حاورتها: فاتن حمودي
فايزة مبارك فنانة تشكيلية إماراتية، سفيرة
الفنون والثقافة في اليونسكو، حاصلة على درجة الماجستير في تاريخ الفن وعلوم
المتاحف من جامعة السوربون في أبو ظبي، وحاصلة على شهادة من مدرسة اللوفر في باريس،
تعتبرُ أن السفر جسر بين الحضارات، وتؤكد على أن باريس هي المدينة التي فتحت لها
باب الفن على مصراعيه، ما أثمر معرض «أبو ظبي على نهر السين»، شاركت في عدة معارض
محلية وعربية وعالمية، كما أقامت معرضاً شخصياً في باريس.
بيعت أعمالها الفنية مؤخراً في مزاد عالمي،
تقول «أتزود للفن بالسفر، وزيارة المتاحف، حيث التعرف على الثقافة والفن والتاريخ»،
وتؤكد على أن جزيرة السعديات بوابة حقيقية للسياحة الثقافية، وتشير إلى أهمية
زيارة الأماكن الخالية مثل مثل السيح، أو القصور والمتاحف التي تحمل رائحة الزمن
وناسه.
«سبا» التقتها، وكان لنا معها هذا الحوار
التالي:
·
السفر كتاب، ماذا تقولين أنت؟
نعم السفر كتاب، وأضيف إنه بوابة نحو الحلم،
نحن نسافر لنكتشف ونتجدد، نسافر لنرى العالم، ولنعرف معنى المكان الذي نعيش فيه،
فلو نظرت حولي لعرفت معنى السياحة في مدينة العين، حيث يقف قصر الجاهلي وقصور أخرى
تحمل رائحة الأصالة.
السفر يجعلنا نكتشف ما حولنا، وفي نفس الوقت
نتعرف على أمكنة في هذا العالم، فنبني جسوراً، تؤكد دائماً على معنى الطريق هذا
الخط الطويل الذي نرسم فيه محطات لنا، وصوراً، وكتابات، ولوحات وذكريات، وربما فقط
نتجدد، لنعود أكثر حيوية حاملين معنا اللون
الأزرق.
ولأن الرحلة استجمام، فإنني أقوم في بلدي
الغمارات، بزيارة للمساحات الخالية، مثل السيح، أو أماكن نعود إليها كالقصور مثل
قصر الحصن، أو الجاهلي، والتي لها تأثير كبير علينا كذاكرة وتاريخ.
·
ماذا تعطين لهذه الأمكنة التي تحمل رائحة
التاريخ؟
لا شك فإن المكان بناسه، وفنه وثقافته، لهذا نحضر
أنا ومجموعة من الفنانين، معرضاً مهماً سيكون مع بداية افتتاح المجمع الثقافي
بإطلالته الجديدة في العام القادم 2019م، وتأتي أهمية هذه الأماكن، وأقصد قصر
الحصن من خلال ما تحمله من ذاكرة للتاريخ والوطن ولمؤسسي دولتنا الحبيبة، ومَن جاء
قبلهم من رجال.
هذا المكان، الذي يجاوره المجمع الثقافي،
شكّل لي منذ الطفولة، ذاكرة للثقافة والجمال، المرسم الحر، البحرات والنوافير التي
تزين الممرات، شجر النخيل، معرض الكتب المسرح، المعروضات الفلكلورية، كل هذا ارتسم
بذاكرتي، معارض الفن التشكيلي، الحفلات الموسيقية التي كانت تحت أبصار الشاعر محمد
أحمد خليفة السويدي.
كبرنا مع هذا المكان، الذي احتضن مهرجان
الحصن، والمسرح والتراث، هذا المكان وبعد الترميم الطويل الذي يخضع له اليوم، نحن
بصدد التحضير لأعمال فنية لنكون مشاركين في الأفتتاح، بطريقة احتفالية تجعل من أبو
ظبي منصة للسياحة والفن معاً.
ومما لا شك فيه فإن هذا المكان ارتبط منذ
طفولتنا بالرحلة القريبة، والتي أثرت بشكل كبير علينا.
·
تتحدثين عن أبو ظبي كمكان طفولتك، ماذا تقولين
عن باريس المدينة التي طبعت تجربتك، وربما حياتك بلون الفن؟
كبرى مدن فرنسا وعاصمتها باريس، تلك المدينة
التي تحتضن خليطاً من الأعراق، والثقافات والديانات، فيما يروي عمرانها حكايات
قرون من التاريخ والثقافة والفن، توصف بأنها عاصمة الثقافة الفرنسية الأوروبية،
وتلقب بمدينة النور.
هذه المدينة التي يشكل نهر السين رئتها، هناك
تعرّفت على معنى المدن الأوروبية، ومعنى السياحة الطبيعية، والثقافية معاً.
مدينة يخترقها نهر السين ويقسمها إلى جزيرتين،
سكنت هناك وتعرفت على معنى الجسور التي تربط الأمكنة، ومعنى المتاحف، وصالات الفن
والحركة الفنية.
ففي حي «لي ماراي»، الذي يضم داخله كل ما هو
رائع ومثير من حيث المعارض الفنّية والمقاهي والمطاعم والحوانيت التي تبيع الأزياء
التابعة للمصممين الفرنسيين المعاصرين، في هذا الحي نجد ثاني أكبر متحف للفنان
الإسباني بيكاسو وكاتدرائية نوتردام دو باري، وبيت الأديب الفرنسي فكتور هوغو،
وأيضاً المركز الوطني للفنون والثقافات جورج بومبيدو، نجد الفنادق والمطاعم،
والأهم أنك تجد نفسك بين كلّ هذه الفنون.
·
حدثينا عن أهمية السفر بالنسبة للفنان، ولما
تخصّصت في إدارة المتاحف؟
خضت كثيراً من التجارب التي كان لها دور كبير
في إحداث نقلة نوعية في مسيرتي، كإقاماتي الفنية الأولى في باريس في ديجون، وكنت
أول فنانة إماراتية وخليجية لها استوديو هناك، ولكن النقلة المختلفة هي توسعة الحس
الفني باستكمال دراستي العلمية وحصولي على درجة الماجستير في إدارة المتاحف وتاريخ
الفنون، في جامعة السوربون في أبو ظبي، وكذلك تدريبي في متحف اللوفر في باريس، كل هذا علّمني معنى المتحف، كثقافة وتاريخ
وسياحة.
·
ماذا أثمرت هذه الرحلة، وكيف جمعت بين أبو ظبي
وباريس معاً؟
سميت أعمالي حينها حسب جسور باريس، التي كانت
تأخذني من مكان إلى آخر، جسر يصل لمعهد الفنون، ستة أعمال جهزتهم هناك، وقد انعكس
السفر على اللون في أعمالي، وأسميت أعمالاً أخرى بأسماء إماراتية، وأنتجت معرض «أبو
ظبي على نهر السين»، الكثير من الحوارات الثقافية تكونت نتيجة الصحافة واللقاء
بالفنانين.
المغرب محطة
الدهشة:
·
هل ثمة مدن أخرى أثّرت عليك وسحرتك؟
نعم فقد شكّلت لي المغرب محطة الدهشة
والتنوع، والتزود بالصور والذكريات الأجمل، المغرب بمدنها وتضاريسها المتنوعة،
وناسها وفنانيها، وموسيقاها وأسواقها وطبيعتها المفتوحة على زرقة المتوسط والأطلسي
سحرتني.
هذا المكان الذي زاره الكثير من الفنانين
واكتشفوا سحر المغرب، كبيكاسو، فالحركة الفنية في مدينة أصيلة كتجمع للفن والفنانين
وجمال الطبيعة جعلني أعرف لماذا أبدع أهم فناني العالم فيها.
ومما لا شك فيه فإن كل مدينة لها تأثير علي،
أهم ما فيها بناء جسور مع ثقافات مختلفة، والتزود منها، إنها ذاكرة واسعة صعب
الإلمام بها هو ما تتركه المدن فينا والرحلة والسفر.
·
الأمكنة وانعكاسها على رؤيتك وتطورك في الفن؟
أي مكان نمضي إليه، هو تاب جديد، عالم جديد،
وهواء آخر يجعلنا نتجدد، هكذا أشعر حين أمضي إلى مكان أحبه، في مدينة سانجيرمان لمست
الطابع الفرنسي الكلاسيكي والخاص، فالأثر الفرنسي فيها واضح جداً، الصوت الفرنسي
الممتلئ بالمكان، في باريس سانجيرمان، اكتشفت الطبيعة الخاصة للفرنساويين، معنى
العائلة وتجمعها في نهاية الأسبوع، الصوت اكتشفته هناك الصوت من خلال اللكنة
الفرنسية، وعرفت معنى الرائحة، وخصوصية الحلوى، ووجبات الطعام التي تحمل الكثير من
الخصوصية والهوية.
في إيطاليا مدينة المتاحف المفتوحة، لا تحتاجين
هناك للبحث عن المتاحف لأنها بين يديك وتحت بصرك حيثما ذهبت، ميلانو والأزياء فتحت
أمامي نافذة على الجمال، الأثاث، الطعام، أما زيارة المتاحف، فهي جزء هام في
رحلاتي إلى أي مدينة، التاريخ حاضر في ذاكرتي لأن زيارتي كانت طويلة، بحكم إقامتي
كفنانة في باريس تريد أن تتزود باللون وتتعرف على المدارس الفنية والعلاقة مع
الفنانين، كل هذا دفعني لاحقاً للتخصص في إدارة المتاحف، وما زلت أحتفظ بتفاصيل
كثيرة لأنني قضيت هناك شهوراً طويلة.
·
لماذا تخصّصت في المتاحف؟
لا شك فإن قيمة المتاحف قيمة عالية جداً،
بالنسبة للتاريخ الإنساني، حيث نقف على ثقافات وتاريخ وآثار تمنحنا بعد الهوية
الإنسانية والمكانية، هذا دفعني للتخصص في إدارة المتاحف، وهو تخصص نادر في
الإمارات، فبعد أن بات هناك منطقة ثقافية في السعديات بأبو ظبي هي منطقة المتاحف،
اللوفر وغيره، كنت أشعر بأهمية هذا التخصص
للتعرّف على كيفية أن تستفيد العائلة من زيارة المتحف، ورش العمل كانت ضمن دراستي
في الماجستير بسوربون أبو ظبي، كيف نثقف الأجيال ثقافة متحفية، المتاحف في دولة
الإمارات، جزيرة بكاملها «السعديات»، خصصت للمتاحف العالمية والمحلية، وهذا يعمل
على تنشيط حركة السياحة الثقافية والفنية في أبو ظبي.
ويشكل متحف اللوفر جسراً حقيقياً مع العالم، أثناء
دراستي كنت أجري مقارنة بين المتاحف والأبنية والتأخر في بناء المتاحف هنا، قيمة
متحف اللوفر ما يتركه من صدى من ناحية التصميم والمقتنيات، واللعب على الظل
والنور، وقيمة الحديقة المجاورة للمتحف شأن حدائق المتاحف العالمية من منارة
السعديات، إلى متحف اللوفر، وجوجنهايم، ومتحف زايد، والمنارة وما حملته من معارض
عالمية «فن أبو ظبي»، إلى جانب الموسيقى وفنون الرقص التي تعطي انطباعاً لا ينسى
للسائحين، الكماليات هنا مهمة ولها تأثير كبير، إنها دعوة للشباب لزيارة الحديقة،
للتمتع بكل شيء، الموسيقى، الطعام، البحر، الأعمال الفنية، والتي تفتح المجال
للسؤال: ماذا يوجد داخل المتحف؟
إذا كانت الحديقة بهذا القدر من التنوع
الثقافي والجمالي، كيف سيكون المتحف والمقتنيات؟
هذه الحديقة المعروفة باسم «تولوغيه»، تشكل
حركة فنية ومفتاح حقيقي لهذه السياحة الثقافية.
·
كيف تخططين للسياحة، وهل تختارين الأمكنة
الخاصة من مزاجك؟
أخطط نعم، وربما أندفع بشكل عفوي لزيارة
الأماكن الخاصة التي تحمل رائحة التاريخ والفن معاً، وأسال عن المتاحف والأماكن
السياحية التي تفتح عيني على الجمال، والفن والتاريخ والتراث، أبحث عن موقعها
وسهولة الوصول إلى هذا المتحف للتعرف على أهم الفنانين.
أحياناً نجد أشخاصاً يؤسسون متاحف خاصة،
بعيداً عن دعم أي مؤسسة، فأثناء زيارتي لبريطانيا، تعرّفت إلى الفنان تيرنر، والذي
استفدت كثيراً من مجموعة أعماله الخاصة بتأثير
السرعة في الرسم.
أهمية المتاحف الوطنية، هو اهتمامها
بالفنانين المحلين والاحتفاظ بأعمالهم وعرضها في أهم المتاحف العالمية.
·
من أين تستمدين الإلهام في لوحاتك؟
مشاريعي الفنية تهتم بتوصيل فكرة إنسانية أو
مشكلة اجتماعية، محاولة تحريك الوعي الفكري والثقافي لدى المشاهد، وغالباً ما
تأتيني فكرة العمل عند قراءة كتاب ما، يثير حواراً بيني وبين الكاتب لأترجمه بعد
ذلك في اللوحة، ثم أشرك المشاهد في هذا الحوار، وقد أستمد الفكرة من خلال موسيقى
تأثيرية، أو مشاهدة فيلم.
·
لماذا تصرّين على إطلاق أسماء على أعمالك
ولوحاتك؟
الاسم ولو كان رمزياً له معنى عميق، إشارة ما
إلى العمل وهويته، من هنا فأنا أضع أحياناً أسماء رمزية تكون بمثابة مفاتيح لمعرفة
أسرار الأعمال، مثل مجموعتي التي أسميتها «أسرار كتاب»، حيث أحاكي قضية اجتماعية
وهي قيمة اقتناء الكتاب وما لها من دور في حياتنا خاصة في عصر العولمة، والأجهزة
الحديثة، وأسميت مجموعة أخرى «الأول والآخر» كرمز عن البدايات والنهايات في حياتنا.
·
ماذا عن علاقتك بالفنون الأخرى كالأدب
والموسيقى؟
هناك قرابة بين الفنون، تداخل، كيميا، قد
نمضي للموسيقى، أو السينما، أو القصيدة، وربما الرواية، كل هذه الفنون تتعتنق داخل
اللوحة، تتماهى مع اللون، فالفنان الحقيقي يزيد من مداركه
الحسية والفنية من خلال حضوره للملتقيات الشعرية، أو المهرجانات الثقافية،
السينمائية، والموسيقية، فللحضور والتواصل مع جميع الفنون آثر في تغير الحس الفني
لدي.