-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

الخامس والعشرون من يونيو



بانكين عبدالله


كعادتنا نمنا ونحن نحلم بفجرٍ يخلو من الألم، أمي كانت تعد للذهاب الى بيت خالي لإنهاء
ترتيب زواج فرهاد وشيرين،  فرهاد كان واقفاً في نوبة الحراسة على الحاجز؛ ينتظر الصباح بفارغ الصبر.. فبعد الغد عرسه. وكانت شيرين العروس تقيس فستان عرسها قبيل الفجر وتقبل صورة فرهاد. كان هناك هدوء نسبي ليلتها.. بدأ الجو يميل الى البرودة قبل الفجر.
 
فجأة بدأ قلب شيرين بالخفقان وكأنه سيقفز من صدرها، سقطت من يدها الصورة وكأنها سمعت صرخة فرهاد... فرهاد حبيبي هل حدث لك مكروه ؟ (صرخت مزعورة).

امي أفاقت على كابوس مروع وهي ترجف، أين ابني ؟ فرهاد ليس بخير، اتصلوا به.
بعد لحظات بدأ أطلاق الرصاص من جهة الجنوب ، فرهاد على الحاجز، صرخت أمي: ابني..حبيبي اتصلوا بفرهاد بسرعة، قلبي ينغصني وأصبح كسفيحٍ ساخن، أشعر أن  مكروهً أصاب ابني.
 الصوت يقترب، امي انا خائف نطقت اختي الصغيرة نالين،  شيرين بدأت بالبكاء وهي تحاول الاتصال بفرهاد.. فرهاد أجب عن هاتفك أرجوك  أين أنت؟
 صوت الاسعاف.. انتبهوا هناك خلية ارهابية دخلت المدينة وقد استشهد كل أفراد الحاجز.. لا تخرجوا من بيوتكم. 
أمي خرجت  تركض نحو الحاجز ولحقت بها نالين وهي تصرخ امي... امي...
على بُعد شارعين وجدت أمي شرين العروس تسبح بدمها،  ووقفت مذهولة تتأمل شرين بفستان عرسها، استشهدت العروس.. لم تلبث لحظات حتى اخترق الرصاص قلب نالين لتسقط الى جانب شيرين العروس، وكأن القدر يعاقب أمي على الخروج من البيت، صرخت بصوتً شق صدر السماء وهي تناجي: يا الله يا الله  وتمرغ وجهها بدم نالين وشرين. سمعت دوي انفجار جديد عصر بشدة على فوائدها (فرهاد أبن)...  حاولت ان تستجمع قواها، لكن من ستسعف أولاً نالين أم شيرين، وماذا عن فرهاد؟

رصاصة قسمت ظهرها لتسقط في حضن كنتها المنتظر "شيرين العروس" وحبيبة ابنها الشهيد  "فرهاد"،والى جانبها ابنتها نالين الطفلة الشهيدة.


في فجر ذاك اليوم خرجت الشمس تمشي ببط شديد وكأنها ثملة، أو عجوز في سن اليأس.. وهي تسترق النظرات الى جسد فرهاد المتقطع على الحاجز وتراقب شوارع المدينة كأنها ندمت على شروقها، كانت قد وعدت نالين يوم أمس أن تذهب اليوم لشراء لباس جديد في الصباح، فغداً عرس شقيقها الأكبر فرهاد.

وكانت المدينة في حالة استنفار وصخب، سيول من الدم وشبح الموت يترصد أرواح الأبرياء في كل مكان،  وبيت شيرين كان الأكثر صخباً وهّوى  فوق سكانه بانفجارٍ تزامناً مع الآذان.. الله أكبر .. الله اكبر،  بوووم... بوووم...

شيرين ارقدي بسلام فلم يبقى أحد بعدك،  وربما سبقوكِ الى صالة الفرح، أو ربما هم في طريقهم الى هناك.
على بعد خطوتين من الجامع، مازالوا: امي، نالين ، شرين العروس وحولهم العشرات.  إبن عمي وأخيه، صديقي شيار واخته، بنت جيراننا ديلبر (صديقة شيرين المقربة) كانوا مستلقين على شكل حلقة حول بعضهم البعض وكأنهم  جاؤوا لتحضير الحنة، "حنة العروس".. أو ربما هم في "سوترا"  إلهية عنوانها: ماتوا جميعاً.

مشهدٍ صاخب ورائحة الموت تفوح من المكان،  أصوات الرصاص والانفجارات من كل حدبٍ وصوب. أنها القيام، مدينتي تغتصب بإسم الرب وأحفاد محمد وعلى وعثمان شربوا من دمِ أطفالنا حتى الثمالة.  وفرهاد كان مقطوع الأطراف، يُعتق دمه خمراً نبوياً ليرشي به الآلهة في فرودسهم الأعلى.

على كل باب كان هناك  آية كتب فيها: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"،  و رأس طفلة مقطوع، أو كبد إمٍ، أو أحد الأشلاء يسبح في بركة دمٍ أسود، وشبحاً غرائزي يترصد الأحياء مردداً: اقرأ باسم ربك الأعلى.

أنه الخامس والعشرون من يونيو، شهر الحصاد. شهرٌ تنتظر فيه الآلهة دفع الجزية، وكانت حصة مدينتي هي الأكبر بين اقرانها،271 شهيداً هذا العام.

في مثل هذا اليوم قتلتُ الإله في مخدعه وخرجت أبحث عنه في خمارات المدينة "لأقتله حيث ثقفته" ألف مرة، ربما لأنتقم لشرين وفرهاد، أو ل نالين وامي و271 كوردياً قطعت أوصالهم بإسم سلطانه المزعوم.

في مدينتي حين اختلطت الصرخات بالرصاص والدموع بالدم؛ كانت الآلهة تعربد مع حواريها في فردوسهم الأعلى وهي تغتصب  تنفيذاً لوصاياه العشر.

25/ 06 /2015. ندبة في القلب ستنزف كل عام.





تعديل المشاركة Reactions:
الخامس والعشرون من يونيو

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة