سربند حبيب / خاص سبا
يتسامى المخرج (حاتم علي ) في «قلم حمرة» عن الدمار والخراب وما
آلت إليه الحرب السورية بميله إلى مكان أكثر هدوءاً وأماناً يجسد عبره نص لكاتبة «يم
المشهدي»، ويقر بعجز الدراما أمام جحيم الواقع، فهو الذي لا يستطيع الوقوف في وجه آلة
الحرب والقتل.
تركيز العمل على شريحة لها آلامها الخاصة، أعطت الدراما مساحات ضيقة. فحالات الانكسار التي
تعيشها «النخب» يومياً، يحكي عن الهواجس الأنانية التي تسيطر عليها، عن عدميتها وفوقيتها
في أحيان كثيرة، وهذا كله حقيقي، ولكنّ مشكلة العمل في مكان آخر.
يقدّم العمل الواقع من وجهة نظر «النخبة» المترفعة عن «القطيع»، وبذلك
تكون أزمة المسلسل هي في هذه النقطة بالذات. فلغة البصر هنا عاجزة عن تقديم أي مشهد
درامي لسورية الحقيقية، لدرجة أنها فقدت ملامح الثورة والحرب، ولم تتطرق إلى الأزمة
الحقيقية التي تعانيها، فمازالت النزعة الاستهلاكية تسيطر المزاج الدرامي، فجميع القضايا
الكبرى باتت مهمشة هنا من الموت والدمار والتهجير... وتبرز قضايا اجتماعية لا تلامس
الواقع المعاش، فالقصص التي ترويها المسلسل عادية تحدث في أي مكان من هذا العالم، تأزم
العلاقات الزوجية إلى الخيانة... الطلاق... الحب... الكره... الأمومة... العنوسة...
كان نص «يم المشهدي» مخالف لقواعد القصة الكلاسيكية والإصرار على
تقديم سيناريو يعتمد على السرد وليس على الحبكة بعيداً عن الإدهاش، وتسود كثير من الأحداث
في المسلسل رتابة، مما يجعل الملل سيد الموقف في ظلّ غياب الأحداث الدرامية المفاجئة
أو غير المتوقعة. كما يشعر المشاهد ببعض التنظير المبالغ فيه من قبل البطلة في كثيرمن
حواراتها.
حيث جسدت التغير السوري في شخصية البطلة «سلافا معمار» الفتاة التي لم
تضع يوماً أحمر شفاه، وعندما تقرر شراء قلم حمرة يتم اتهامها بالإرهاب والتأمر على
أمن الدولة ليزج بها في السجن، ومن تلك الأقبية تسبح بمخيلتها لصياغة عوالم يمتزج فيها
الواقع بالخيال، وتصر على المقاومة والتشبث بالحياة، فالزنزانة الحقيقية هنا هي دمشق
ذاتها التي تعتقل فيها أحلام ورغبات، وليس ذاك القبو الذي اعتقلت فيه «ورد».
ومن داخل الزنزانة تسرد ورد كثير
من الأسئلة الوجودية والمشاكل الفكرية والنفسيّة، ففي مسألة الحياة والموت تقول: «الشي الوحيد اللي بيعطي الحياة قيمتها الحقيقية انها بتوقّف في الأخير،
الشي اللي بيعطي الحياة معنى أنه فيها موت»، فهذه النتيجة هي نفس ما توصّل
إليه «جلجامش» أشهر بطل ملحمي في أقدم قصّة كتبها الإنسان عن سر الخلود.
وكذلك تطرق المسلسل إلى مشكلة اجتماعية مضمرة في مجتمعاتنا بالرغم من كثرتها
«المثلية الجنسية» حيث خصصت يم خطاً كاملاً لشخصية مثلية قام بدورها الفنان «مصطفى
سعد الدين»، وقُدمت هذه الشخصية بطريقة طبيعية فهو شاب طبيعي الشكل والهيئة كما
أنه مبدع وموهوب وفاعل في المجتمع كحال الكثير من المثليين في سوريا والعالم، إلا أنه
يعيش في تخبط ويحاول الانتحار مراراً لِما يسببه له الكبت المجتمعي من ألم نفسي ورفضه
الشديد من قِبل العائلة، وعدم قدرته على التعبير عن ذاته بطريقة طبيعية كما كل البشر،
فضلاً عن قرار شريكه بالزواج من فتاة بعد طول صراع في طريقة من الأخير للهروب من واقع
المثلية ومحاولة التأقلم مع المجتمع، فيفترقان بحب ودون مشاكل، كما نجد «نورس» رافضاً
استغلال مثليته الجنسية كوسيلة سفر إلى باريس، بل يبقى في بلده محاولاً إثبات ذاته.
وتطرق أيضاً إلى المسألة الكردية ولو بشكل خجول التي كانت مهمشة وغائبة
في الدراما قبل الثورة السورية بالرغم من كثرة أعداد ممثلين الكرد فيها، حيث تلقي الضوء
على قضية حرمان المكتومين من التعلم والزواج والتملك نظراً لعدم حملهم لأوراق تثبت
هوياتهم، فدور «ميار الكسان» شابٌّ كردي قُدّم على أنّه مكتوم القيد، ومن خلال
متابعة قصيرة لمجريات حياته، نلاحظ معاناة الكرد الممنوعين من ممارسة طقوس أعيادهم،
كما يظهر مشهد يتم فيه اعتقال عدد كبير منهم وهم يحتفلون بعيدهم «نوروز»، ولكن لا تعكسُ ذلك حالتهم في المجتمع وفي الحياة
اليوميّة. ويبقى معرفة المجتمع السّوري بشكل عام عن حياة الكرد في سوريا مبهمة.
جميع حلقات المسلسل تُبطّن خلفيّة من الكآبة العميقة الناتجة من اكتئاب
الشخصيات والتحديات النفسية التي يعيشونها، ولا تنقلب هذه الكآبة إلى بهجة إلا في مواقف
نادرة، مما يستدعي شجاعة حقيقية من قبل المشاهد إذا أراد أن يندمج به حقّا. كما أنّه
(ورغم نهايته المتفائلة) ينطوي في كثير من أجزائه على رؤية متشائمة نسبياً للحياة ككلّ.
عمل إبداعي على مستويات عديدة، من سيناريو وإخراج ومونتاج وموسيقى وتمثيل
وتصوير، يستحق المشاهدة وهو بالتأكيد أحد أهم المحطّات في تاريخ الدراما السورية، خصوصا بعد الثّورة.