هيفي قجو
عتمة!
لموتى شاردو الذّهنِ دوماً، لا ينامون، كان قَدْ بقيَ وقتٌ لهبوط الليل، حين
عَلِمَ أن الموتى قادرون على تخطّي أسوار القبر، سيضمّها إليه ويلامس دفء روحها ثانيةً،
ما إن خَفّتْ خطوات الأحياء، عَلِمَ أن الوقت قد حان. توجّه نحو منزلهِ الكائن شمالي
البلدة، شعر بالغرابة، لا شيء من رائحتها، انقبض قلبه، أسْرَعَ إلى غرفة النوم ليصدم
برؤية أخرى، بسرعة البرق توجّه إلى بيت أهلها، ليتفاجئ بصورتها وطفليهِ معلّقةً على
الجدار في مدينةٍ مختلفةٍ عن تلك التي اعتاد رؤيتها فيها شمالي البلدة الهادئة، عاد
أدراجه خائباً، وليقرّر تجاوز القبر مُجدّداً نحو الأعماق، حيث لا شيء سوى العتمة.َ..!
صمت!
لمْ يَعُدْ الكونُ، على شسعهِ، كافياً لإسعادهِ،
يمتطي أحلامه المرسومة منذ مجيئه الحياة، يراقبه ويملأ عينيه به؛ يفرح كفرحةِ يعقوب
بابنه، يقول في قرارة نفسه دوماً: إنه هدية الله. يحرسه في نومهِ، يُراقب أنفاسه جيئةً
وذهاباً، ويُسابق الفجر ليجالسه، شبّ أمام عينيه الجائعتين لرؤيته رجلاً يرافقه في
متاهات الحياة. يفتخر به أينما جَلسْ، وفي لحظات فرحٍ مجنونة، فوجئ بقرار رحيله إلى
عالمٍ آخر، كابَرَ كثيراً، لكن عينيه خذلتاه ومهّدتا السبيل لدمعتين تائهتين مرّتا
بِوهنٍ بين أخاديد وجهه، توقّفت شرايينه المليئة به وانقبض فؤاده بقوةٍ دون أن ينبس
ببنتِ شفّة.