-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

لوحته ومعزوفتها

 


 

 

نارين عمر

 

  كادت تتهاوى، جلست على الأرض، أسندت الظّهر إلى الأريكة الجانبيّة؛ الشّباب ألبسها ربيعه، الجامعة أهدتها البستان والحديقة والكاهن أنطقها مفردات جديدة من قاموس الحبّ.

خلال أوّل لقاء بينهما في مكتبة الجامعة السّكرى بشبّان وشابّات يتحدّثون حتّى الثّرثرة، يتهامسون في بُرد نجوى، ينطقون النّظرات بعد أن تعطّلت بهم لغة الكلام. دغدغ همسه الخجول كيَانها، جمعت من كهنة القلب مفردات سرمديّة، أحسّ براحة لم يتذوّق مثلها من قبل. نظّم من ارتياحه معْزوفة شعور لم تُخلَق بعد. تمنّت له صدق الهمس، تمنّى لها صدق الشّعور.

 لم يكن الّلقاء الأوّل بينهما، شوارع مدينتها وحيطان بيتهم جمعت أكثر من لقاء بينهما، لكنّ لقاء الجامعة نفث في رحم قلبيهما ما يسمّى بلغة المحبّين "الحبّ من أوّل نظرة".

تغيّر مجرى الإلهام في شلالي الّلقاء قالت:

"يا لغموضِه! وأنا الخبيرة بفكّ رموز الغموض.

قال: "يا لمعزوفتي!  لم تتمكّن من لثْمِ حسّها".

نظراته الخجولة إليها، زهزهة وجنتيه، تحوّلهما للاحمرار كلّما يلمحها، أو كلّما تحدّثه ببراءتها واندفاعها المتهوّر أحياناً أثارت نزق من حولهما!  زميلة لها كانت ترمقها نظرات هامسة، تنثر بسمات خبيثة تدغدغ فضول الزّملاء والزّميلات، تتهامسُ اثنتان والثّالثة تبتسم بلؤم تومئ إليهم إنّها تعي مقصد التّهامس.

  كانت تنتظر الّلقاء كجنديّ يعدّ الأيّام الأخيرة لخدمته الإلزاميّة في الجيش بدقائقها وثوانيها، لعلّه يتعاطى بذور الجرأة والجسارة معاً، ويمهر على وجنتيها نرجس اعترافه بلونيها الأبيض والأصفر تتحوّل بهما الوجنتان إلى الّلون الزّهري المطعّم بالأحمر والأزرق قليلاً؛ وهو يتماوج مع الأمنيّة نفسها، الرّغبة ذاتها بأن تفتتح هي مزايدة الصّك ومهر الوجنتين والجبين معاً على اعتبارها -وكما يراها هو- لا تحتاج مثله إلى تلك البذور فهي أكثر جرأة وشجاعة منه في كلّ المواقف ولأنّها من ناحية أخرى النّرجس بلونيها وعطرها الذي تتباهى به في المهرجانات المقامة على شرف الورود والزّهور، لكنّهما يرجئان الحسم إلى لقاءٍ معه قد يزهر الأمل.

لقاء يشرق بمفردات كهنوتيّة قد تتعطّل فيه لغة النّطق حيناً ويفلّ إلى لقاء أشدّ حميميّة، وما بين هذا الّلقاء وذاك تتجمّع السّاعات في جدول الأيّام وبدوره يصبّ في حضن الشّهور، والشّهور تنساب إلى مصبّه المهد والملاذ الأعوام، لتجد نفسها في رفقة عمْر مع غيره وهو يتأهّل مع سواها.

  التقيا يوماً في زحمة ألم اعتصرهما في حديقة الجامعة الحزينة عليهما، المواسية لحاليهما، تبادلا تهم العتاب والّلوم، كحّلا العينين بدموع ندم ما تزال حديثة الذّبح والنّزف، لم يشعرا بما تخبّئه الأيّام لهما.

ظنّت أنّ النّأي يداوي الجروح وإن كانت بفعل الحبّ، ظنّ أنّ عهد رفقته مع سواها قد يكون الدّواء المسكّن؛ فلا النّأيُ حقّقَ مرادها، ولا الرّفيقة نابت عن رفيقة القلب!

في يوم كانت الغفلة أنيسها في لحظات، هاتفها،  مثل كلّ مرّة ردّت: "ألو، نعم" من دون مقدّمات قال: "كيفك، اشتقتلك"، مفردتان فقط انبثقتا من لجين همسه فجّرتا نبع حنين خبّأته غفوة الذّاكرة لسنوات "مشتاق للقائك".

كلمات مقتضبة نتجت من همسات مبعثرة لم تتمكّن من مساعدتها على النّطق بحرف!

بدأت تخربش على ورقات من دفتر على الطّاولة دون تدخّل من الوعي أو الإرادة. لمحت السّاعة تشير إليها بابتسام، عليها الآن بترتيب البيت مع أثاثه. همّت بلملمة الطّاولة ومشتاقتها، لمست الدّفتر، طوت صفحاته، خصلة شعور أباحت إليها بلبّ الخربشات، قلبت الصّفحات ودهشة مهووسة تحتفي بها، التهمت الأسطر بنهم، يا لقلبي! كأنّه صدّق همس الشّباب:

"صوتك كنبض قلبي، تلبسه الأيّام بُرد الحنان، تهمس إليه الأزمان سرّ البقاء.  همسك يهفهف في مخيّلة وجداني، يدغدغ غفوة شروده، فأراك تختزل السّنوات الفائضة عن العشرين، وتحبو نحوي كصبيّ يخفق بجناحيّ ثمل لامس العشق شفتي قلبه قبل العناق بخطوة".

في غمّرة نقاش قصير الأمد قال لها:

"حاولت التّقرّب إليك، فكّ شيفرة لغزك! تعاملك الملكيّ، قوّة شخصيّتك وكأنّك قائد عسكر من القرون الوسطى جعلوني شهقة في نفس يأس مُقتَضب"

ردّت: "غموضك أزال من نفسك الثّقة، ألبسك التّردّد ثوب ناسك يصوم صيام كلّ الأديان من غير نيّة أو وضوء.

قبل الوداع نقش في مخيّلتها من فيض عزفه "رسمتكِ لوحة في قلبي" ابتسمت بصمت، َنسجت التّالي

: "احتفظ بها طالما القلب يتأرجح بين الأمل والألم فتحييني في كلّ حين في دروب و...

تعديل المشاركة Reactions:
لوحته ومعزوفتها

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة