-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

رواية «آتيلا آخر العشّاق»: العشق أعلى مكانة من الإيمان والكفر معاً



مصعب الشابي (تونس) / خاص سبا

القسم الثاني والأخير


تتخذ مقعدك منذ الصفحة الأولى أمام مشاهد وأحداث سينيماتوغرافية تتماهى فيها مع البطل «المختلف»، وتنتصر له لا عليه تماماً كما نفعل يومياً تقريباً مع أفلام أبطالها أمريكيون لطفاء يحررون العالم منا نحن الغزاة على أرضنا، «يا إلهي ما كل هذا التمزق الذي يضرب حتى المناضلين السياسيين الذين يضحون بأرواحهم في محاربة نظام يبيد بلدهم وشعبهم وأهاليهم بالسلاح الكيماوي، بينما يحزنون حين يخسر فريقه لكرة القدم...». الصفحة (365).

ولكن امهلني، لماذا نحن معنا/ ضدنا؟ ألسنا ثوّاراً وعاشقين للحرية؟ لماذا انقلبنا على أعقابنا؟ ربما لا يعلم غيرنا نحن التونسيون حادثة دخول الزعيم (الدكتاتور لاحقاً) مبنى الأمم المتحدة ضمن وفد دولة العراق وأخذه الكلمة باسم رئيس وزراءها (د.الفاضل الجمالي)؛ ليشخذ مطولاً لقضيتنا وثورتنا، حدث ذلك في غفلة من الحركات والتصحيحات التي نسيها الناس والتاريخ (١٤ تموز – ٨ شباط – ١٨ تشرين – ١٧ تموز...)، التاريخ الذي تلقينا فواتح دروسه المدرسية من كتب ملونة نقش بخط كوفي جميل على أولى صفحاتها «هدية من شعب العراق»؛ لهذا ولغيره كنا مع/ضد، وجدتي كانت معنا.

جدتي امرأة لا تجيد القراءة ولا الكتابة، لا تعرف الأستاذ، ولم تقرأ ذكرى الرسول العربي، كانت تصوم يوم عاشوراء (صيام عاشوراء نافلة سنية لا علاقة لها بحادثة كربلاء)، ولكنني حينما سألتها صبياً – لم تصومين عاشوراء؟ – قالت: لأن الحسين مات عطشاناً.
جدتي كما آتيلا ترى الله محبة منثورة في الكون لا تحصيها فرقة ناجية ولا موقوفة عند طائفة دون أخرى، الله في كل مكان وزمان، عند العباد والنساك والرهبان والشيوخ والعقول...

هكذا نحن نخلط كل شيء في عشقنا للعراق، لم نره غير – سيمورغ – لا عذر لطير مهما كانت وجاهته للقعود والتخلف، «يقول فريد الدين العطار: وشغلي الشاغل هو عشقه فقط وهذا العشق ليس في مقدور كل إنسان».
«السيمورغ: قصة قديمة طوعها مولانا فريد الدين العطار (القرن 6هـ 12م)، وهو من كبار الصوفية، ويعد شمعة عصره ولا شبيه له في علمه» دولتشاه.

يروي لنا قصة آلاف الطيور لملاقاة قصة السيمورغ (الذي هو العنقاء)، وتصميمهم للوصول إليه سالكين طريقاً وعرة ومتعبة فيتناقص عددهم بعد أن يقدم كل واحد منهم عذره للتخلف والعجز عن مواصلة الرحلة وقد أخذ الهدهد الحكيم يجيب عن أعذارهم واحداً واحداً بطائفة من الحكايات والقصص، لم تصل منها سوى ثلاثين سي مورغ (تكتب ككلمتين ومعناه ثلاثون طيراً).
أراد أن يقول بأن مَن يصل يتماهى مع الله، إذ أن الثلاثون طيراً التي نجت من الموت ووصلت، حين يدخلون، لا يجدون سوى المرايا، التي يرون فيها السي مورغ (٣٠ طيراً) بدل السيمرغ التي تعني (العنقاء).

ومنطق الطير مؤلف العطار وإن كان يرمز إلى السالكين من الصوفية في طريق الله وقد وردت كل حكايا الهدهد تقريباً على فم آتيلا العاشق، فصوفية «سردار عبد الله» كان سيمورغها ثورة مغدورة ووطن وهمي، فالحكاية الحقيقية ليست هدهداً حكيماً بل ثائراً حالماً، شاسوار آخر الثوار، ثائراً غدر به الرفيق قبل الصديق، أتته الرصاصة من جهة معسكره أسرع من رصاص العدو «قالوا إن الجهة التي أتته منه الرصاصة لم تكن جهة المعسكر بل جهة قواتنا تحديداً». الصفحة (407).

المكان في الرواية شاسع بجغرافية متحولة ومتجولة بين المدن والقرى والجبال بين الوطن التاريخي والوطن السياسي، وجملة الأوطان التي ورثت الأرض والشعب والتاريخ جغرافية طوعها الثوار في كرهم وفرهم تلاحقهم أنفال النظام والجحوش والخيانات، وأنفال رب العالمين.

أرض لا أدرية تتحول فيها الغربة إلى مكان مألوف بناسه ومراقده ومعابده وعمدانه الصخرية العظيمة وتبيت الديار خربى بالكاد تعرف مرابعها أو تسمع أصوات أهلها الذين قتلوا أو هجروا ولم تبق سوى رائحة التفاح، رائحة صارت بحجم وطن.

فليس المهم بأي أرض تموت، ولا متى، لا زمان ولا مكان، فليس هذا ما يشغل العشاق، الأرض والزمان كل الحياة رحلة بحث عن المعشوق، سير على طريقه فلا أرض إلا هو ولا يقين سواه «عن أي يقين تتحدث؟ أنا فارغ الآن من كل يقين لقد حولتني هي إلى كائن من الشك المطلق». الصفحة (434).

وما الموت سوى نهاية الرحلة، رحلة العشق، فليس المهم إطلاقا بأي أرض تموت، أتممت اليوم قراءة الرواية، شاسوار يعزف بعنف وآتيلا ممدداً بقبره نائماً في كفنه، «نم يا صديقي فما كان لك أن تنام إلا حيث أنت الآن». الصفحة الأخيرة.

آتيلا آخر العشاق... شاسوار آخر الثوار: ليس المهم أن تلم بكل الأحداث في الرواية، خاصة تلك المرتبطة بتواريخ سياسية معلومة لكل تفسيراته ومبرراته وفريقه الذي يموت دونه، فليست الرواية تقريراً إخبارياً ولا تحقيقاً لحدث، هي صدمة، ليست صدمة الحق بالباطل ولا الإيمان بالكفر، هي صدمة أعنف من البندقية وأشهى من خبز التنور، هي العشق «العشق أعلى مكانة من الإيمان والكفر معاً، وأي شأن للعشق مع الكفر والإيمان» فريد الدين العطار.
تعديل المشاركة Reactions:
رواية «آتيلا آخر العشّاق»: العشق أعلى مكانة من الإيمان والكفر معاً

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة