عبده حقي
إذا كنت من مستخدمي أو بالأحرى من مدمني مواقع
التواصل الاجتماعي، هل سبق وطرحت على نفسك مرة هذا السؤال المحوري والموضوعي:
لماذا فتحت حسابا على فيسبوك أو تويتر أو لينكد إن أو يوتيوب... إلخ؟
لا أوجه سؤالي هذا إلى شخص يفتح حسابا لغاية
التمتع بعضوية مهنية ولهدف تواصلي وعملي قصد الانضمام إلى صفحات أو مجموعات
موضوعاتية جادة بل أوجهه إلى أشخاص ذاتيين ومستقلين الذين يمكن أن نصفهم ب ”سواح
الإنترنت“.
فما حاجتهم إلى فتح حساب في فيسبوك على الخصوص
باعتباره موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً وشعبية في العالم حيث ناهز عدد
مستخدميه حسب آخر تقرير لسنة 2017 مليارا واحدا و900 مليون مستخدم من كل الأجناس
واللغات والتيارات والمذاهب والديانات...
قفز إلى ذهني هذا السؤال اليوم بعد أن ذكرتني
مفكرة فيسبوك قبل أيام بعيد ميلاد حسابي الذي يعود إلى سنة 2008 أي قبل عقد من الزمن
بالتمام والكمال.
لا أذكر تفاصيل هبوب نسائم هذا الفضاء الأزرق
على عقلي وقلبي معا قبل عشر سنوات من دون ضجة ولا ضجر، حيث لم تكن وقتئذ عديد من
المؤسسات السياسية والإعلامية والثقافية تتوقع أنه سيأتي يوم قريب سيكون مصيرها
على كف العفريت مارك زوكربيرغ الشاب مؤسس فيسبوك وأنه بعد انفلات هذا المارد من
قمقم جامعة هارفارد سيشعل بعد سنوات معدودة ثورات ويضرم حرائق و يطيح برؤساء ويعصف
بمؤسسات إعلامية ويجمع زيجات ويشتت أخرى ويحيي موتى ويعدم أحياء وهلم شراً وخيراً
على السواء من الانقلابات الحاسمة في حياة الناس والمجتمعات وأوضاع البشرية قاطبة
التي جعلت من “فيسبوك” بكل تأكيد هو آخر معجزة تصعد هذه المرة من الأرض بدل أن
تنزل من السماء التي أقفلت بوابتها إلى الأبد على نزول المعجزات قبل قرون.
وعلى عكس تفاعلي المبكر في أشهر المنتديات
الأدبية والثقافية والفكرية مثل منتديات اتحاد كتاب الإنترنت العرب ومنتديات من
المحيط للخليج وميدوزا والجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب وغيرها فقد كان
تردد اسم “فيسبوك” في مسمعي منذ 2007 مدعاة للاستخفاف إن لم يكن للازدراء من منصته
المنسية وقتئذ ومن أقلية رواده المثيرين للشفقة حيث كان لجوء بعض الكتاب المبتدئين
والمغمورين للتدوين في صفحاته لا يعني في رأيي سوى شيئا واحدا على الأقل هو
التحايل على غبنهم والتستر على البحث عن منصة لإسعاف فشلهم في النشر في بعض
الملاحق الثقافية الورقية السيارة أو بعض المنتديات والمواقع الثقافية الإلكترونية
التي تشرف على إدارتها هيأة تحرير تمتلك كل السلطة الثقافية والمعنوية للحسم في
مصير المادة المنشورة إما بالتنويه بها والتأشير على نشرها أو بحذفها ورميها في
سلة المهملات الافتراضية للموقع أو المنتدى.
شخصياً لم يكن إنشاء صفحة لي في فيسبوك بدافع
حاجتي الماسة للتواصل والتفاعل مع تدوينات الصديقات والأصدقاء وإنما كان فعلاً
عشوائياً شبيهاً إلى حد ما بتجربة تدخين أول سيجارة التي قد تكون السبب في استدراج
الإنسان يوما بعد يوم إلى آفة الإدمان في المستقبل… هكذا قضي الأمر قبل عشر سنوات
وانتهى من فعل عشوائي طائش إلى علاقة يومية افتراضية متشابكة لا حدود لإدمانها ولا
بديل عن حاجتي الماسة إليها عشرات المرات في اليوم.
كثير من رواد فيسبوك يعتقدون بل يتوهمون اليوم
أن تطور تجاربهم في هذا العالم الأزرق وتحولها أحياناً إلى تجارب واقعية مثل بعض
علاقات الصداقة التي تطورت إلى علاقات إنسانية حميمية أو إلى زيجات ناجحة أو فاشلة
أو معاملات نفعية ارتقت بأصحابها إلى درجة التوافقات الاجتماعية أو نجاح بعض
الدعايات السياسية والحملات الانتخابية أقول لم تحدث كل هذه التحولات من خلال
التردد اليومي على منصة فيسبوك والتفاعل اللحظي مع ديناميته فحسب بل إن تطور تلك
التحولات قد أسهم فيه بشكل أوفر التقدم الحاصل في إستراتيجية إدارة فيسبوك وعبقرية
فريق خبرائه في مجال تطوير الخوارزميات الرقمية وانكبابهم ليل نهارعلى تحديث
وتنويع التطبيقات التفاعلية منذ أن قام الشاب زوكربيرغ بتأسيس هذا الموقع في 4
يناير من عام 2004 حيث بات فيسبوك موقع التواصل الاجتماعي الرائد عالميا في توفير
تطبيقات أصبحت أساسية في علاقاتنا الاجتماعية الافتراضية والواقعية أيضا مثل رسائل
مسنجر ونشر تدوينات وفيديوهات وإجراء دردشات ثنائية وجماعية وبث حي للحظات متميزة
وتخزين للصور وإنشاء ألبومات...
وما من شك في أن الدراية بتوظيف هذه التطبيقات
واستثمارها بشكل هادف وجاد قد كان له التأثير الإيجابي على إثراء دور التفاعلية
الناجعة بين المستخدمين من جهة ومن جهة أخرى الرفع من عدد الرواد في العالم الذي
ناهز كما سبقت الإشارة إلى ذلك آنفا مليارا واحدا وتسعمئة مليون منخرط ومن المتوقع
أن يرتفع هذا العدد إلى أكثر من مليارين ونصف بعد خمس سنوات مما سيجعل من منصة
فيسبوك جاذبية أخرى بعد أن كان الإنسان عبدا لجاذبية واحدة هي جاذبية الأرض.
أما على مستوى المشهد الثقافي والأدبي والفكري
بالمغرب وبالعالم العربي فلم يكن من المتوقع أن يصبح فيسبوك سنداً أساسياً، مفضلاً
للنشر والتواصل لعديد من الكتاب والأدباء والإعلاميين المتألقين لنشر مستجدات
حياتهم الخاصة من يومياتهم الاجتماعية وحالاتهم الصحية وأخبارهم الثقافية
كالإصدارات واللقاءات والندوات وجديد شذراتهم الشعرية ونصوصهم القصصية وصورهم
التذكارية... ما يجعلنا نتساءل بإلحاح وموضوعية إن كان هؤلاء الكتاب والأدباء على
وعي بأن مختلف أنشطتهم الفيسبوكية هي بكل تأكيد سبق صحفي ينجزونه لأخبارهم بأنفسهم
عن قصد أو بغير قصد بعد أن كانوا بالأمس القريب أي قبل انتشار الإنترنت ومواقع
التواصل الاجتماعي يتطلعون بشوق بل وبترقب قلق أحياناً إلى نشر أخبارهم الثقافية
وأعمالهم الأدبية والفكرية على صفحات الجراد والمجلات والملاحق الثقافية الورقية.
ألا يتحمل إذن فيسبوك بعضا من أسباب تحولاتنا
الاجتماعية من جهة ومن جهة أخرى تراجع مبيعات الصحف والجرائد والمجلات الورقية
بشكل عام ؟