مصطفى محمود / خاص سبا
الحلقة الخامسة عشر
Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 15 »
كانيا مشده "Kaniya Mişidê"
عندما شاهدتها عام ،١٩٥٤
كانت عبارة عن قرية كبيرة تقع إلى الغرب القريب من مركز كوباني، على رابية واسعة
المساحة، شوهدت فيها عدة كهوف حفرت بأيادي
إنسان العصر الحجري (إنسان الكهوف) مما يدل على وجود قرية مسكونة في هذا الموقع
المطل على بحيرة أو نبع " مشده " من الجهة الجنوبية . بالإضافة إلى هذه
الكهوف، يبدو أن حضارة أخرى عقب عشرات
القرون أقيمت
على أنقاضها بدليل وجود طبقات عميقة
ومتراكمة من التراب الأحمر الناعم بجوار هذه الكهوف، ربما نتيجة انهيار منازل
طينية وتراكم أتربتها فوق بعضها البعض
، يمكن القول أن معظم المنازل الطينية لكوباني تدين بتراب هذه القرية في
بناءها وكساءها خارجياً وداخلياً، بالإضافة إلى سطوحها، حيث أحترف البعض مهنة حفر
أعماق الموقع الواقع بين القرية والبحيرة لاستخراج التراب الأحمر الناعم وبيعها
لأصحاب العربيات التي تجرها الأحصنة بمبلغ يتراوح بين ٥٠-٦٠ قرشاً، وهم بدورهم
ينقلونها إلى أصحاب المنازل بالمبلغ نفسه . لقد برز معلمين كثر كطيانين ( يستعملون الوحل المكثف " التراب مع
التبن الخشن Kês المعجن بواسطة الماء "، وكان أشهرهم " شهانو البيسي
" الذي يتفنن في عمله فينتج لك سطحاً أملساً الى الحد الذي لا يمكن تمييز الكساء
الترابي عن الإسمنتي . يفصل الطريق المتجه إلى القرى الغربية - طريق جرابلس، القرية عن
البحيرة وينابيعها، بيد أن ما يحيرنا، هي المسافة الشاسعة بين بداية القرية شمالاً
، وبين الضفة الجنوبية للبحيرة ( ٦٠- ٦٥٠) م تقريباً، مما تدل أن
البحيرة في بداية تشكلها كانت أوسع بكثير من مساحتها الراهنة، كعادة
جميع القرى القديمة في منطقة كوباني التي تتميز
بمنازل طينية وبأزقة عشوائية غير مخططة
هندسياً، فهو الوضع نفسه في هذه القرية التي تميزها منزل ومضافة المختار المخضرم
" محمد صالح " المبني بأحجار مميزة، وبشساعة المساحة التي تحيط
بهما . إلى الجنوب من القرية ثمة مقبرة كبيرة، تمت إزالتها وتسويتها بالأرض (
بعد نقل رُفات الوفيات ) ونقلها إلى المقبرة الحديثة خارج المدينة ( بالقرب من قرية
ترميك پيژان . ماعدا البحيرة والكهوف التاريخية، هناك إلى الغرب من القرية التي انضمت
إلى مركز المدينة فيما بعد، ثمة غابة كبيرة مزروعة حديثاً
في نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم، تعتبر بحق رئة المدينة وموقعاً
مهماً وجميلاً للتنزه . لا بد أن نذكر أن القرية كانت تضم فقط عائلات عشيرة Pîjan سابقاً،
أما حديثاً فقد أصبحت من أحدث وأجمل أحياء المدينة، بمقاصفها .. ملاعبها الرياضية ..
شوارعها العريضة .. حدائقها الصغيرة - الكبيرة ، وبأبنيتها الطوابقية الحديثة
الصحية ناهيك عن الغابة التي تحيط بها غرباً ...
الحلقة السادسة عشر
Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 16 »
لنتطرق قليلاً إلى
العلاقات الاجتماعية بين المكونات العرقية والدينية في كوباني آنذاك .
منذ إحداث كوباني
كمدينة قبل أكثر من قرن، تدفق إليها من الشمال بصورة خاصة ( الأرمن ، السريان
والبيسيين المسيحيين ، اليهود ، التركمان والكورد الذين هربوا من إصلاحات كمال
أتاتورك، سكنوا المدينة وعملوا في مهنهم الفنية التي أتقنوها قبل الهجرة .
حيث استأثروا بمعظم
المهن، بينما كان القرويين الكورد في طور ( الرعي - الزراعة ، يحتقرون المهن
الفنية الضرورية) ، كان
التسامح الديني والقومي سيدا الموقف،
ما عدا بعض الحالات الفردية النادرة،
فالجميع بحاجة إلى بعضهم البعض دون تفرقة دينية أو قومية
، كان الأرمن الذين استأثروا بأغلب المهن الفنية، يحملون روح التسامح
أكثر من البقية ، ربما بسبب تجربتهم المريرة مع المآسي التي تعرضوا لها في الشمال، ويقال بأن اليهود قبل هجرتهم من كوباني عام ١٩٤٨ كانوا متسامحين ومنسجمين جداً مع كورد المنطقة .
تصادقت عائلات كوردية
عديدة مع عائلات أخرى أرمنية ( وخاصة البيسية ) داخل المدينة وخارجها في القرى،
وتشاركت معاً في أعمال زراعية وتجارية دليلا على الثقة المتبادلة . الزواج بين المكونات
المسيحية والإسلامية كان معدوماً بطبيعة الحال، وبسبب التقليد العشائري الكردي
آنذاك، كان الزواج بين الكوبانيين الأصليين والمكونات الإسلامية الأخرى نادرة جداً . أنسجم البيسيين
الأرمن سريعاً مع كورد المدينة، فمعظم نساءهم تقيدن بالزي التقليدي لنساء كوباني، فحسب رواية هاجر البيسيين من قرى لهم في منطقة
سروج، توأم كوباني في اللهجة والعادات والتقاليد والقرابة العشائرية، كما كانت
اللغة الكردية هي الدارجة بشكل أوسع بينهم . أتذكر أحد رجال البيسيين ( حاچو عڤدو كوكو ) بلباسه العربي كان
كأغلب رجال كوباني الكرد، والذي كان صديقاً حميماً لوالدي ولأخي الأكبر وللكثيرين
من معارفنا الذين يرتادون دكاننا داخل سوق المدينة،
كما أتذكر
ذلك الأرمني ( گرابيت بوزجيان )
الذي يوقف يومياً أمام دكاننا ( صيفاً ) عربيته الأنيقة والخاصة ببيع قطع الجليد لزبائنه في سوق
المدينة، إضافة إلى التفنن في بيع الكاسات المليئة ب "قارسمبه "
يخرط الجليد إلى بلورات ناعمة ويضاف لها شراباً صناعياً منكهاً من شتى الألوان حسب
نوع الفاكهة ثم يقدمها مع ملعقة صغيرة ( الكأس الصغيركان بخمسة قروش والكبيرة
بعشرة ( كان هذا الأرمني الفقير صديقاً لنا يسامحه والدي وأخي بثمن بعض القطع القماشية الصغيرة،
وبالمقابل كان المذكور يمدنا صيفاً ببعض قطع الجليد لتبريد ماء صلاحية الدكان دون مقابل
نقدي عشرة قروش حسب حجم القطعة، خارج فصل الصيف كان المذكور
يتخذ رصيف دكاننا كبويجي ( صباغة الأحذية )
، وصادف أن تصادق مع أحد أخوالي ( شريك والدي في دكان الأقمشة ، فكان خالي يمده
بمؤونته السنوية من البرغل والسمن الكردي، بينما يقدم له گرابيت كلما قدم إلى الدكان من قريته كأساً خاصاً من قارسمبته المشهورة،
ناهيك عن صباغة حذائه الممتاز صباغة ممتازة لميعة و التي أشتراه من السرياني نوري
قوندرجي . يجب أن نتذكر هنا بالرحمة السيد "محى"
المهاجر من الشمال والذي كان يدعي بتركمانيته، وإبريقه
الضخم المليء بالتمر هندي الذي يحمله على ظهره ويتجول به في أسواق المدينة صيفاً
وهو يصرخ بين الفينة والأخرى: تمر هندي بوزززز - بارد بوززز ... - الحلقة السابعة عشر
Kobanî di 1954 de- dîroka salekê » 17 »
في بداية الخمسينيات
من القرن المنصرم، لم تكنْ لتشاهد في الأسواق والشوارع إلا قلة قليلة من النساء
اللاتي تختلف أزياءهن حسب المكونات الدينية والعرقية المنتسبة إليها في
كوباني . فالمسيحيين الأرمن والسريان كان الزي الأوروبي طاغيا على رجالهم ونساءهم
. بينما يطغى الزي الكوردي الشعبي على نساء البيسييين، والزي العربي التقليدي (
جلابية - عقال - حطة ) على رجالهم باستثناء
بعضهم
. في حين تقيد أغلب
رجال التركمان أو المستتركين بمختلف أعمارهم، بسروال الأورفلي الفضفاض وبالبناطيل
الأوروبية معاً، بالإضافة إلى طاقية شرعية أحياناً، أما نساءهم فقد فضلن الحجاب الكامل،
وأحياناً إضافة البرقع الأسود الرقيق لتكملة الحجاب .
تنوعت أزياء الكرد
المهاجرين من الشمال بين الزي العربي التقليدي، وبين التعويض بالقفطان المخطط (
جبلي ) بدلاً عن الجلابية العربية، ومنهم من تعمر بطاقية عادية بدلاً من الحطة
والعقال ، أما نساءهم فقد كانوا محجبات، ومنهن من تسترت بالبرقع الأسود الرقيق، وهناك
نساء عائلة الشيخ صالح وأقربائه اللاتي حافظن على أزيائهن المنسوبة لمدينة " عامودا"
دون تغيير .
طغى الزي العربي
الشعبي على الأغلبية الساحقة من رجال كوباني الأصلاء ، بينما احتفظت النساء بزيهن
الشعبي الأصيل دون تغيير ودون تقليد . هذا الزي الذي أنتشر وشاع منذ قرون عديدة
بين العشائر البرازية وجيرانها في المناطق الجنوبية والغربية لولاية أورفا ، وخاصة
في حواضر وقرى سهل " سروج ". حيث يختلف الزي حسب الفئات العمرية بشكل
عام ( جميعهن سافرات دون حجاب ) الإختلاف الأهم هو في نوع وشكل الكوفيات الرأسية .
فالبالغة والشابة والأم في أواسط عمرها تتعمر بكوفية تتشكل من قماش خاص مقصب ،سميك
ولميع وملون يسمى " شعر "، تنتهي في قمة الرأس بتاج فضي على الأغلب .
كليمة حبيب / كوباني |
أما الزي الذي يغطي
الجسد فهو مشترك لدى الفئات كافة ، ما عدا نوع القماش واختلاف ألوانها ). سروال داخلي - شورت
أو كلسون باللغة المعاصرة فضفاض وطويل يستر ما أسفل السرة والى أخمص القدمين " heval keras " . ثم فستان قصير داخلي بدلاً من
اللباس الداخلي المعاصر يسمى “ bin fistan “ . يليه خارجاً فستان طويل فضفاض يستر الجسم كاملاً يسمى " keras “ . وفوق هذا الكراس تلبس قميصاً قصيراً دون أكمام ( بدلاً من سوتيان )
لستر صدر المرأة وإخفاء ثديها ، تسمى “ sixme
" . وللتستر على مقدمة
جسمها السفلي تشد خصرها بقطعة من قماش أسود أغلب الأحيان تسمى " bervank “ . والخفتان
الذي يكمل كل هذه التشكيلة المتنوعة، عبارة عن فستان مفتوح من الأمام ، ذو شقين طويلين من الخلف ، يقوم بوظيفة ستر
الملامح الأنثوية الخلفية للمرأة . يثبت هذا الكم الهائل من الألبسة ، بمئزر فضي لدى الشابات يسمى " kember “ , أو بـ" kejî -piştan “ لدى المتقدمات في العمر ( قطعة قماشية سميكة ، ملونة وطويلة تلف فوق
الملابس وحول الخصر تستعملها المرأة كجيوب ، وكحقيبة يدوية في الوقت نفسه .
.... تتبع