جان بابير
بالنيابة عن تلك الأنامل التي تستجدي المفردات من غياب التوريات، لتظهر التجلّيات، وقد كُتب عوضاً عنك، عنها أحلام شريرة وشُحذ لسان الكلمات بمبرد قاسٍ، حتى يسيل الدم منها، وجُلبت أفاعٍ سامّة إلى قلب الجمل، ودُشّن لها جحور غائرة وملتويّة، وأرَّقت المعاني بكل الأشياء التي تُرهق المتن. لم يعد أحد بحقنات مضادة للوقت المسموم، من غير أن يقول إنني سوف أقدّس الحياء، هو فقط يكتب.
لقد نزح ما يقارب عشرون حول ونيف عن الحشمة وحفر بأظفار كلماته، ممرات للعبور إليه، إليكم، نحونا ليردم الفراغ . حين الولادة يرافقك الحبو والغائط وتكويرة النهد وامتلاء صفن الخصية، قد تجدون كل هذه المفردات تتزيّن بالوقاحة وقلة الحياء، لا يهمني، ما يعنيني أنه خلع عنه كل مقدس، وشوش في أذني قائلاً: «مَن الذي وضع القيم والمسميّات؟».
وقفت حائراً أمام سؤاله، لأنقل لكم ما تفوّه به، في درب الحياة ستواجه وترى وتسمع ما هو أكثر هولاً من هذه المفردات، ترتّق ذاكرتك بالحياء، والقرف باللعنة والسباب»، إذا هي اللغة التي تكتبنا عوضاً عنا، ننجو بخطوات من الموت وندنو بخطوات إلى الحياة، مَن الذي نجا من الحب؟ ومَن الذي يضع رأسه على الوسادة من دون أن تتعرى كل القيم في خياله قبل النوم؟ نحن الراقدون على فراش الخيال نصلّي لخيالنا الأرعن، بتمتمات غير مسموعة ونتوضأ بالاندهاش، ليس من أحد ليثأر للفقر والجوع، لكن هناك كثر مَن يتخندقون وراء القيم للدفاع عن الدين، يقتلون نكاية عن المعتقد بكل الصلوات، البحر والجبل ولا يتذمّرون من الجيوش ولا من صمت اللغة، ويشكون من ثرثرة الكأس في انتظار موعد تأخر الحبيبة يومياً، نتفق على الوشاية والضغينة دون تخطيط، التي تنفثها الذاكرة فينا، تخيّل أنك في مكان عام تتعرى دون حساب للاحتمالات الممكنة وترمي بحياء وجنتيك على الرصيف، وتنصب الكمائن للحروفِ وتصطاد المعنى الذي تشتهيه. نختفي خلف صورة شعرية متوارية، ننتظر ولادة القصيدة بمذاق الأسيد ورائحة النشادر، تماماً، تلتهم معاني الوصول صاعداً بعينيك اللتين تفصلانك عن عتبات الحقيقة، ما زلت تكرر لعبة الخداع مع الذات غارقاً في صلاة الحياء بتهمة العبادة، لتنجو منك لحظة، فمن يكتب عنك بدلاً منك كأنك شخص من ورق تذهلك رائحة الحبر، وتبكي من الحدث السردي في الخلق، ذلك الذي كتب عنك ونفخ سمومه في جسدك كوّرك ونما بك بين المقدمة والخاتمة، ينتظره القارئ على طول الصفحات، كان مشغولاً بك يتقمّصك ويرتديك ويمنحك دور البطولة، ترتدي هندام الحشمة أو لص يجيد الضغينة والحِيَل، كُتب عنك في لحظة كنت تتمخط بحياء في وحدتك أو كنت في لحظة حميمية تمارس الاستمناء الفكري خلف باب الفصل الثاني من الرواية في بداية مراهقة الصفن وتدفق الغريزة أو كنت فتاة يتكور كاعبك خلسة منك وأنت تداعبين بجملة بيديك نهديك، لعله ذاك السافل هو الكاتب نفسه ويشرب ابتسامتك مع قهوة الصبح في خلق كائنات على مساحة حلمه.