-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

مصيدة نصّ

 


 جان بابيير / النمسا 

لا شيء  يمنع  أن تمضي الحياة  ،من فعل الإرث و صفير النقاط التي تتساقط على سطح هذا النص ، قد تكون عيناي تحمل  أوزار شتاء  فيتدلّى عنق كلمة يتيمة على كتف كلمة أخرى متكوّرة من البرد , كلماتي زرازير على ثلج ورقة. حينما كنت في منتصف الفكرة أشمّر عن ساعدي، قاطعني ابني و هو يحدّثني عن أغنوستيك منع فخاخي من اصطياد الكلمات السوداء في المكان الذي أريده تماماً و لتقتات عليها شهية جوعي للفكرة المتلظيّة على جمر أفكاري ،

(اللا أدرية )  فغصت في ذلك التوجه الفلسفي مؤمناً بأنّ القضايا الدينيّة أو تلك المنفلتة من عقال الغيبيّة غير محدّدة ، و لا يمكن لأحد تحديدها ،فتركتني في الغموض و انزحت عن فكرتي الأساسيّة ميلين و أكثر من خمس دقائق ، أحاول جاهداً أن أعيد العصافير إلى فخاخي, أقصد الكلمات إلى مصيدة النصّ و أعلن استراحة الطائر من البلل و ضمّه إلى أضلاعي ألماً و ملحاً ليغوص بمنقاره في أعماق قلبي بصوته فخّاً تلو الفخّ ،و أجعل صدري قفصاً و مهجعاً دافئاً  لأعاقب تلك الأفكار التي خرجت منّي بحثاً في السهوب البيضاء عن المعنى ،أتنفّس سيجارتي بشراهة و أستند على بداية السطر كعجوز يتكئ على عكّازه ، أحرق معها سنين عمراً و ذكريات باهظة، لم أجرِ جرداً و حسابات لمحطاتي الكثيرة التي استوقفتني مع اللا  أدرية،  يوم هيام انتزعت قلبي منّي عنوة و قدّمته بسخاء لامرأة  جميلة ربعها تراب

و ثلاثة أرباعها حكايا شيقة فيها هطول قصائد من مطر و جفاء حكاية من قيظ وشواء، و احترقت مع ما بقي منّي عربون ذلك الحب ، و رغم ذلك ما زلت خاوياً كصدفة منسيّة على شاطئ خالٍ من المارّة ، تدخل زوجتي تشكو من بنطالها الذي أصبح ضيّقاً عليها ،تقول:" كان في الشتاء الفائت أوسع " .لم يستوقفني شيء حتّى نظرية الارتقاء و الخلية الوحيدة و البرمائيات التي سردها علينا ابني الصغير و قالها بسلاسة سير جدول ماء ،كما أناشيد ذلك المشبع بالشوفينيّة التي كنّا نحفظها في كتاب القراءة الابتدائي . أتعرّض للمرّة الثالثة لاستئصال فكرتي  في غضون كتابة هذا المقال للجريدة ، شعرت بالانتفاخ في مشاعري , حتّى مكالمة أبي مراد الذي جعل من نفسه و من كندش حماياي  الجغرافييّن الذَين جعلاني أردّ على الهاتف و أضع الموبايل على أذني دون أن أدري أنه يحدّثني فيديو ، حديثه أخرجني منّي قليلاً، في قلبي لعنة تشارلز داروين و بنطال زوجتي الضيّق الذي لا يتّسع لفكرتي  و أبي مراد، لم يكن هناك شيء جيد في كل هذا سوى قلبي و تلك المرأة القابعة خلف السطور ،أنهيت المكالمة و مازالت ضحكت كندش خلف أبي مراد ترنّ  و تمتزج مع جملته في أذني"لن أدعك هذه المرّة أن تولّي الدبر" طبعا ترجمتها من الكرديّة بتصرف أرعن. القناني على مائدتهم أغرتني بالخمرة ، نزلت إلى الشارع ،ملأت كأس فارغة  بالثلج  ثم صعدت ثانية ، وسكبت  كأسي بالعرق ،في هذه الليلة  الشتويّة انصعت لخيالي الذي لم يعد يدوّن شيئاً الآن ، و فكّرت في نفسي لماذا شبهت الورقة بالثلج و الكلمات بالزرازير فخلقت في ذهني أنثى جميلة استوحيتها من حماي الجغرافي أبي مراد،  لها عيون جميلة متواطئة مع نظراتي ، و شعر أجعد متماوج ،لها ملامح  من رومانسية شاعر صعلوك ،و حنيناً و صدراً أشتهيه يحيلني للعشق ، و أكون أحد الناجين من الحياة ، على حافّة وقت مهترئ، أنا رجل مفلس استهلكت قلبي في العشق ،لا أملك سوى كلماتي المبتلّة من البرد و المطر لأصل بها إلى  نفسي المجهولة التي تشبه الغناء الحلقي لرعاة المغول لا أفقه منها كلمة ، في أرزل العمر - شيخوختي- أحتاج إلى كلماتي لأتمرّأ في وحدتي حينما يغادرني الجميع كقرية و أبقى مثل كلب ,وحيداً أنبح بملئ صوتي على حانة في المدينة و استجدي من خيالي قنينة عرق لأشوي معها زرازير فكرتي الطازجة، لن يعثر علي أحد ككلمة ملقاة على قارعة السطر, وحيداً أكثر من الوحدة كمقامر خسر عمره في رمية نرد واحدة على مائدة العشق.


 

تعديل المشاركة Reactions:
مصيدة نصّ

can

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة