جان بابيير
في ألبومه الجديد يعيد للغة القديمة ألقها بروح جديدة،
يتسلل إلى قلب الأغاني القديمة بشغف كبير، وبكل شوق يعد فخاخه لاصطياد أغاني الحجل من زمن مر ولكنه توقف عنده، بكل حب بكامل أصابعه يحرك النغم لإيقاظ اللحن ،
يلقي نصوص تلك الأغاني بحنجرته اليوم كما أدّاها أصحابها سابقا، ولكن هذه المرة مع موسيقى معاصرة تتآلف مع الكلمة والوقفات بين الصعود والهبوط لسلم الموسيقى يرتفع وينزل السامع بمشاعره
وكأننا لم نخرج من الوقت.
اختار الفنان دستان دوغان أن يؤدي الأغاني بشكلها القديم bi rengè deng bèjî بهذه الطريقة التي تعجبه وتجذبنا للاستماع إليه.
هذا هو الإيقاع الذي وجده مناسباً، اختار ثماني أغاني من الفلكلور:
أفدال زينكي
دلال
احمده مالا موسى
جينار
وره دومام
بافي فخريا
خوزنا داخه
أحمدو روني
الأداء بشكل عام في كل الأغاني جيد ، لكن ما جذبني بقوة هو المقدمة الموسيقية لآلة الطنبور في أغنية وره دومام،
وكذلك في الأغنية الأولى عفدال زينكي التي تحمل عنوان الألبوم، التوزيع الموسيقي الذي يلائم بشكل هذا النوع من الاغاني،
وبأداء جميل ومتمكن دون أن تصاب تلك الأغاني بخدش الألم
وكأنها كان ينطق الكلمات التي سكنته منذ دهر دون أن تغادره ليسير في هذا الطريق.
ليعيد لهؤلاء المغنين الذين لم يعايشهم، بعضا من الوفاء والدين.
هذا هو الخيال الذي أسعفه، يحيي في حنجرته كلماتهم،
كل هذا الحزن والألم يقطن صوته ونشيجه دون استئذان ،
وبها يطرد الكآبة من الأغاني لتنمو من جديد في حقل من ظلال الشجن ، يتسلل من أغنية إلى أخرى بحذر كأنه يقلب أوراق كتاب مقدس قديم ، كمن يدحرج صخرة سيزيف إلى الأعلى ،
يختار الوقت بعناية، وينتقل من مقطع إلى آخر بحرفية ،
ويعرف أيضا متى يتوجب عليه أن يتوقف ومتى ينطلق
بإيقاعات جديدة ، من خلاله يطرق مشاعرنا
النواح ،ونتسلق سفوح الجبال وننحدر إلى الأودية ونزور خلوات العشاق والبيوت المهجورة ،
يترنم وكأننا معه في مأتم،
ونرتب الوقت معه كأننا ذاهبون لحضور حفل مقبل ، بكل ذلك الصوت ننجذب اليه كأننا نكبر ونصغر معه.
هذا ليس تدخلاً في الموسيقى وشؤونها التي أجهل الكثير عنها لكن هذا مذاقي الذي أفضله على الضجيج والتهافت.
بعد صعودنا نرتوي في الأعالي من نبع ماء زلال من أصالة الأغنية الكردية التي تليق بتهذيب المشاعر وتضيف الجمال إلى الجمال.
ألف مبروك أيها العزيز دستان على صدور ألبومك الجميل!