نيجرفان رمضان / خاص سبا
العنان يُطلق لخياله الروائي والسينمائي وبـكثير من الاستعارات يطل علينا جان بابير بروايته الجديدة «خيط واهن» محبكاً إياها بلغة عربية رصينة، مغايراً للموضوع والفكرة في ما قدمه في رواياته سابقاً, في بيئة ثرية بالعشائرية وتشعباتها، الذكورية فيها علامة رفع المجتمع، مقسمةٌ إلى شطحات يسدل الستار عليها بصيغ تعجيبة صاخبة واستفهامات يتعثر بها القارئ.
شخصيات روائية:
«بريشان» اسم علم كُردي أنثوي، ثوب الشخصية ملائم جدًا لتضاريس حياتها الكئيبة، الذي معناه في اللغة العربيَّة «البائس – المعدم»، إذ تقع في قصة حب سريالية التركيب كأنها لوحة فسيفسائية، يصل الأمر فيها إلى ممارسة الحميمية بصيغة فانتازلية مع الشاب «زنار» ومعناه «الصخر» في اللغة العربية، وهو شخصية ثانوية ذو ملامح هادئة تجني عليه بالقتل من قبل مرؤوسيه أثناء تأديته للخدمة الإلزامية في بلده الغارق بسيل الحرب، بتهمة معارضة السلطة ورفضه قتل المتظاهرين.
بموت زنار تعلن بريشان استسلامها بعد أن أصبحت قصة عشقها لسان حال مدينتها, فغشاء البكارة علامة طهارة الفتاة، وهكذا ترضخ لمفاهيم بيئتها الشرقية الرجعية، لتتزوج من «تاج الدين ـــ تاجو الأخنث» الذي يخفي خنثه, فالقضيب علامة رجولة مجتمعه، إضافة إلى وجود شخصيات كثيرة كشهود جلبهم قدر الرواية إلى الاستشهاد بعادات وتقاليد تلك البيئة.
استعارات شاعرية:
إنها رواية شعرية لكثرة المجازات فيها إن صح التعبير (أنا مجرد ملامح وظل يتسكع في هذا المنزل الكبير / قررت أن أبّرج كلماتي عكس ملامحي ص9)، (هل لديك حذاءٌ على مقاس هذه الرقصة؟ / بدون ذلك الرداء سوف أرتجف برداً ص10)، (لم أشبع من الندم ولم أفطم من الحزن ص11)، (سوف أفتح قلبي واحة في الصحراء / أنا أتفاجئ بعدالة الله حيث أتت حين لم يتوقعها أحد / ضميري يراقبني مثل الكارديان آمر نفسي: ابق حيثُ أنتْ ص12)، (أنثى ثملة بغياب حظها المسافر في البعيد، أستند بدهشتي على طرف قصتك ص13).
صور إيروتيكية:
يقول «رولان بارت» في كتابه «لذة النص»: «إن الصورة الإيروتيكية ركيكةٌ جدًا؛ إنها أشبه بوضع إناء صغير في واجهة زُجاجية لمتجر كبير». لكن حين نقرأ الصور الإيروتيكية هنا سنختلف تماماً مع فكرته إذ أن الصورة جميلة شهية قريبة إلى الروح ودافئة, تدنو من القلب متشحة بالحب، غير خادشة للحياء العام على العكس تماماً، إنما نظرة القارئ الغارق في المفاهيم الاجتماعية القادمة إليه عبر الجينات الوراثية المفتولة الشوارب هي التي تخدش ذاتنا العاشقة في الممارسة الحميمية (غطت بريشان وجهها الصغير الدائري بكلتا يديها، كأنها تهرب من هزيمة جسدها، وها هما يقفان على حافة اللذة منقطعي الأنفاس، ألقت أحرف هجائها الأنثوية في أحضان رجولته، تعلما معاً كيف تتحرر الأجساد من الأمية، اشتعلا في فراش النهم، أطفأ الغرائز المتقدة عبر تداخل أحرف جسديهما في التوق والرغبة، الرغبة الشابة بردة فعل جسد الآخر فوق الوسائد، وتجعد الشرشف تحتهما أكثر وانتفش شعر بريشان الأشقر بخصلاته المجنونة فوق الوسادة، نهداها بحلمات منتصبة نعستا ص28)، لكن حين نقرأ الصورة الإيروتيكية الثانية ص61 (بدأت بنزع ثيابها الباقية، الفستان القصير، المشد الصدري، كيلوتها، ثم جلست متكورة على نفسها، بيد أخفت ثدييها وبالأخرى ما بين قدميها مندهشة من تصرفه هذا، لم ترفع رأسها لتنظر إليه وطأطأت رأسها بخجل. سحبها من قدميها ومددها على الفراش، نظرت إلى اللحاف بلونه الخمري, على القماش أبيض ساتان وفي طياته ارتسمت تعرجات تحت الضوء الخافت, وسقطت الظلال على جانبي الانطواءات، رفعت عينيها بخدر إلى الشرفة التي قدم منها تاج الدين)، سنجد أنها جافة قاسية، تثير الفزع لدى القارئ، ربما ذلك للضرورة الروائية.
لـ «خيط واهن» الصادرة حديثاً عن دار (آفا – Ava) للطباعة والنشر/ الدانمارك، الواقعة في 170 صفحة (نسخة الـ pdf) عقيدة إلحادية (حتى في يأسها لم تذكر الله ص16)، هي رواية شيقة ومعقّدة مطروحاً فكرياً، حاول جان بابير من وجهة نظر علم النفس والاجتماع التطرق إلى ضرورة تقبّل هذا النوع من البشر، فهم لم يكونوا يملكون مفاتيح بناء أعضائهم أو نوعية جنسهم (ذكراً أو أنثى).