-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

أكتب؛ لأنني موجود



كلمة هيئة التحرير


عندما تصبح الكتابة جزءاً من حياتك الوجودية في هذا العالم، وتصاحب وظائفك الاعتيادية كالنوم والأكل...، فأنت لا تفكر لماذا تكتب أكثر من التفكير؟ لماذا تتنفّس؟ ولكن انعدام الكتابة يعني انعدام التنفس.

فهي إذاً حالة صحية لدوام حياتك مع القلم والورق، وعدم الكتابة يعني إن هناك خلل في توازن طبيعتك البيولوجية، فعندما تدرك ذاتك مع تلك الشخصيات التي ترسمها وتضيع في دهاليز متاهة الحرف، تفقد حاسّة الواقع، وتعيش الحقيقة التي يجب أن تعيشها.

«لماذا نكتب؟!».
سؤالٌ جوهري يطرحه الكثير من الصحف والإعلام على الكتّاب في لحظات حرجة، حيث يرتبك البعض في الإجابة، فيتصنعون مواقف مثالية للتعبير عن خصوصيتهم في الكتابة وابتكار أجوبة تلفت النظر وتثير الاهتمام.

فأدونيس كان فجّاً كعادته: «أكتب لأدوّن ما قاله الله ولم يكتبه».
فالبعض يرى بأن الكتابة وهم سخيف يستبدّ من خلالها القارئ، ويسيطر على مساحة واسعة من تفكيره، وكأنه أحد مريديه الخاصّ عندما يتمثل الفكر واقعاً.

فالتشيكي «ميلان كونديرا» يقول: «الكتابة وهم سخيف، ذلك أننا مقتنعون بأننا نكتب لنقول ما لم يقله أحد، أي معارضة الجميع، الكتابة، إذن، هي متعة المعارضة، سعادة أن تكون وحيداً ضد الجميع، فرح أن تستفز أعداءك وتثير أصدقاءك، مع الأسف، بعد انتهاء الكتاب، نود أيضاً أن ننال الإعجاب، لا مفرّ من هذا الأمر؛ لأنه إنساني، ولكن كيف يستطيع أن يعجب مَن هو شغوف بتحدّي الكل؟ هذا هو التناقض الذي ترتكز إليه مهنتنا».

ثمة دوافع كثيرة للكتابة، فبعضهم يكتبون للمتعة والآخرون يعتبرونه مصدر دخل لهم، والبعض الآخر لغرض تغير الواقع والمجتمع، وهناك مَن يبحث عن الشهرة واثبات الذات، والآخر ليفرض فكره على القارئ بشكل خفي «التنمر السري».

فقد وضع «جورج أورويل» في مقالته المنشورة سنة 1946م: لماذا أكتب؟ قائمة بأربعة دوافع عظيمة للكتابة:
-         الأنانية المطلقة:
أن يتم التحدث عنك، أن يتم تذكرك بعد الوفاة، أن تنتقم من الكبار في طفولتك... الخ.
-         الحماسة الجمالية:
مسرّة تأثير وقع صوت على آخر، في انضباط النثر الجيد، أو إيقاع القصة الجيدة.
-         الدافع التاريخي:
الرغبة برؤية الأشياء كما هي، بالعثور على الوقائع الحقيقية وحفظها من أجل الأجيال القادمة.
-         الغرض السياسي:
الرأي بأن الفن يجب ألا يتعلق بالسياسة هو بذاته موقف سياسي.

برأي أنت تكتب لأن هناك قوة خفية تدفعك لفعل الكتابة، وما من سلطة تستطيع منعك والوقوف في وجه قلمك طالما هناك رغبة حقيقية لتفرغ رغباتك، ففي فيلم ريشات (Quills) نتلمس ذاك الكاتب الحقيقي في الزنزانة عندما يمنعونه من الأوراق والحبر، فيكتب بالنبيذ على ملاءات فراشه، يجردون غرفته من الملاءات ويمنعونه من النبيذ، فيجرح أصابعه ويكتب بالدم على ملابسه، وفي مشهد متقن جداً ينسل خارج زنزانته ويدور بين النزلاء ليقرؤوا ما كتبه على حلته الأنيقة، ثم يحبسونه في قبو مقيد بالسلاسل عارياً فيصل لذروة الحرب في تصميمه على الكتابة فيكتب ببرازه على الجدار.

إذاً الكتابة حالة شعورية لقلق لا شعوري وجودي وسخط عارم وانشقاق متمرد يعيشه  الكاتب خارج ذاته، في لحظة غثيان الكلمة واندلاقها على سطح البياض، نعم إنها لحظة الضياع وسط رُكام الكلمات، عندما تأخذك فكرة إلى عالم آخر، وأخرى تُعيد بك من حيث أتيت، إذاً هي هوية الذات.

هي الأنا التي نبحث عنها في دهاليز الوجود المغترب عن ذاته، نحاول في كل مرة الاقتراب من هواجس الذات، نرسم بألوان المعاناة شيئاً يشبهنا؛ لعلنا نزيل الغبار المتراكم على ذاتنا، إنها لعبة بين الشعور واللاشعور، إنها محاكاة بين الأنا والآخر، إنها النافذة التي نحاول أن نطل منها إلى الحياة.

ولكن قبل التفكير في الكتابة، يجب أن نقرأ، فالقراءة هي النصف الآخر للكتابة. ويكتسي فعل القراءة ونوعيته قيمة مهمة في فعل الكتابة. فالكاتب هو أكبر قارئ، وتمكننا القراءة من امتلاك وعي مسبق بفعل الكتابة، كما تمكننا من الوعي بأبعادها الفنية كصنعة.


تعديل المشاركة Reactions:
أكتب؛ لأنني موجود

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة