-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

قراءة في رواية الغريب" ألبير كامو"

بقلم : سربند حبيب



عندما نتحدث عن الفلسفة الوجودية تتطرق إلى أذهاننا لاشعورياً أحد أهم الرواد التي دعت إليها ونطقت بها " ألبير كامو " الجزائري – الفرنسي ،ابن الوجودية البار والداعي للتمرد والمتحدث عن اللامبالاة والهازئ من الحياة .


فعندما نذكر اسم هذا المؤلف المبدع ،فلابد من قراءة جميع مؤلفاته وخاصة روايته الأولى ( الغريب ) تلك الرواية الفلسفية والعبثية المتمردة والتي تظهر فيها الوجودية والعدمية والغرابة ،فقد لاقَت هذه الرواية رواجاً كبيراً في الأوساط الأدبية وعندما صدرها لم يكن يعلم بأنها ستصبح تحفة أدبية متقنة الصنع تدّرس في أعرق جامعات العالم .


موجز الرواية كالتالي: (وفاةُ الوالدة، مغامرةٌ عاطفيّة مع الحبيبة، قتلُ رجلٍ عربيّ، السّجن، المحاكمة ومن ثمّ الإعدام.)


عنوان الرواية " الغريب " توحي لنا الكثير من الدلالات النفسية والاجتماعية وتحمل في طياته الكثير من المفارقات والأبعاد الإنسانية ، فبطل الرواية في رحلته الوجودية يبحث عن ذاته في عالم لاعقلاني . ويعتقد الكثير بأن بطل الرواية " مارسو " هو نفسه " ألبير كامو "


الرواية تنقسم إلى جزأين :


الجزء الأول : يحتوي على ست فصول من الحياة الاعتيادية في ترتيبها الزمني مثل الليل .. النهار .. النجوم .. السماء .. علاقات اجتماعية وعاطفية .


" ماتت أمي اليوم.. وربما أمس لا أدري.. لقد تلقيتُ من الملجأ الذي تقيم فيه برقيةً هذا نصُّها: أمكم توفيت.. الدفن غدًا.. أخلص تعازينا.. ولم أستطع أن أفهم شيئا.. ربما قد تكون توفيت أمس”.


بهذه المقدمة المدهشة ،وملفتة للنظر تبدأ الرواية ، فموت الأم لم يحدث في نفس " مارسو " أية ردة فعل طبيعية ،لدرجة حضرّ مراسم تشييع الجنازة كأنه شارك في حفل زفاف، والأكثر من ذلك خرج مع صديقته إلى السينما لمشاهدة فيلم كوميدي ، وهنا يبرز بشكل واضح لامبالاته ، ويستمر ذلك ويتجدد بشكل لامتناهية في تفاصيل حياته اليومية مع أصدقائه وجاره العجوز مع كلبه النتن، ومع حبيبته "ماري" بشكل خاص فحين سألته في أحد الأيام بعد عناق ساخن (هل تحبني ؟؟ ) وتريد الزواج مني؟، فأجاب مارسو : " نستطيع أن نتزوج إذا كنت تريدين، ذلك بلا شك لم يكن يبالي بحبها ، وتستمر ماري في حديثها إذا لم تكن تحبني فكيف ستتزوجني؟ فيقول : أننا نستطيع الزواج طالما هي رغبتك !! ويستغرب ماري من تفكير مارسو ونظرته العبثية في الحياة . ينتهي الجزء الأول بقتل ذاك العربي وبدخول مارسو السجن


الجزء الثاني : يحتوي على خمسة فصول من المعاناة والأسى والتفكير في اللاشيء عندما يتوقف الزمن لديه مابين السجن والمحكمة إلى تلك النهاية المأساوية .


يألف مارسو حياة السجن وتصبح تلك الزنزانة مع مرور الوقت كأنها بيته ، ولكن أفكاره الطليقة والحرة التي كانت تنتهي به على الشاطئ وفي البحر ومع صديقته ماري ، تضمحل مع الوقت لتصبح أفكار سجين عادي فيقول : فكرت كثيراً أنذاك أنهم لو تركوني أعيش في جذع شجرة يابسة من غير أن يكون لدي ما يشغلني سوى النظر في زهرة السماء فوق رأسي لاعتدت ذلك شيئاً فشيئاً ،كنت سأنتظر مرور الطيور و التقاءات الغيوم ، ويتذكر قول أمه


: " الأمر ينتهي بالإنسان إلى التعود على كل شيء "


كان مارسو يقضي على ضجره بالتذكر وخاصة اشتهاء الأنثى فقد كان يتذكر جميع النساء اللواتي عاشرهن على قلتهن ويملئ زنزانته بوجوههم لدرجة يفقد توازنه أحياناً ، وتمضى الأيام والشهور ويتواتر النور والظلام دون أن تبقى لأسماء الأيام من معنى في حياته .


بعد اعتياده على السجن لا يبالي من حكم المحكمة أبداً ، فالسجين عادة عندما يدخل قاعة المحكمة يشعر بالذعر والخوف ، ولكن مارسو على العكس تماما فعندما يساله ذاك الدركي عن شعوره بهذه اللحظة وعن خوفه من الحكام فيجيب : أنا لا أخاف لأنني لم اعش هذا الشعور من قبل بل مايهمني على نحو ما أن أشاهد محاكمة .


وتكمن عبثية ولامبالاة مارسو عندما يصف قاعة المحكمة بمترو فيقول: إنني أمام مقعد ترام وجميع هؤلاء المسافرين الغفل يراقبون القادم الجديد ليلاحظوا تفاصيله المضحكة .


إن " كامو " لايفرق بين الموت والقتل ، فهو يعتقد بأن جميع المصائر متساوية لأن النهاية هي العدم ، فحين يسأله القاضي عن سبب القتل يجيبُ بكل بساطة ( الشمس ) السبب المادي المباشر لا أثر فيه لأية قيمة أو اختيار أخلاقي ، فالإجابة هنا جدية أكثر من أي مبرر أخلاقي آخر وهنا تكمن قمة العدمية عند " كامو " أي تنعدم المعنى بانعدام الأخلاق ولا وجود لشيء اسمه الضمير الإنساني ، وهنا نرى بأن " البير " لايبرر القتل بل على العكس يوضح بأن القتل ليس له أي مبرراً أخلاقي وذلك بسبب عدم وجود أخلاق مطلقة وفقا للعدمية .


بعد صدور حكم الإعدام يجد مارسو عالمه الحقيقي الشبيه به ، عالم اللامبالاة والعدمية ويصبح سعيداً ويتمنى حضور الكثير من المشاهدين يوم تنفيذ الحكم ( الإعدام ). هنا يصور لنا " كامو " حياة إنساناً صادق بريء وغريب عن هذا العالم يعيش الحياة كما يريده هو وليس كما يريده الآخرين .


وبهذا يربط " البير كامو " بين فن الرواية وتأليف كتاب في الفلسفة ، فهذا العمل يتناول فكرته دون أن يوضح ذلك في القصة بشكل مباشر أو ان يحشر أفكاره بطريقة فجة ، ولكنه قام بتجسيد ذلك في المواقف والحوار والشخصيات التي تشرح لنا العالم من خلال هذه الأفكار وهي العدمية التي جعلت من بطل الرواية رسولاً .








تعديل المشاركة Reactions:
قراءة في رواية  الغريب" ألبير كامو"

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة