سرمد سليم
1
متحف الأصوات التي لم تولد
العناصر متراكمة كتنانين مكسورة الأجنحة في
غرفة مملوءة بالضوء المنعكس عن قطيع من الزجاج المهشم
ارتديت قفازاً زرقياً ورسمت بسكين دائرة حول
صدري
أصغيت إلى الأصوات وكانت الجدران تغني أنشودة
قدم قطيعة تبحث عن ساق تسكنها
ظهرت المرأة التي لا تحمل وجها ولا تتكلم إلا
بالألواح الطينية
كتبت لي:
–
أنت الذي باع نفسه
للظل أين جناحك الأيسر
قلت نسيتُه في الجيب الممزق لملاك سابق
فأخذتني إلى المطبخ وفي المغسلة طفت رؤوس دمى
وكتب لا تُقرأ إلا باللعاب
أشعلتُ زراً في صدرها فانفجرت أغنية كانت تلعق
أذني:
–
ارقص قالت كما يرقص
المقص فوق ورقة زواج قديمة
حين سكتت نزلت عيني من مكانها وتجولت في البيت
حتى وجدت طفلا يغذي نفسه على الندوب.
2
حذاء الملك الذي يمضغ أمه
في الزاوية العليا من الغرفة كانت ساعة تدور
إلى الوراء تلفظ الدقات كطيور مذعورة تصطدم بجدران العقل
أخذت جسدي وطويته كما يُطوى معطف قديم ووضعته
في جراب راهب بوذي يبكي على رماد نسر
قابلت رجلاً بلا قدمين يسير على ركب أغانيه
ويشم كل شيء قبل أن يتحدث
قال لي:
–
وجهك ممسوح بزيت السر
أي جناح اخترت أن تكون تحته
قلت جناح الموتى فإنهم يعرفون كيف يصمتون
فضحك وسحب من جوفه خارطة مرسومة بدماء السلاحف
وقال
–
هنا ستجدها المرأة
التي تفتح صدرها لتخبئ الرياح
سرت في طريق مبلل ببصاق الملائكة أضاءت أحذيتي
نفسها وبدأت تغني أغنية كانت أمي تدندنها وهي تقشر البصل في زفافها الثاني.
3
جمل يشرب ظله في ملعقة
في الساعة التي انقلب فيها الليل على نفسه وقرر
أن يصبح سلطة
بعت ذاكرتي لرجل أصلع يكتب التوابل في دفتر
الوحي
ركبت جملاً من نقاط التفاهم وسقته في صحراء
مصنوعة من أسئلة لا تنتهي
كلما جاوبت على واحدة انفجرت الأخرى في وجهي
كزجاج وهم يقبل خدّاً خشبياً
وصلت إلى غابة تتكون من أصابع الأجنة تتنفس
وتصفر وتسألني:
–
لماذا لم تعلق وجهك
على الجدار
قلت لأني أضعت الجدار في الجيب الأيسر لسترة
وعد كاذب
ثم قابلت ملكاً يركب بيضة طائرة ويغذي جنوده
على شرائط السينما التي لم يصورها أحد
حين رآني قال:
–
تقدّم يا من قايض قلبه
بسلم يؤدي إلى لا شيء
وعند آخر الدرج وجدت رأسي جالساً يدخن نفسه
ويقرأ كتاباً عن كيفية تفكيك اللغة بمفك قديم.
4
قبلة من ورق الألومنيوم في زفاف مرآة
قررت أن أتزوج من مرآة تعاني من فوبيا الانعكاس
كانت ترفض أن تراني وتصر أن تكون شباكا يطل على
فيل يفكر في السياسة
في ليلة العرس حضر الضيوف على ظهور أحذيتهم
يأكلون قبلات من ورق الألومنيوم ويشربون نفطاً
ممزوجاً بدم الشعراء الذين تركوا الميكروفون شغالاً ثلاث قرون
عزفت الموسيقى على أمعاء دب أعمى وكانت الرقصة
الرئيسية تقام فوق خارطة لدول لا تؤمن بالأرض
في اللحظة التي سألتها هل تحبيني
كانت تشاهد نفسها تنفجر في زقاق من الحنين
المنسي وتقبل رأس شخص لم يولد بعد
قام القس ووقف على شمعة وصاح:
–
باسم القرد والورقة
والقدم الطاهرة أعلنكم أزواجاً في قارورة خرف
فانفتح السقف وسقطت منه رسوم مضحكة تبكي
وطفت في الغرفة رائحة ماض لم يحدث.
5
النسخة التي نجت من معناك
صحوت في صندوق بريد لا يصله أحد
وفي جانبي كان يجلس كلب يكتب رواية عن ملك لا
يعرف لغة الشفاه
قرأ لي جزءاً وقال:
–
كل ما تفهمه سيُقتل
رميت ساعتي في زجاجة حليب وانتظرت أن تذوب
الذكرى
مر قطار يجر أصوات من لم يتكلموا ويلوح بمناشف
نظرات لم تُقال
ركبته ولكن لم أجد نفسي
في المقعد الذي حجزته جلست نسخة أصغر مني تأكل
وجهي بملعقة وثنية
قلت لها من أنت؟
فقالت أنا الجزء الذي نجا من معناك
تفجرت النافذة ودخلت منها يد تحمل خاتماً
فلبسته في فكري وصرت أسمع لغة تُكتب بلا أحرف
في المقابلة كانت الغرفة تكبر وتكبر حتى بلغت
حجم مجرة تصلي لصفحة ممزقة من كتاب لا يوجد
وأنا أحلق دون أجنحة على بساط من نسيان النطق
أغني لذاكرة كانت تقشر نفسها كبصلة فاسدة
وتُلقي بكل شيء في ريح تصفر بصوت أبي وهو يقول:
–
اذهب يا ولدي وكن
كارثة بهدوء.
6
قلم يرتدي حقيقته وينسى
وجدتني مسجى على سحابة من زئبق
أكتب وصيتي على صدر نجمة مرهقة
وكلما كتبت حرفاً سقط منه طائر يغني للثلوج
ويبول على عنق ساعة رملية تبكي بلغة الدوائر
في البعد كانت أصوات تشبهني
وكل واحد منهم يزعم أنه أنا لكنه أكثر صدقاً
أحدهم كان يحمل قلبي في ملعقة يقلبه على نار
نكتة قديمة ويقول:
–
هكذا نأكل الأساطير
مررت بحوار كان يجري بين رئتيّ
الأولى تريد أن تغني والثانية تفضل الصفير بلغة
الأسنان
ثم وقف الحلم نزل منه رجل عار
لكنه كان يرتدي اسمي ويتكلم بصوت حبيبة نسيتها
قال لي:
–
أنت لم تمت
لكن الحقيقة هي التي قامت بذلك
تركت جثتها تحت وسادة الواقع وهربت مع أول كذبة
أحببتها
وعند ذلك أفقْتُ
وجدتني قلما يكتب نفسه على جلد شخص لا يوجد
في كتاب لا يستطيع أحد أن يفتحه إلا إذا نسي
أنه كان يقرأ.