-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

مرحلة الشيخوخة “مقززة”

 


الكاتب Bernard Pivot برنارد پيڤو - ( ترجمة أمل البحرة )

تمضي السنوات و ينطوي الزمن معها .

في كل يوم يزداد إحساسنا في مرور الوقت.

إن النتائج المترتبة عن مرور الزمن، تم التصدي لها بغية التغلب عليها.

هذا الموضوع قد تم التطرق له منذ العصور القديمة ونورد هنا مثلاً إحدى المقاطع الشعرية من العصر القديم للشاعرة سابفو “Sappho” في العام 600 قبل الميلاد ،تشجب من خلالها زوال مرحلة الشباب:

«لقد رسم الزمن تجاعيده على جلدي وامتقع لون شفتي ، وتخلخلت أسناني وبقي القليل منها فقط متماسكاً؛ أما عن شعري، تلك الأشواك السوداء فيما مضى، قد أصبحت اليوم بيضاء كلها‬

‪لم يعد بإمكاني الوقوف لأن ركبتي أصبحتا ترتعشان‬

‪آآه ياأخوتي ! أنا التي كنت أرقص بينكم بكل فخر واعتزاز تماماً كالطاووس وكنت الأكثر حيوية بين الراقصين‬

أود أن أتلذذ بذلك النقاء حتى الرمق الأخير/ وأحبكم.»

لم يتمكن أحدٌ بعد العثور على إكسير الشباب أو على أيةخلطة سحرية للخلود .

نحن جميعنا متساوون فقط  أمام  الشيخوخة  والزمن الذي يمضي ،إنها العدالة الوحيدة التي نواجهها معاً.

 يمضي الزمن ومازال الشعراء والكتّاب يتملكهم شغف الكتابة والخوض في هذه المواضيع مثل وجود الإنسان المؤقت على الأرض. 

هذا هو الموضوع الذي أرادBernard Pivot برناردپيڤو البحث فيه ولكنه اتخذ أسلوباً ساخراً ولاذعاً أسماه: «الشيخوخة ،إنها مقززة!»

هذا النص رائع ،وأرجو أن ينقل لكم أحاسيسي ويبين كيف يمكنكم  اجتياز هذه المرحلةفي سلام. 

هذا النص هو نبذة قصيرة مقتطعة من كتابه «الكلمات التي سطرت حياتي »والذي كتبه في العام 2011 .

الكتاب هو قصة رجل  لم يكن يتقبّل الدخول في مرحلة الشيخوخة ولكنه واجهها عن طيب خاطر وقلب رَضِيّْ ،جابه قدره وجابه الشيخوخة بقوة وحزم وشرف بدل الاستسلام إلى الحزن واليأس والاكتئاب.

هذا هو النص المقتطع من الكتاب:

“بإمكاني القول إن الشيخوخة هي مرحلة مخيبة للآمال، يصعب على المرء تحملها، إنها مؤلمة، مُرَوِّعة،محبِطة وقاتلة.

لكنني فضلت القول بأنها “مقززة”لأن هذه الصفة معبِّرة أكثر وتدعو إلى السخرية بدل الحزن.

إنها بالفعل مقززة لأنك لاتعرف تماماً متى داهمتك ومتى ستنتهي ؟

إنه شعور مماثل لمن يتبرز لاإرادياً جسمه يقوم بوظيفة صحية ولكن هذا  لايمنع بأن مايخرج من جسمه من فضلات هو مقززٌ للغاية.

لاأرى كما يرى البعض أن الشيخوخة تبدأ منذ الولادة… كلا هذا ليس حقيقياً…

أتذكر كم كنا شباباً، نضج بالحياة و مقبلين عليها ، النظر الينا كان يجعل الإقبال على الحياةمتعةً.  

كنا نشعر بالرضا حيال أنفسنا.

نصارع الحياة من دون وجل ونشعر  إننا محصنون من الداخل .، لايمكن قهرنا.

أبواب الحياة مفتوحة أمامنا .كنا قد بلغنا الخمسين ومازالت أمورنا جيدة جداً وحتى في الستين …نعم ،نعم ،أؤكد لكم ذلك، كنت قوياً مفتول العضلات، رأسي يضج بالمشاريع وأحاسيسي متقدة ورغبتي مشتعلة لم تنطفىء بعد.

مازالت إلى الآن ولكن وأنا في غمرة كل ذلك ،انتبهت إلى نظرة الشباب لي فوجدتهم نساءً ورجالاً يرمقونني بنظرة الغريب عنهم ، أصبحت لا أنتمي إليهم في أي شكل من الأشكال لا من قريب ولا من بعيد ،لا مكان لي ولا حتى على الهامش في نظرهم.

قرأت في عينيهم زوال إحساس الرحمة من نفوسهم تجاهي.

قد يظهرون لي التهذيب والاحترام ويتفضّلون علي ببعض كلمات الإطراءولكنهم في العمق لايحملون الرحمة ،إنهم قساة وظالمون...

لقد تحوّلت في غفلة مني وأصبحت من الذين يقاسون من التمييز العنصري في هذه  المرحلة التي يمر بها كل من هم في سنّي.

لقد كانت الإهداءات الموجهة لي من قبل الكتّاب وخاصة المبتدئين منهم هي الأبشع :

"مع الاحترام"إضافة إلى عبارات الحفاوة والتقدير مثل " مع كل أحاسيس التقدير والاحترام "...

هؤلاء الأنذال ! هل يظنون إنهم يمنحونني هكذا الشعور بالرضا والسرور وهم يكشفون بقلمهم ومع الحبر الذي يسيل ويتدفق عن أحاسيسهم لي في عبارات احترام جوفاء ؟إنهم حقاً سفلة وأوغاد!

هذه العبارة " العزيز السيد پيڤو" 

تبدو لي مطوّلة ورسمية ،كأنها إحدى المقولات المأثورة والمنتقاة من مختارات في الثقافة والأدب والتي تجعلني أبدو  في سن متقدمة تتجاوز عُمْرِي الحقيقي بعشرة أعوام ...

أذكرإنني صعدت يوماً في المترو ،وكانت للمرة الأولى، انتصبت صبية شابة من مقعدها وتقدمت مني وهي تعرض علي الجلوس مكانها. ساورني في حينه الشعور بأنني أريد أن أصفعها ولكنني تمالكت نفسي ورَجَوْتها العودة إلى مكانها ثم سألتها فيما إذا كنت أبدو في نظرها عجوزاً طاعناً في السن و متهالكاً!!!...؟ فأجابتني محرجةً:

-«كلا، أبداً...كنت أفكرفقط...»وأجبتها فوراً :

- «تفكرين  ؟» تابعي 

-« كنت أفكر ، لاأعرف، لم أعد أعرف ،ظننت أنه سيسرك الجلوس.»

-«هل بسبب شعري الأبيض ؟» 

-«كلا، ليس هو السبب،رأيتك واقفاً وأنت أكبر مني سناً ، مافعلته هو ردة فعل طبيعية من قبلي فآثرت الوقوف وسرني التخلي عن مقعدي لك .»

-«هل أبدو أكبر كثيراً ،كثيراً منك ؟»

-«كلا، نعم،قصدي هناك فرق قليل، ولكن المسألة لاتتعلق في السن.»

-«بم تتعلق إذًاً ؟

-«لست أدري،هي مسألة تهذيب، هكذا أظن على الأقل.»

توقفت عن مشاكستها وشكرتها على تصرفها عموماً كما رافقتها إلى المحطة التي ستنزل فيها ودعوتها إلى شرب كأسٍ معاً .

إن مقاومة الشيخوخة تستدعي في حدود الإمكانيات  أن لاتستسلم أبداً .

الاستمرار في العمل والسفر وارتياد المسارح وقراءة الكتب والمحافظة على المذاق السليم وشهية مفتوحة دوماً سواء في الحب أو في الحلم .

الحلم هو في الذكريات و كيف نقضي ساعات وتكون فريدة و متميزة  .

والحلم في اللقاءات الجميلة التي تنتظرنا.

والحلم هو أن نطلق العنان لفكرنا كي يتنقل بين الرغبة والفوضى الخلّاقة .

تعدّ الموسيقى عاملاً أساسياً و محرضاً للخيال في نفوسنا وهي نوع من أنواع الخدر اللذيذ الهادىء.

أتمنى أن يداهمني الموت وأنا أحلم جالساً ، في مقعدي وأنا أستمع لإحدى المقطوعتين الموسيقيتين الهادئين : كونشرتو Adagio الرئيسيةرقم 23 ل أو كونشرتو Andante الرئيسية رقم 21 وهي لموتزارت كلها...

ستكشف هذه الموسيقى أمام ناظري مشاهد من الطبيعة وستأخذني بعيداً، بعيدا جداً ...

يرافقني موتزارت وموسيقاه ونبقى معاً في هذا الجو الهادىء  ننعم بالدفء ونود أن يدوم ويطول فعلاً، فيم العجلة ؟ أنا وموتزارت منسجمين وسنعطي الوقت حقه من الاهتمام والشغف.

نشعر أن أعمارنا تنقضي مع الزمن الذي يمر سواء كان شعورنا بمرورقادمة؟ أو لشهور؟ أو لأيام؟ 

كلا لا يمكننا أن نعد الأيام المتبقية لنا رصيداً، إنها ثمرة علينا اغتنامها والتلذذ بها حتى الثمالة طالما 

نملك القدرة ...

وليكن من بعدنا الطوفان ؟...كلا ، موتزارت.»

مُقتطع من كتاب «الكلمات التي سطرت حياتي» Bernard Pivotبرنارد پيڤو.

كي نُلوِّن حياتنا ونضفي عليها البهجة ، علينا أن لانشكو أونتذمّر: الشيخوخة هي نعمة لم يمنحها الله للناس كلهم. (مثل هندي )

الزمن هو أن نرى الأشياء تكبُر و نكبُر معها .

وأن نغتنم الفرصة و نتصرف بشكل أفضل من أترابنا. 

تعديل المشاركة Reactions:
مرحلة الشيخوخة  “مقززة”

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة