-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

إحساس على ورق للشاعرة بديعة بوسيف



                                                  ذ. بوزيان موساوي

صدر حديثا، من تقديم الدكتور بوزيان موساوي ، ديوان "حنين في زوايا الروح" للشاعرة المغربية بديعة بوسيف. (Dana Reem).
صدر عن دار "روافد للنشر و التوزيع" جمهورية مصر العربية.. الكتاب من الحجم المتوسط: 176 صفحة، يحتوي على 61 نص...صمم الغلاف، الفنان المصري رائد مجدين و كتب المقدمة: ذ. بوزيان موساوي.
نص تقديمي لديوان "حنين في زوايا الروح"، أو"إحساس على ورق" للشاعرة المغربية بديعة بوسيف
الكاتب و الناقد المغربي: ذ. بوزيان موساوي وجدة. المغرب.
"حنين"، و "زوايا الروح" و "وحي" إرهاصات معجمية انبنى عليها عنوان ديوان: "إحساس على ورق": مفردات تنتمي لحقل دلالي بين منزلتين: الرومانسية في أبهى حللها الحديثة بحبر دمّاع، و حيرة، و إحباطات، و غربة، و فقْد، و حب متمنّع جارف... و البعد الصوفي الذي تحيي طقوسه شطحات الحرف، و رنين الموسيقى الداخلية، و روائح العطور، و انسلاخ عن العالم المادي لأجل ملكوت هو جنة الشعراء، و الورق كناية عن فعل الكتابة..
و السؤال: أي إضافة يقترحها هذا الديوان للمكتبة العربية هنا / الآن وسط هذا الزخم الذي يطمح مجتهدا باسم الحداثة في الشعر لتحويل الرداءة و الرتابة و تشجنج الظرفية التاريخية الآنية، إلى جمال...؟
عند قراءتنا لهذه النماذج الناجحة من نصوص الشاعرة المغربية المعاصرة بديعة بوسيف، و قبل تبني، للضرورة المنهجية، آليات نظرية نقدية دون أخرى، لا بد من تمهيد يستقى من إشكالاته، أننا نصطدم حاليا بعالم قيّم معاصر/ قديم، تتحكمه نظرتين فاسفيتين متوازيتين و متناقضتين:
تقوم الأولى على أنساق النزعة الانسانية، و يُروّج الشعراء المتشبعين بمبادئها لمُثل عليا على شكل قيّم إنسانية رفيعة كالحق و الخير و الجمال و غيرهم، و ذلك لتكريس هذه القيّم، أو للثورة علي بعض المُتوارث منها شكلا و مضمونا، لتكييفها مع مستجدات العصر..
أما التوجه الفلسفي النقيض، فهو براغماتي ـ نفعي بامتياز، يعتبر الشعر (أو بعض توجهاته) مجرد هروب إلى الأمام يُجانب الصواب، و يبتعد عن الحقيقة و الواقع؛ يستعمل خطابا مُشفّرا « لا نفع منه يرجى »… و هو ما أوصل ـ حسب الباحث خليل الموسى ـ أفلاطون إلى رأي قاطع، و هو وُجوب طرد الشعراء من « جمهوريته »، و حجته في ذلك، افتقار الشعر إلى الحقيقة… و نفس الرأي كرّسه الخطاب الديني عندما قال بأن "الشعراء يتبعهم الغاوون، ألا تراهم في كل واد يهيمون"…
هذا التوجه إلى ما هو نفعي آني ( وهو مادي بالأساس)، هو ما يبرر غالبا ظاهرة العزوف عن قراءة الإبداعات الأدبية عامة، و الشعرية خاصة… ناهيكم عن افتقاد القارئ العادي المعاصر لآليات ملائمة لاستيعاب أشكال و مضامين النصوص الشعرية المعاصرة باستنطاق الغياب، و المسكوت عنه، و فك ألغاز الانزياحات الجديدة، و اللوحات التشكيلية المخطوطة بحروفها…
ـ كيف نقرأ إذن "إحساس على ورق" للشاعرة بديعة بوسيف؟ (أو ما هي آليات القراءة في الشعر العربي المعاصر نصوص ديوان " حنين في زوايا الروح" نموذجا؟)
يقول الباحث فوزي سعد عيسى: « إذا كانت جهود كثير من النقاد قد انصرفت إلى التنظير، فإن الحاجة ماسة إلى جهود مماثلة بل مضاعفة في ميدان النقد التطبيقي لأن عجلة الإبداع تسير بمعدلات سريعة وتتسع في مساحات مكانية واسعة في مصر والعالم العربي كافة ».
و إن تبنينا هذا الطرح، و اعتمدناه لمقاربة نصوص الشاعرة بديعة بوسيف ، تتأكد لنا ،كانطباع أولي، وجهة نظر الناقد خليل الموسى بأن القصيدة العربية المعاصرة بدأت تتشعبن و تتفرع في بنيتها عن الأنساب الشعرية، و الأجناس الأدبية المتجاورة، فلم تبق في حركيتها في خط وحيد، و إنما تسير على خطوط غنائية، درامية، ملحمية، سردية معا…
ففي المقطع الثاني من قصيدتها "لقاء"، نقرأ ما يشبه ولادة أنثى/ قصيدة توضأت كلماتها بعطر اللقاء الأبدي، نقرأ:                                       
بديعة بوسيف 

« حبنا اليوم ولادة..
و لي في وصلك
عبادة..
و في قربك حنان
و زيادة..
نارك بين ضلوعي
تستعر و تحيلني
رمادا.... » (…)
قراءة أولية لعتبة النص، قد توحي بما نختزنه من قوالب جاهزة حول مطلع نص سردي قصصي، لكن سرعان ما نقرأ السطر الثاني، وبعده الثالث و الرابع، نواجه كقراء إغراءات أنثى تغاوينا و تماطلنا: هي القصيدة ساعة الولادة، ملاك وحيها حب يمارس في محراب عبادة في صورة احتراق، و ملهمة نزولها شاعرة أنثى تتشبه ب "بالعنقاء" تُبعث من رماد … و يمد النص كما يقال ألسنته ثائرا على القصيدة           العمودية،                                                                                                                                                                                                                     
يقطع أوتار آلات معزوفاته إلى أشلاء، رغم حنين مباح ل » قواف شاغبت عطرالنص "عبادة" و "زيادة" و "رمادا"… و كأن الشاعرة لم تقطع صلتها بالقصيدة التقليدية و جمالية أوزانها و قوافيها، بل ربما تستهدي بقيمها لتوظفها حسب ما يقتضيه العصر، و الشعر الحديث…
و إذا كان البلاغيون و علماء الأسلوبية قد عرفوا الظاهرة المجازية بأنها: استعمال للكلمة في غير ما وضعت له للمبالغة والاتساع، فإن الشاعرة بديعة بوسيف قد تجاوزت ذلك الحد إلى صور متمنعة عن حدود المجاز وسياجه، رغم بساطة المفردات المستعملة، و هو ما تؤكده ربما بتوظيفها، في هذا المقطع الشبيه بالتناص (لا الاقتباس) القريب من النص الديني عامة، و النصوص الشعرية للمتصوفة خاصة، نقرأ:
"سيأتي يوم تأكله النار
و يهوي إلى قعر عن
غير هدى..
تلك آية الحب الذي
نزرعها بأيدينا.." (مقطع من قصيدة "ذكرى الوفاء")
حقل معجمي و دلالي يوظف تيمات مثل " النار" و " القعر"، و "الهدى"، و "الآية".. و كأن للحب "شريعته"، و كأن ل "الغدر" في "الحياة قصاص"..
و هذا ليس مجرد تلاعب بالكلمات للزخرفة و إثارة الفضول.. الشاعرة جد واعية بأن لكل رنة كلمة وظيفتها، و بالصور المتناغمة تصنع قصيدة/ قضية فلسفية تعانق الملكوت الأفلاطوني بحثا عن "مدينة فاضلة"، ربما يتلمس القارئ يشكل أكثر وضوحا في هذا المقطع من نصها "العنقاء"، نقرأ:
" هل أصابني أفلاطون
بلعنته أم صرت
أكن له خالص
الولاء.
أتجه نحو الشمس
فتحرقني بنورها
و أغدو هباء.
فتبعثني من جديد
من رماد تحولني
إلى طائر
العنقاء.."
و كأنها بذلك » تتخطى المعاني الأصيلة للألفاظ العربية بتحريرها من معانيها، وغسلها وتطهيرها من طلاء التراث » كما يقول الناقد عدنان رضا النحوي في تقويم نظرية الحداثة…. و الأمثلة على ذلك كثيرة عبر نصوص الشاعرة بديعة بوسيف، نسوق منها على سبيل المثال لا الحصر هذا التعبير الراقي و الجميل من نصها (رقم 9 ): " و تقول لي"، حيث كتبت تقول:

"و تقول لي:
ظلي كغيث مبارك يروي
أحاسيسنا الجذباء.
يحيي شرايين العشق، لحبّ
عانى الجفاء..
يجعلنا نزهر من جديد بعد
طول ابتلاء.."
هكذا نقرأ بمتعة لا تضاهى بعض من تجليات الحداثة… و للتذكير، « فالشاعر الحداثي، كما جاء في رسالة لنيل الدكتوراه للباحث العراقي سلام مهدي رضيوي الموسوي، لم ينطلق في وضعه لأفق الحداثة الشعرية من عالم جلي، و واضح، لذا جاءت محاكاته لهذا العالم غير منسجمة و تجسيداته المرئية، إذ أخذ الشاعر الحداثي يقرأ الوجود من خلال ما يكتنف ذاته، و ليس قراءة خارجية لهذا الكون، أي أن الحداثي يسقط ما يراه بمنظور رؤيته على هذا العالم، لذا حفلت نصوصه الشعرية بجملة من الجماليات، التي تشكل فرادة جديدة كالسؤال، و الكشف، و التجاوز، و الغموض، و الرؤية… »
1 ـ الفرادة (أو التفرد distinction) :
لما نقرأ هذا المقطع من النص رقم 13 " إحذر !.." :
"فاحترس يا من
ظن أنه انتصر
حيْفا..
فلا و الله
لأعصفنّ
بحياتك
عصفا
و لأكشفنّ القناع
عن وجهك كشفا...".
يتميز هذا المقطع بتوظيف أفعال الحركة و ردة الفعل بعد انفعال (Verbes d’action/ de réaction): « احترس…أعصف…أكشف »…خلافا لما يتردد في نصوص كثيرة لجل الشعراء إناثا و ذكورا الذين يميلون أكثر لأفعال الوصف و الكينونة و التعبير عن الأحاسيس…
و ماذا يحذر؟ ـ كبرياء أنثى غاضبة،
و بماذا ستعصف؟ ـ بحياة رجل غادر،
و ماذا ستكشف؟ ـ قناع الرجل المزيف.
فلنبحث عن تشابه، أو اقتباس، أو تناص لهذه الجمالية لها علاقة بنصوص أخرى لغير الشاعرة … البحث سيكون مضنيا .. أغلب ما قيل شعرا بلسان المرأة أو عنها، كتب على شكل مناجات و بكائيات، و حتى الكبرياء وصف دلالا و غنجا و تبجح بالجمال الفتان كما عند ليلى العامرية و و ولادة بنت المستكفي.. و غيرهما..هنا يكمن تمرد الشاعرة.. لكن الاختلاف بمعنى الفرادة لا يتوقف عند مجرد هذه الغضبة بأفعال الحركة، التميز ـ كما في كتابات الروائية لمارسيل بروست ـ يكمن في تو ظيف أفعال الحركة لتوهمنا الشاعرة بملفوظ سردي هو في أصله وصف لما تجعل كتابتها على شكل رسومات بريشة شاعرة، نقرأ من قصيدة "أرسمك" (الص رقم. 18 ):
"أرمك لوحة منشية
بكأس العشق..
شلالا يتدفق عند
الغسق..
صدى سعادة تشعّ من
عيني و تزيدها ألق.."
2 ـ السؤال:
هل الديوان مجرد "أحاسيس على ورق" كما عنوانه"؛ كائن ورقي من خيال تتمظهر فيه الأنثى عبر بورتريهات العاشقة، و المستلبة، و الضعيفة/ المكسورة الخاطر، و الخانعة تارة، و الغاضبة، و المتحدية، و المهددة (بكسر الدال)، و القوية/ المتجبرة، و المحترقة، و المولودة من حطامها/ رمادها؟ هل يستوجب المقام قراءة شعر ينتمي لرومانسية جديدة؟ .. نتوه في طيات الديوان بين "العذري" و " الإيباحي".. و الحب واحد سرمدي/ أزلي.. نشعر به، و نتخيله في ذات الآن و كأنه مجرد كلام شعراء...
أليس هو السؤال الذي نطرحه كلنا؟ سؤال مصير مشاعرنا ؟ سؤال كل البشر؟ سؤال كل من لا زال يسكن بداخله إنسان؟ سؤال عالمنا اليوم الذي أصبحت تحكمه المادة، و وجوه بأقنعة أغلبها مزيفة؟...
3 ـ الكشف:
الشاعرة بديعة بوسيف أمّ، و الحب الأكبر و الأبدي لفلذات أكبادها:
نقرأ في صفحة "إهداء":
"إلى روح أمي التي علمتني معنى المثابرة و الصبر... إلى فخري و مصدر سعادتي، أبنائي الذين شجعوني على مشاركة أحاسيسي على الورق، أهدي هذ العمل."
4 ـ التجاوز: قد يكون التجاوز بلاغيا قد وفى الجمالية حقها، لكن تجاوز الواقع المرير قد لا يتأتى إلا بالحلم، هكذا تقول:                                          

" و حين أشتاقك،
أضع يدي على صدري
علّني أتحسس نبضك
أطمئن عليك بين
خافقي و الوتين
فأنت تسكن وإن
كان بيني و بينك
الف بين و بين.." (مقطع من النص رقم 6 تحت عنوان "ليتني أدثّرها جفونك").
5 ـ الغموض و الرؤية:
يقول عز الدين اسماعيل ( في الشعر العربي المعاصر ـ قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية: » على القارئ أن يستمتع بالقصيدة كما يستمتع بقطعة موسيقية يستمعها فهو لا يستطيع ان يفسرها ولا أن يفهمها ولكنها تلمس عاطفته والشعر هو أقرب الفنون إلى الموسيقى، «لأن كليهما فن زماني».و»ان كل ضروب الفن تصبو إلى الوصول إلى مستوى التعبير الموسيقي »…
لما نقرأ لها:
" أعود إلى نفسي تارة
و أسكن روحك تارة
أخرى..
أستقل حافلة ذكرياتي
لأصل إلى أيامنا
الأولى.." (النص رقم 3 تحت عنوان "ذكرى الوفاء").

ليس علينا ان نتساءل إن كان للسماء جذع؟ أو للمساء جبين؟… الصورة لا تكتمل بمعاني المفردات الظاهر منها و الباطن…لأن القصيدة كالسمفونية لا تقفيم بنوتاتها و مقاماتها المختارة، بل بما تساهم به كل الأجزاء في تناغم لصناعة الكل، الكل الجميل….

تعديل المشاركة Reactions:
إحساس على ورق للشاعرة بديعة بوسيف

canyar

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة