مصطفى تاج الدين الموسى
ــ1ــ
"أنا ومدرس الجغرافيا"
عندما كنتُ طالباً في المرحلة الإعدادية، قررتُ ذات ليلة أن أنتحر، لا أتذكر الآن ما الأسباب التي جعلتني أفكر آنذاك في الانتحار، أتذكر أنني لم أنم تلك الليلة، وظللتُ مستيقظاً حتى الصباح في غرفتي، أكتب بهدوءٍ على الصفحة الأخيرة من دفتري.. رسالة انتحاري، وأنا أدخن لفافة تبغ سرقتها من أبي في المساء.
صباحاً، ارتديتُ ثيابي وأنا أودع أشياء غرفتي، حاولتُ أن أكون أنيقاً بشكلٍ لافتٍ للنظر، ثمّ لوحتُ حزيناً لفتاة جميلة تخيلتُ أنها تقف هناك، في زاوية غرفتي، فلوحت تودعني بأسى، وكأنها تودع حياتها.
رفضتُ تناول طعام الإفطار مع أسرتي، لم يكترثوا لأمري، وقفتُ جانب باب المطبخ وراقبتهم حزيناً، كنتُ متأكداً أنهم بعد موتي، سوف يقولون للزوار، دائماً وبحسرة: لم يتناول طعام الإفطار في يومه الأخير، كانت إشارة إلى نيته في الانتحار، لكننا لم ننتبه...
مشيتُ إلى المدرسة، وفي الفرصة الأولى توجهتُ إلى غرفة مدرس الجغرافيا، هذا المدرس بالذات أشعر أنه قريب من روحي بشكلٍ لا يوصف، أحبه كثيراً وأعتقد أنه يحبني.
كان خلف طاولته، منهمكاً في تصحيح أوراق الامتحانات، جلستُ أمام طاولته وناولته رسالة انتحاري، وأنا أمسح دموعي الصامتة عن خديّ بكبرياءٍ أخرس.
أخذ الرسالة دون أن ينظر إليّ، وقرأها مسرعاً، ناولني إياها وهو يبعثر أوراق الامتحانات أمامه، قال لي دون أن ينظر إليّ:
ــ سوف تكون كاتباً متميزاً في المستقبل، لكن... أعتقد أنه لديك الكثير من الأخطاء النحوية والإملائية، الأفضل أن تعرض ورقتك هذه على مدرس اللغة العربية...
على الرغم من مرور ثلاثة عقود على تلك الحادثة، رغبتي في الانتحار ما تزال تسيطر على تفكيري، وكلما نويتُ أن أنتحر أكتب رسالة انتحاري، سرعان ما أعرضها قبل انتحاري على أحد الذين أشعر أنهم يشاركونني المشاعر الإنسانية.
وكما في كل مرّة، يقرؤون رسالة انتحاري، ويعثرون بين أسطري على أخطائي النحوية والإملائية.
ــ2ــ
"أنا ومدرس اللغة العربية"
ذهبنا في رحلة إلى البحر، أنا وبعض الشبان من الأصدقاء، ولم أفهم لماذا دعوني إلى رحلة معهم يسودها الفرح والمرح، وأنا معروف بينهم بأنني مصاب بالكآبة !
لا أحب السباحة، لهذا أمضيتُ ساعات اليوم الأول من الرحلة جالساً على الشاطئ، بجانب ثياب وأشياء أخرى للأصدقاء، أحرسها لهم من ازدحام العابرين على الشاطئ، مثل كلبٍ وفي.
شعرتُ بالملل وتجددت داخل صدري رغبتي القديمة في الانتحار، جلبتُ دفتري وبينما أنا أدخن على الشاطئ وأراقب الناس وهم يسبحون، كتبت رسالة انتحار جديدة، بعد انتهائي منها، وضعتُ رسالة انتحاري في زجاجة، أغلقتها بشكلٍ محكم، ثمّ قذفتُ بها إلى البحر، انتبه البعض لي فلم يكترثوا لأمر زجاجتي، التي ابتعدت عن الشاطئ مع الأمواج.
كنتُ متأكداً في أعماقي، أن الزجاجة التي تحمل رسالة انتحاري سوف تصل إلى الشواطئ الفرنسية، لترتطم بساعد صبية فرنسية جميلة، وهي تسبح على شواطئ فرنسا، سرعان ما تخرج رسالتي، وتهرول إلى المدينة بحثاً عن مترجم مختص، وبعد أن تترجمها، تركب أول طيارة وتأتي إلى هنا، حيث تعانقني بحرارة وهي تبكي، وتترجاني بحب ألا أنتحر.
وصلتْ الزجاجة إلى شاطئ فرنسا، حيث كان يسبح أستاذي في اللغة العربية في بيجامته، وقد لجأ إليها منذ عامين، وبمجرد أن فتح الرسالة، ومن شكل الخط، عرف أنها لي تحديداً.
بعد يومين، وأنا ما أزال جالساً على الشاطئ، بجانب ثياب الأصدقاء، أدخن بصمت منتظراً الفتاة الفرنسية، لمحتُ زجاجتي من بعيد، أسرعتُ إلى الماء والتقطتها، ثمّ أخرجتُ منها رسالتي في الانتحار، التي لم يطرأ عليها أي تغيير، باستثناء تلك الخطوط باللون الأحمر، التي رسمها مدرسي باللغة العربية تحت كلمات كثيرة، وفوقها.. كتب الكلمات الصحيحة منها.
ــ1ــ
"أنا ومدرس الجغرافيا"
عندما كنتُ طالباً في المرحلة الإعدادية، قررتُ ذات ليلة أن أنتحر، لا أتذكر الآن ما الأسباب التي جعلتني أفكر آنذاك في الانتحار، أتذكر أنني لم أنم تلك الليلة، وظللتُ مستيقظاً حتى الصباح في غرفتي، أكتب بهدوءٍ على الصفحة الأخيرة من دفتري.. رسالة انتحاري، وأنا أدخن لفافة تبغ سرقتها من أبي في المساء.
صباحاً، ارتديتُ ثيابي وأنا أودع أشياء غرفتي، حاولتُ أن أكون أنيقاً بشكلٍ لافتٍ للنظر، ثمّ لوحتُ حزيناً لفتاة جميلة تخيلتُ أنها تقف هناك، في زاوية غرفتي، فلوحت تودعني بأسى، وكأنها تودع حياتها.
رفضتُ تناول طعام الإفطار مع أسرتي، لم يكترثوا لأمري، وقفتُ جانب باب المطبخ وراقبتهم حزيناً، كنتُ متأكداً أنهم بعد موتي، سوف يقولون للزوار، دائماً وبحسرة: لم يتناول طعام الإفطار في يومه الأخير، كانت إشارة إلى نيته في الانتحار، لكننا لم ننتبه...
مشيتُ إلى المدرسة، وفي الفرصة الأولى توجهتُ إلى غرفة مدرس الجغرافيا، هذا المدرس بالذات أشعر أنه قريب من روحي بشكلٍ لا يوصف، أحبه كثيراً وأعتقد أنه يحبني.
كان خلف طاولته، منهمكاً في تصحيح أوراق الامتحانات، جلستُ أمام طاولته وناولته رسالة انتحاري، وأنا أمسح دموعي الصامتة عن خديّ بكبرياءٍ أخرس.
أخذ الرسالة دون أن ينظر إليّ، وقرأها مسرعاً، ناولني إياها وهو يبعثر أوراق الامتحانات أمامه، قال لي دون أن ينظر إليّ:
ــ سوف تكون كاتباً متميزاً في المستقبل، لكن... أعتقد أنه لديك الكثير من الأخطاء النحوية والإملائية، الأفضل أن تعرض ورقتك هذه على مدرس اللغة العربية...
على الرغم من مرور ثلاثة عقود على تلك الحادثة، رغبتي في الانتحار ما تزال تسيطر على تفكيري، وكلما نويتُ أن أنتحر أكتب رسالة انتحاري، سرعان ما أعرضها قبل انتحاري على أحد الذين أشعر أنهم يشاركونني المشاعر الإنسانية.
وكما في كل مرّة، يقرؤون رسالة انتحاري، ويعثرون بين أسطري على أخطائي النحوية والإملائية.
ــ2ــ
"أنا ومدرس اللغة العربية"
ذهبنا في رحلة إلى البحر، أنا وبعض الشبان من الأصدقاء، ولم أفهم لماذا دعوني إلى رحلة معهم يسودها الفرح والمرح، وأنا معروف بينهم بأنني مصاب بالكآبة !
لا أحب السباحة، لهذا أمضيتُ ساعات اليوم الأول من الرحلة جالساً على الشاطئ، بجانب ثياب وأشياء أخرى للأصدقاء، أحرسها لهم من ازدحام العابرين على الشاطئ، مثل كلبٍ وفي.
شعرتُ بالملل وتجددت داخل صدري رغبتي القديمة في الانتحار، جلبتُ دفتري وبينما أنا أدخن على الشاطئ وأراقب الناس وهم يسبحون، كتبت رسالة انتحار جديدة، بعد انتهائي منها، وضعتُ رسالة انتحاري في زجاجة، أغلقتها بشكلٍ محكم، ثمّ قذفتُ بها إلى البحر، انتبه البعض لي فلم يكترثوا لأمر زجاجتي، التي ابتعدت عن الشاطئ مع الأمواج.
كنتُ متأكداً في أعماقي، أن الزجاجة التي تحمل رسالة انتحاري سوف تصل إلى الشواطئ الفرنسية، لترتطم بساعد صبية فرنسية جميلة، وهي تسبح على شواطئ فرنسا، سرعان ما تخرج رسالتي، وتهرول إلى المدينة بحثاً عن مترجم مختص، وبعد أن تترجمها، تركب أول طيارة وتأتي إلى هنا، حيث تعانقني بحرارة وهي تبكي، وتترجاني بحب ألا أنتحر.
وصلتْ الزجاجة إلى شاطئ فرنسا، حيث كان يسبح أستاذي في اللغة العربية في بيجامته، وقد لجأ إليها منذ عامين، وبمجرد أن فتح الرسالة، ومن شكل الخط، عرف أنها لي تحديداً.
بعد يومين، وأنا ما أزال جالساً على الشاطئ، بجانب ثياب الأصدقاء، أدخن بصمت منتظراً الفتاة الفرنسية، لمحتُ زجاجتي من بعيد، أسرعتُ إلى الماء والتقطتها، ثمّ أخرجتُ منها رسالتي في الانتحار، التي لم يطرأ عليها أي تغيير، باستثناء تلك الخطوط باللون الأحمر، التي رسمها مدرسي باللغة العربية تحت كلمات كثيرة، وفوقها.. كتب الكلمات الصحيحة منها.