-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

الجَرَاد المُسلّح

 


موسى رحوم عبَّاس

 

هذا العَجَاجُ الذي يعلو هاماتِنا لا يزعجنا، لأول مرَّةٍ أكتشفُ فائدةً للغبار، لعله يغطينا حتى نصلَ لمكان آمن، أضغط بقدمي بكلِّ قوةٍ على دوَّاسة «الديزل» في شاحنتي الصَّغيرة، بعد أن تلقيتُ رسالةً قصيرة ًمشفَّرةً، تقولُ: الجَرادُ المسلَّحُ في طريقه إليكم!

وهأنذا وصلتُ، وسننام ليلتنا الأولى في خيمة، مَن يدري قد نصل إلى الليلة الألف!

تتغير المُعطيات يومياً، اتفاقات وخيانات ومؤامرات سِرِّية وعلنية، كلُّ هذا يحدث، وفيما بين ذلك تسللتُ إلى قريتي، لم أجد صعوبة في الوصول للبيت، المفتاح الذي أحمله لم يعد ذا فائدةٍ، الأبوابُ لم تعد موجودة، ولكنَّني مُصِرٌّ على حمله والتأكد من وجوده في حمَّالة المفاتيح يوميا!

كانتِ الرِّيحُ تلعب كفرسٍ جموح في أرجاء المنزل، وكانتِ الجدرانُ عاريةً من كل شيء، حتى صور أهلنا لم تعد موجودة، ربما هي جُزْءٌ من هذا الرُّكام المتفحم في كل زاوية، لأنَّ «الجراد المسلح» لا يحتاج للصور، ولا قيمة لكل ما هو معنوي لديه، حتى تلك اللاصقة المستديرة المغلفة بالبلاستك الشفاف جيداً التي توضع على صدورهم، يبدو أنها سقطت أثناء تحميل ما يحويه بيتنا «سابقاً» تركت في بركة من الماء، وداستها أقدام الداخلين والخارجين، وما زالت مقروءة تتراقص حروفها على وجيب قلوبنا الخائفة (عاش الوطن).

لم يتوقفْ نَحِيبُ صغيرنا عبودي على دراجته التي لم يجدها تحت الدرج، كما اعتاد على ذلك، بينما تواسيه شقيقته التي تكبره بعامين، قائلة: أنا لم أجد ألعابي ولا علبة تجميلي ولكنني لا أبكي، كان كل شيء جمعناه في سنين الاغتراب قد نُهب وصار غنيمةً للجراد، قرب الخزانة التي احتوت على ملابسنا وصندوق صغير لقطع ذهبية نسائية، وجدتُ ورقةً صغيرةً مُغْبرَّةً وعليها طبعات لحذاء عسكري، تحمل ختما لمستشفى حكومي، قرأتها بسهولة كوني الطبيب الوحيد في هذه القرية الصَّغيرة، فيها نوعان من الأدوية، وموعد طبي، واسم المريض، ولنقل عنه: (ع. م).

-         (ع. م) مريض بالفشل الكلوي الحاد والموعد يحدد جلسة الغسيل القادمة، وقد لا يعيش حتى تلك الجلسة.

-         (ع. م) ربما لديه بنت أو أخت تتبرع له بكلية، ويعيش ليكمل طريق الجراد!

-         (ع. م) يعترضه من هو أقوى منه، ويعيده خالي الوفاض من كل شيء.

-         (ع. م) قتل في تبادل لإطلاق النار في طريق عودته محملا بممتلكاتنا.

وما زلتُ منشغلاً بصاحب هذا الموعد الطبِّي، أفكِّرُ بطريقةٍ أذكِّرُهُ بخطورةِ التَّأخُّرِ عن المستشفى، حياتُهُ على المِحَكِّ، ومن يهتمُّ بحياته!

هل فعلاً أنا أكترِثُ لمثلِ هذه الحياة؟ لا أعلمُ، وهل سيتأثَّرُ العالَمُ لو نقصَ عددُ اللصوصِ واحداً!

بينما عبودي وجدت له أخته حلا لدراجته، لأنَّها اكتشفتْ أنَّ مفتاحَ السلسلةِ الحديدية الخاصَّة بالدَّراجةِ مازال لديه، وأنَّهُ مُقتنعٌ تماماً أنْ لا أحدَ يمكنه استعمالها دون المِفتاح!

تعديل المشاركة Reactions:
الجَرَاد المُسلّح

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة