-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

رواية «حدائق كافكا المعلقة» للمصري «عبد النبي فرج»

 


تركت الحشرات  تلتصق بالسقف فبدا الجحر منيرا ابتهجت أكثر وأنا  أراه علي طبيعته بدون تخيلات، أخذت أتجول فيه بهدوء، وأختبر صلابته وقوته، والمنحنيات، كانت شبكة معقدة فعلا فرغم  مكوثي فيه لفترة طويلة إلا إنني لم أتعرف علي جغرافيا المكان، وكلما سرت فيه وتعمقت وتصورت أني أبتعد أجدني قريبا جدا عن طريق مدخله، حتى يئست وقلت فليكن ما يكون، ماذا سأكسب من المعرفة  هو في النهاية حاضنة جيدة لي ولا يسبب لي قلقا، ظللت هكذا فترة طويلة حتى نسيت الزمن والناس، والكلام وأصبح روتين حياتي الخروج بالليل والتجول بحثا عن طعام مغذٍ خاصة أن معدتي اتسعت وأصبحت بديناً  رجلي أصبحت تزن أكثر من عشر كيلوات  وربيت كرشا مرعبا، حتى الجحر أصبح يضيق علي وأجد صعوبة في التجول فكنت أنزلق داخله وأظل نائما في وضع صليبي دون قدرة علي التقلب وساعات كنت أقوم مفزوعاً بسبب انسداد أنفي بالرمل الذي أسحبه من سقف الجحر، أقوم باحثا عن هواء لا أجد أظل أصارع لتنظيف أنفي والدفع بقوة للهواء لكي يسلك مجراها حتى جحوظ عيني وفي اللحظة التي أتيقن فيها الموت ينفذ خيط هواء ويتدفق في الرئة ساعتها أبكي لعودتي للحياة مرة ثانية، ما سر هذا التشبث بالحياة، ما هذه الرغبة المحمومة في هذا التكرار الأبدي، فما الذي حدث أمس، لا شيء ما الذي سيحدث غدا، لا شيء، فقط أظل مستغرقاً في النوم، أو الخروج باحثاً عن طعام، أجر رجلي كفيل مريض في النزع الأخير، وفي يوم كان شاقاً علي حيث بحثت عن  أي طريدة لم أجد، خاصة إنني لم أعد قادر علي الحركة فمجرد أن أسير عدة  خطوات أجدني متعبا وأجلس حيث كنت، بدا الصباح يلوح دون وصولي للجحر، الندي يتسقط، ورائحة زهور البرتقال تنتشر في الجو، أشجار التين بدت تخرج أصابع التين المزهرة، أسير والعرق يسيل خطوط، فروع العنب تنبت بأوراق صغيرة بديعة، الأوراق تهتز مع النسائم الباردة، أشجار النخيل، التوت، احتفال الربيع بالكائنات، ما عداي، أنا الوحيد المنبوذ والضائع والحزين في هذا البراح، أنا الوحيد الذي يشعر بكونه دمل في جسد هذا الجمال الفاتن، خطوت خطواتي الأولي علي الطريق العمومي، وعندما راني  طفل  صرخ وقال: عفريت، فالتف  رجال  يركبون االجَمال ،وعندما رأوني  تسمروا في أماكنهم وأخذوا ينظرون إليّ في خوف ودهشة، ساعتها خفت وأطلقت ساقي للريح فقالوا: ليس عفريتا. ونزل عدة رجال وأخذوا يجرون ورائي حتى حاصروني، وبيديهم جدور الخيزران والعصي وقد أحاطوا بي فقلت: لست عفريتاً أن بني ادم أبن فلان الفلاني، قلتها ببلبلة لسان ورغم ذلك وصلت الرسالة فارتخت السواعد، وتقدم مني الجَمال  وتم سحبي  ورفعي  علي الجمل، وعادوا للبلدة وأنا معهم ،وكلما تقدمنا تجاه البلدة  زاد عدد الناس الذين يقابلونني و الأطفال والنساء عندما يروني يصرخون  ويهربون  كانت هيئتي  مخيفة، لأنني لم أكن قد حلقت لحيتي، ولا شاربي وجسمي كان مسودا ورائحتي كريهة، وعيني تنظر في اتجاه واحد ولونها أحمر  فبدوت كوحش بري، والكل  يسأل ويستفسر ويشفق ويشمئز ويحتقر، وينهش وأنا لا حول لي ولا قوة، راكب فوق الجمل، أنظر إلي أشجار التين، وحدائق البرتقال، والناس ولدي رغبة في أن أقول أى شيء، ولكن لساني عاجز تماماً عن النطق حتى وصلنا للبيت كانت البلدة عن بكرة أبيها قد تجمعت أمام البيت والشوارع المحيطة وكلما تقدم الجمل يوسع الناس الطريق وينظرون إلي وكأنهم يرون كائناً سقط من الفضاء، برك الجمل وأنا أنزل  حدث لي رعب، فلو حدث هياجا سأسحق تحت الأقدام، وعندما خرجت أمي وكانت عجوزا تنظر بعين كليلة وقامة منحنية، وتأكدت  من وجودي فسقطت مغشياً عليها.

 

ستصدر الرواية قريباً عن دار (أبجد) للنشر والترجمة/ العراق

تعديل المشاركة Reactions:
رواية «حدائق كافكا المعلقة» للمصري «عبد النبي فرج»

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة