عبدالله عيسى
-1-
ذاك البيت الصغير
كقرش في كفّ فقيرٍ
أعمى
بحصيرة القشّ التي اهترأتْ
من ثرثرات الضيوفِ وحسراتِ أهله.
ذاك البيت
بجدران من الطين
حفرتْ على وحشتِه الرياحُ
أبجديةً من القشّ القديم.
وسقفٍ من التوتياء
تبني عليه الشمس عشّاً
لأحفادِها
وتغفو معهم في الظهيرة.
ذاك البيت
برائحة الخبّيزة
وخبزِ الصاج
وفمك الطيب،
وأنتِ تُلقين بأفئدة
من الناس
سلاماً طيّباً على
أحدٍ ما.
بظلّك الخائفِ مرتعشاً في
الأرجاء
وهو ينحني ذات حرب
على أجسادنا.
ذاك البيت
لا يزال في الطريق إلى دمشق
ينتظرُ الروح،
وأنتِ تنادينه قبل
أن تعبري درجاته بالقدم اليُمنى.
ذاك البيت... ذاك.
_2_
لم أكن قلبي فأمضي
دونه:
هذا الغياب ألم الصورة في المرآة
إذْ يحفر ُ ظلّاً بيننا،
أوسع من سيرة طير راقص في
دمِه،
أعلى كثيراً من قشّة حلم تسند الأفق،
ويمحو وصفها حين تهبّين
التراب.
ليس صوتي الذي نادى على ظلّك
كي يبقى،
بل المعنى الذي يلمع في الشمعة،
أو يصغي لخوليو في سرير
لم يرتب جسدينا بعدُ
أيضاً.
في الصدى
في الدرج المعتِم
إذْ يرتطمُ المارّون
بي خلفكِ.
يُفتحُ كي يوصدَ الباب.
لم تكوني أنتِ.
حتّى لم أكن غيري.
سوى أنّك في منفاي
منفى آخر.
عيناي لا تغفر لي إلّا بما
أسرفت.
إذ كلّمني جسمكِ من
خلف حجابٍ،
ويدي تشفعُ لي
مذ جئتُكِ بالقيثارة
الأولى
ونجم السهل.
هل كنّا كما نحن،
قريبين كضوء ومشكاةٍ
فأغوانا بما سرّه لنا
عن نفسه ذاك الحجاب؟.
-3-
أشبهُ
بجرذٍ تائهٍ في سجنِ النساءِ
تطاردُهُ
الشتائمُ و الملابسُ الداخليّةُ المتّسخةُ ، و الأحذيّةُ.
وحدُكَ
الآن تقيسُ المسافةَ بين ظلّكَ المرتجفِ على الجدارِ
و الضوءِ الذابلِ بين عينيكَ
في
الزاويةِ المعتمةِ.
ما الّذي
تفعلُهُ الريحُ في جيبِ بنطالِكَ الممزّقِ ،
المبلولِ بخوفِكَ من لسانِ السجّانِ الطويلِ ،
و قبضتيهِ
الكبيرتين.
ما الّذي
كان يجعلُ المارّةَ
في شوارعِ
المدينةِ لا يعتذرون كلّما ارتطمتْ أكتافُهم مسرعةً بصدرِكَ النحيلِ ،
و أصدقاؤُكَ
الطيّبين مثل نكتةٍ ساذجةٍ يبتسمون
لدوريّةِ
الأمنِ الّتي اصطحبتْكَ إلى حيث لا شجرةَ تصعدُ معها إلى النهرِ ،
و لا
امرأةً تتبعُها كلّ صباحٍ لتندمَ في المساءِ أنّك لم تقلْ لها : صباحُكِ فلّ يا
أميرة.
لا شيءَ
هنا يدلّ على أيّ شيءٍ هناك
أيّها
الحلزونُ الّذي خلعوا بيتَهُ عن ظهرِهِ.