recent
جديدنا

سيميائية الصورة اللا منطوقة في فيلم «الذبح الحلال»

الصفحة الرئيسية

 


سربند حبيب

 

يأتي فيلم «الذبح الحلال»، الذي عُرض لأول مرة، في مهرجان كوباني السينمائي الدولي، بدورته الخامسة لعام 2024م، بألمانيا، للكاتب والمخرج الكردي جان بابير. الفيلم الذي تم تصويره في ألمانيا ومدينة هولير بإقليم كردستان. هو فيلم قصير، مدته ربع ساعة، حيث لعب بطولته الممثل السوري نوّار بلبل والممثلة الألمانية ديانا نيكلولاس، وبمشاركة الفنانة المسرحية راما سيفو.


يسلط الفيلم الضوء على  ظاهرة زواج القاصرات، التي باتت من القضايا الجدلية الشائكة في عصرنا الحالي، بالرغم من تطور وتقدم المجتمعات، والقوانين التي تحدّ من انتشارها، إلا أن هذه الظاهرة بقيت منتشرة وبكثرة، في الكثير من دول العالم.

بلغة إيمائية صامتة، بعيدة عن السرد والحوار، يقدم لنا بابير، فيلمه القصير والجديد «الذبح الحلال»، إذ خرج عن المألوف في هذا العمل، مستخدماً نوعاً آخر من الأفلام؛ حيث اعتمد على الفكرة المجردة أكثر من مضمونه السردي، وجمع بين التجربة السردية والتحرير الإيقاعي والعمل المصور، مرتكزاً على رؤيته الذاتية الشخصية، معتمداً تقنيات بصرية تجريدية متنوعة، تغيب فيها لغة الحوار، مما أكسب الفيلم طابعاً سينمائياً فلسفياً، في طرح قضية هامة جداً، مازالت حاضرة وبكثرة في مجتمعاتنا، ألا وهي زواج القاصرات، فيه الكثير من الإيحاء والتشكيل والتعبير المجازي.

يندرج الفيلم في خانة السينما التجريبية، التي تعتبر أصل السينما وروحها، فعندما نعيد تاريخ السينما، نُلاحظ أنها قد بدأت بالرسم والصور المتحركة من خلال عرّابها الأول الإنجليزي ويليام فريز، الذي ابتكر السينما واهتدى إلى فكرة توثيق المشاهد الحياتية في شكل صورة متحركة، ثم ارتبطتِ السينما بالموسيقا، وتطورت مع مرور الوقت، حتى وصلت إلى الصورة التي نعرفها اليوم. يقترب هذا النوع إلى السينما التسجيلية؛ كونها من الجنس ذاته، متصل بتسجيل الواقع بصمته وتفاعله من غير الضرورة القصوى للأصوات المعبرة عن المحتوى، مضافاً إليها المؤثرات الضوئية وتجليات الصورة الفنية بالتفاصيل الذهنية والجمالية، وكذلك تشترك مع الأعمال الفانتازية، حيث التخلي عن فكرة الحوار السردي بالرمزية الموحية، بالمعنى ودلالات الصورة المعبرة والموسيقا والإضاءة وفن المونتاج.

إن لغة السرد الحقيقية في العمل، هي الصورة، التي تعبر عن الجانب الفني، وهو الهيكل الرئيسي للفيلم، وما تبقى من الأدوات تساعد في إيصال المعنى الحقيقي للمشاهد، فالصورة الحية هنا تتحدث عن مأساتها بأدوات بسيطة، يسلط العمل الضوء على قضية الزواج المبكر، وحالات الاستغلال الكثيرة، التي تتعرض لها الفتيات؛ كونها تعيش في مجتمعات لا تحترم حقوق الأنثى، متخلفة جاهلة تنعدم فيها المساواة، في إحدى المشاهد يشبه بابير حالة الفتاة وبينما هي تلعب وتلهو مع أقرانها ببراءة تجرّ من أطرافها كغنمة إلى مقصلة الموت، لتباع في سوق الحيوان وتُشترى من قبل ذكر أشبه بحيوان لا يحمل أية صفة إنسانية، فرمزية الصورة واضحة من خلال هذا الإسقاط، وحالة أخرى مشابهة عندما تُستغل فتاة من قبل رجل يهددها ويستفزها، من أجل الحصول على جسدها، مقابل وثائق تهم الفتاة، وهي حالات ذكورية مرضية، هذه المشاهد تكشف ماهية الزواج المبكر، وتعكس الصورة الحقيقة لقضية استغلال الأنثى ومدى ضعفها.

طرح بابير عملاً اجتماعياً واقعياً من منظوره الفني، ككاتب وكمخرج، مستلهماً الفكرة من البيئة المحلية، ومستكشفاً مساحات جديدة للإبداع السينمائي. الرموز الدينية كانت واضحة المعالم، من خلال تلك اللوحات المعلقة على الحائط (الله محمد)، وكذلك تجسيد دور الرقيب بمفهومه الإسلامي (فإن لم تكن تراه فإنه يراكالذي يمثل الضمير المراقب، يرى كل شيء ولا يحرك ساكناً، وقد قام بأداء ذاك الدور الممثل المسرحي (شانومتو).

شارك كل من نيجار حسين (ممو سيدا) جانيار بوزان وعازف الأورغ معميلو في الموسيقا التصويرية المرافقة للفيلم، والتي كانت مناسبة للأحداث، وقد كان تمثيل الأدوار مقنعاً، بالرغم من أن معظم الممثلين كانوا من الهواة، لكنهم أتقنوا لعب أدوارهم.

المخرج جان مع الممثلين

«الذبح الحلال»، فيلم صامت جميل، لكنه يفتقر إلى معالجة القضية من وجهة نظره ككاتب، ويعود ذلك بحسب قول المخرج (انعدام الإمكانيات المادية وعدم وجود شركات إنتاج تدعم هذا النوع من الأعمال الفنية الهادفة)، وقد كان تمويل الفيلم بشكل كامل ذاتياً، فمثل هذه القضايا تحتاج إلى وقت طويل للطرح الفني والمعالجة الدرامية.

زواج القاصرات هي حالة اجتماعية سَمجة، نتاج خبيث للفقر والجهل وعدم المساواة المتأصلة بين الجنسين، يجب محاربتها، فاستقرار المجتمع يأتي من استقرار خليتها الأساسية (الأسرة)، لذلك يجب الاعتناء بها وتوفير الظروف الملائمة للزواج السليم من النضج البدني والعقلي، والقدرة على تحمل المسؤوليات والأعباء المترتبة عليها.

في الفيلم رسالة واضحة للقضاء على هذه الظاهرة التي تُعتبر حالة عنف ممارسة بحق الطفلات المتزوجات وحرمانهن من أبسط حقوقهن، من الطفولة والتعليم والصحة، وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن عدد الفتيات اللواتي يتزوجن وهنّ دون الثامنة عشر بلغ نحو 14 مليون فتاة.

يختتم الفيلم بمشهد مليء بالتحدي، حيث تهرب الفتاة من البيت، حاملة في يدها الصغيرة منديل الشرف، تحفر قبراً بحجم راحتيها، وتدفن فيها الرجولة ومعها جميع العادات والتقاليد والأعراف، التي تسلب طفولتها وتقتل أحلامها البريئة.

google-playkhamsatmostaqltradent