مرة شخصية الصياد والطريدة، ومرة أخرى الكاتب والبطلة، لتعيش القصة كاملة، تسير في شوارع مدينتها كما تسير في سطور روايتها، تجر ظلّها خلفها كحصان تجري خلفه عربة، تملك الآن هوية ملامحها وطريقٍ يقودها إلى حيثُ تبني جدران عالية  للتمرّد على الوقتِ، تعود إلى مقصورات العمر وشوارع الذاكرة وأرصفتها المليئة بالأسرار، تفتح الصندوق، تزيل العرق من جبهتها بظاهر كفّها وتزيل الاحتمالات التي كانت هنا قبل الضياع، تهتم بالضبابِ الذي يسكن في الوادي أسفل سرّتها، تتصدّق على إصبعيها عابري سبيل لتكنس أخدود الرغبة هناك، الوسادة لحم لشخص آخر من نسج الخيال.



انقضى الاحتمال حطباً للنار، تغسل يديها بسائل يذهب لفراغ، تمكث الليل متيقظة بلذة المعصية من سبات أمنية التوبة الغارقة بالخطايا، وتلملم حاجات الصبح في حواف الروح، تنزع الدثّار كما غلاف كتابها، تقرأ جسدها بعيني أصابعها سطراً سطراً، وعورة تنكشف ثمرة عجراء هناك، ناضجة ببهاء هنا، تكتفي بالحبو وهي تحصي أسنانها المتبقية، بعد أن تكدّس اللون الأبيض في شعرها وتصطفي الخطوط والكلمات متشحة بالسواد على قافلة من المعاني القتيلة هي تعلم كيف نشبت أسنانها اللبنية في السطر الأول عند أول لقاء حبّ مع الحرف، وعانقت وجنتيّ الصفحة البيضاء بغيث حبرها، بعد طول عجاف جيئةً وذهاباً، وهي تسير على عكازها بخطوات متأنّية، بعد أن طهت المعاني على نار الصفحات من وجنتيّ الخيال ولحم كتف الواقع.



جابت بقاع الذاكرة، تشمّ رائحة امتزاج لحمها بتوابل الورق، كانت رواية اكتملت على تخوم تحمل ضريبة الزمكان  تسأل عن عابر عيون من ولادة أخرى إلى موت آخر, ولدت بالحرف وكُفّنت بالغلاف كالموت رأيتها تهيل التراب على جثة المعنى.

تعديل المشاركة Reactions:
كفصول رواية ينمو جسدها

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة