عبد القادر قندوسي – المغرب
قصيدة: تعالي
الشاعر: أسيف أسيف – المغرب
خذي بعضاً من جنوني
كثيراً من أفراحي،
وقليلاً من همومي
فالطيش يسكنني،
والتيه يسافر بي
وكل مرة أجدني
بلا حقائب
في طرقات أجهلها.
كثيراً من أفراحي،
وقليلاً من همومي
فالطيش يسكنني،
والتيه يسافر بي
وكل مرة أجدني
بلا حقائب
في طرقات أجهلها.
تعالي...؛
لنستنزف المشاعر
لنستفزّ الهدوء
نحرق الأوكسجين،
ونمنح الطاقة للروح.
تعالي...
فأنا في انتظار الاحتراق
على شاطئ بعيد...
لنستفزّ الهدوء
نحرق الأوكسجين،
ونمنح الطاقة للروح.
تعالي...
فأنا في انتظار الاحتراق
على شاطئ بعيد...
في مساء خريفي...
في ركن هادئ...
يشاركني فيه القمر جنوني.
تعالي...
فصوتك قصيدة
تردّدها روحي
كلّما غاب طيفك.
تعالي...
نقضي على الدهشات الصغيرة،
ونحيي الحفلات الكبيرة
نقتات على حبّ فريد
ونطعم قلوباً
تأبى الصيام.
فصوتك قصيدة
تردّدها روحي
كلّما غاب طيفك.
تعالي...
نقضي على الدهشات الصغيرة،
ونحيي الحفلات الكبيرة
نقتات على حبّ فريد
ونطعم قلوباً
تأبى الصيام.
الشعر تعبير إنساني، عن العواطف والأفكار، عن الهواجس والخواطر، التي تسكن أعماق الإنسان. إنه ارتباط وجودي، يعبر عنه بالكتابة والإبداع؛ لتستمر الحياة، ويدوم الأمل. كتابة وإبداع، يكون فيهما عنصر الخيال – داخل هذا النص، الذي يصور لنا نفسية الشاعر الجياشة – عنصر الخيال كاشفاً للواقع، ومحولاً دائماً للعالم ولحياة الإنسان.
استمرار الحياة، ودوام الأمل، بلباس الحب والعشق، حتى الجنون، يعبر
فيها الشاعر بنظام السطر الشعري عن حالته النفسية، المفعمة بالحب والهوى. إنها
علامات واضحة يلخصها لنا عنوان القصيدة «تعالي».
«تعالي» بمعنى «هلمي» اسم فعل يستعمل للدعاء، ولاستدامة الأمر واتصاله. «تعالي» قد يلزم لفظاً واحداً،
وقد يكون فعل أمر تلحقه ضمائر الخطاب. قد تكرر لفظ العنوان على طول محطات النص، ما
أعطاه قيمة فنية مضافة. لفظ قليل، مشحون بمعنى وازن و كبير.
«تعالي» نداء مشحون بمس وجنون، نابع من قلب شاعر حنون. الشاعر كثير الفرح والجدل،
إلى حد أنه أصيب بالطيش والتيه، إلى حد أنه فقد كل ما يملك (إحساس – متاع – حقائب –
بل يجهل المسير وأين يسير).
الطيش
يسكنني
أجدني بلا
حقائب
في طرقات
أجهلها.
كلما توغلنا في تخوم النص، نجد نفسية الشاعر، تهيج وتثور، ضد مشاعره. الشيء
الذي دفعه إلى البحث عن طاقة روحية، وكأنه تحول إلى خبير نفساني، يقدم لنفسه
إسعافات تهدئ هول العشق. لقد عبر عن هذه الإسعافات بإلحاح في طلب النداء.
تعالي خذي – تعالي لنستفز – تعالي فصوتك قصيدة – تعالي نقضي على
الدهشات.
إلحاح في النداء، بصورة فنية مستخدماً عنصر اللغة، كناظم للكلام، الذي
له وقع إبداعي وسحري.
لعل المعجم اللغوي الذي استعمله الشاعر «أسيف» يتخذ صفة ملكيته
الخاصة، إنه معجم لغوي نابع من ثقافته وبيئته ومناخه الذي يعيش فيه، معجم جاء في
قالب لغوي رصين، سهل ممتنع: إنه ارتباط وثيق باللغة، وصورة صادقة تعكس أفكاره. هذا
المعجم احتضنته حقول دلالية، جاءت لتكشف عن خبايا لغة النص، كما جاءت لتلامس وتحرك
دواخل القارئ، لما تحمله من دلالات الحب والعشق.
لذلك وبعد قراءتي المتكررة للنص، ارتأيت تقسيمها إلى ستة حقول:
أولاً: الحقل الدال على الطيش والتيه:
ما جعل الشاعر يسافر بلا حقائب، وقد فقد بوصلته. حيث يقول:
التيه
يسافر بي
في طرقات
أجهلها.
ثانياً: الحقل الدال على الاستفزاز:
عدم الاستقرار النفسي والروحي، معاناة وصراع من أجل الحصول على طاقة
روحية، والانفلات من الآن والراهن، إلى عالم شيّده الشاعر لنفسه؛ ليفوز بالهدوء
إلى جانب معشوقه:
نستفز
الهدوء
نحرق
الأكسجين.
ثالثاً: الحقل الدال على الانتظار:
صعب هو الانتظار، فحب الشاعر وعشقه، مكابدة روحية جعلته ينتظر وبشوق
حتى الاحتراق، جاعلاً الزمكان في أجمل صورة للقاء العاشقين:
على شاطئ
بعيد
مساء خريفي
حضور القمر.
زمكان شاهد عيان على مشاعره، و جنون عاطفته.
رابعاً: الحقل الدال على الصوت:
الشاعر المتيم، وقد تكلم بلغة العشق حتى الثمالة، حيث صور صوت معشوقه
قصيد ترددها روحه.
«صوتك قصيدة» صدام كبير بين نفسية الشاعر، ومعشوقته (ثنائية الوجود)، وجود روح
الشاعر، وروح حبيبته، وهو يواجه الواقع والحقيقة. حتى الروح لها صوت تردده، إنه
قصيدة حب قوي:
فصوتك قصيدة
تردّدها
روحي.
خامساً: الحقل الدال على الحب:
قوة العشق وشيطانه، أدت بالشاعر إلى إعلان وإقامة الحفلات، من أجل حب
فريد، يحيي القلوب وينعشها:
نقضي على
الدهشات
نحيي
الحفلات
نطعم القلوب.
سادساً: الحقل الدال على الزمن:
إن الزمن مقرون بالحاضر والمستقبل، داخل النص (أفعال الأمر والمضارع)،
من هنا جاءت انطلاقة الشاعر، في قصيدته «تعالي». أضف إلى هذا، أن الاستخدام المكثف لصور الزمن في المقاطع، جاءت
كبنيات متماسكة أدت هدفها، وأنت أحداث النص. إنه زمن متحرك، مؤثر وفعال، و ذو معنى
إيجابي. إنه استقرار الحب في الزمن:
خذي – تعالي – لنستفز – نحرق – نمنح – يشاركني – نقضي – نقتات – نطعم –
نأبى...
هذا وتتجلى قيمة النص الفنية، في كون الشاعر قد استخدم عدة أساليب لها
ارتباط بصور واقعية، يعيشها ويتقاسمها مع نفسه ومعشوقه. إنه صراع للوصول إلى حلمه
وهدفه، وذلك بلغة انسيابية فنية، تسعى إلى تحفيز القارئ، وإثارة جاذبيه، ساعد على
ذلك الإقلاع المموسق، المصحوب بروح هادئة، وحركة نسقية، يصاحبها صوت رهيف.