-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

كارما



يوسف حسين

 

كعادته في كل مساء يعودُ إلى منزلِه مضرجًا بتعبِه مثقلًا بإرهاقه، كغيم ثقال محمل برعد وبرق، تستقبله زوجته بوجه عابسٍ هجره الابتسام مُنذ قرون، متسلحة بالنكد وفوهها متخم بالكَلماتِ القاسيةِ كمنجم حجارةٍ ترجمه به إلى أن يقعَ طريحَ الخيال؛ يهرب من جحيمِها؛ ليحلقَ حرًا طليقاً في سمائِه الزرقاء، متصفحًا عالمه الخاص الذي صنعه لنفسه؛ يتنقل من صفحة إلى أخرى بكامل حريته فهو ليس من أهلِ البيتِ فقط؛ بل البيت كله ملكا له، عند تنقله، سرقتْ بعض كلماتٍ إحداهن عينيه، حروف كُتبت بالعربية وقعَ إثرها، أيقظت الشغف في قلبِه، جعلته يقتحمُ حسابَ صاحبة الكلمات، وكانت لفتاة تُدعى كارما، تجسس على رسائلِها الخاصة، ففوجئ أن جميعها كانت لمتطفلينَ أرادوا نيل الشرف بالحديث معها، لكن  دون جدوى، بحث عن حرف لها ربما أرسلته لإحدى صديقاتها أو عن طريق الخطأ؛ عاد بصرُه فارغًا. 

 هذا الأمر كان دافعًا قويًّا للجنون، سحبته جرأته من شعره، وألقت بحروفه في مرماها، كتبَ لها رسالةً كانتْ فحواها:

-         أنا ملك القلعة الزرقاء وبانيها، وأريد التعرف عليكِ واتخاذكِ صديقةً مقربةً لي، في مقابل ما تريدينه من المال.

سمعت هي صوتاً ينبهها بأن أحدًا يريدُ محادثتَها، لم تبالِ؛ فهي ليس لها حبيبٌ تنتظر رسائلَه على أحر من الجمرِ، قالت في نفسِها بسخريةٍ:

-         كالعادة أحد الأغبياء يتطفل، ولا يعلمونَ جميعًا أنهم في نظري كالعلقة القذرة فقط تجعلني أتقيأ.

بعد برهة من الزمنِ أتاها الملل زائرًا، أخذت هاتفها وتصفحت خزائن رسائلها، لعلها تجد ما يضحكها ويجعل الملل يفر هاربًا منها كفأر مذعور، وقعت عيناها على رسالتِه فضحكت بهستيريةٍ، حتى أن عينيها أقفلتهما شدة ضحكاتها، وحين فتحتهما رأت صورته، حدقت فيها بتمعن، واستأنفت سخريتها:

-         لعبة جديدة...

لم تكملْ الحديث حين لاحت في عينيها صورته، صمتت لبرهة وتحدثت بدهشةٍ:

-         أيستطيع أحدهم انتحال شخصية صاحب الشركة؟ أين الرقابة؟!

هرعت إلى معلوماته الشخصية كي تتحقق، أصابها الذهول حين رأت كل المعلومات تدل على أنه هو، عادت مرة أخرى إلى الرسالة، قرأتها بتمعن، لم تستوعبها، فأعادت قراءتها بصوت عالٍ لعل ضجيج الكلمات يوقظ غفلةَ عقلها، تجمدتْ تُحدق فيها كأن صاعقة رعدية اخترقت جسدها، بقيتْ مصعوقةً في مكانها لمدة ساعتين، وأخيراً حزمت أمرها وقررت أن تُلقنه درسًا لن ينساه أبداً  فليس كل شيء يُشترى بالمال، وليست كل فتاة قابلة للبيع أو المساومة، ضغطت على زر الإرسال وقذفته بكلمات ناريةٍ اخترقتْ قلبَه:

-         يا هذا إن استطعتَ شراء الجنة بنقودك، ستستطيع شرائي، اطلب من ربك ذلك وحين يأتيكَ الجواب حدثني.

التهم الكلمات بقلبه قبل عينيه، وما كان جوابه إلا أن عرضَ عليها الزواج منه، شيء ما غاصَ في أعماقِها وجرى في عروقِها مجرى الدَّم حتى وصلَ إلى عقلِها، حدقت في حروفه بتفكيرٍ فانسلت دمعة من عينيها حارقةً ثم ابتسمت بمرارة، وعادت بذاكرتها إلى الوراء، وقفت أمام غرفة أبيها وسمعتْ ضحكات زوجته الصاخبة، مررتْ ببصرها من ثقب الباب فرأتها جالسة على سريرها بكاملِ زينتَها كعروسٍ في أيام زواجها الأولى، وبيدها هاتفها تحدق فيه وبين الفينة والأخرى تطلق ضحكة عارمة تتخللها الميوعة البالغة، وكأنها فتاة ليلٍ رخيصةٍ في حانةٍ رديئةٍ، تمنت حينها أن تقتحم عليها خلوتها وتنتزع الهاتف من بين كفتيها؛ لتعرف ما يدور خلف ظهرها وأبيها، تذكرت حين تزوج أبوها تلك الفتاة التي لم تتخطَ العقد الثاني من عمرها، كيف وافقت أن تربط حياتها بفتيل مهترئ لرجل شارف الستين من عمره، ما الذي دعاها أن تفعل بنفسها ذلك؛ أهو المال؛ أم أن شيئاً آخر ربما أخفته الصدور وكتمته الأنفس، هل فُتحت بوابة مغارتها ودلفها اللصوص قبل أبيها؟

أسئلةٌ كثيرةٌ دارت في خلدها آنذاك، تحركت عجلات الذكرياتِ؛ حتى وقفت على أعتاب معاملة زوجة أبيها لها، دمعتان تعلقتا في رموشها حين رفعت يدها تتحسسُ موضعَ لطمة كانت هو الأقوى في حياتها على خدها الأيمن، رغم أن الصفعة كانت من كف ناعم إلا أن الذي أوجعها حقاً سكوت أبيها وطأطأة رأسه أمام جبروت امرأته.

رعشةٌ قويةٌ تملكت منها أربكت كل حواسها، جعلتها تنتفض كقطة مبتلة، شريط حياتها مر من أمامها كأنها تُحاسب يوم العرض، خذلان صديقتها، خيانة حبيبها، طمع مديرها في جسدها، خارتْ قواها وسقطَ الهاتفُ من يدها، انحنت لتلتقطه، وكأن امرأة أخرى حضرتها، أخذت الهاتف بقوة ورفعت رأسها بشموخ، وابتسمت فتلاشت دمعاتها، وانكدر ضعفها، عزفت بأناملها فوق الشاشة ثم مررت إليه سيمفونية تساؤل:   

-         إن كنت حقاً أنت مؤسس القارة الزرقاء فلنتحدث صوتيًا...

مرر إليها طفل صغير يبكي ثم أجابها:

-         أنا أجيد القراءة والكتابة باللغة العربية، لكن لا أتقن النطق بها.

فأتاه ردها على عجلٍ بعد أن أرسلت له طفلاً يضحك:

-         إن كنت لا تجيد نطق العربية فأنا أجيد التحدث بالإنجليزية.

ثوان وكان يحدثها، تسأله فيجيبها، تراوغه فيطمئنها، تستفزه فيناديها بالملكة، لحقت المكالمة الصوتية أخرى مرئية، انتهت بموافقتها على طلبه.  

لم تفكرْ كارما بالمالِ والثروةِ والشهرةِ، جل ما جال في خاطرها هو كشف أسرار الذين خدعوها، أرادت أن ترى الوجه الآخر لنفوسهم المريضة، للاطِّلاع على خفاياهم المركونة في الظلِ.

صارتْ كارما زوجته وظنت أن نسيجَ الحب والعشق والهيام سيبني حياتهما، لكن هيهات هيهات، لقد كانت كاللعبة الجديدة في يد طفل صغير، تمتع بها ثم تركها أرضًا يداعبها الغبار، وعاد إلى واقعه، حينها فقط علمت أنه صنعَ للعالم وهماً وعاشَ هو الحقيقة؛ أفسد حياتهم وأخذ سعادتهم مع أموالهم مقابل ثقب كبير يرون الشيطان من خلاله وهو يكيد بهم، ثم ما كان أمامها إلا أن  تقضي وقتها بالتلصص على حياة الآخرين، وكأنها أمام بلورة سحرية لعرافة فرعونية، أزها نفاق الجميع وخيانتهم – على الرغم من ذلك – عشقت التلصص عليهم، لقد انشغلت كثيراً بالتجسس والتسلية بخصوصياتهم وكشف عيوبهم ونَسيتْ أن كشفَ أسرار أقرب الناس إليها (زوجها) هو الأهم، وفي ليلةٍ شتويةٍ عادت من حفل عشاء أقامته إحدى سيدات الأعمال؛ لتلطمها الفاجعة عند رؤيتها لزوجها يعاشر امرأة على فراشها بعد أن شرب جعة من الخمر المركز، كانت كفيلة أن تسكرَ ناقة وأولادها، لم تتمالك أعصابها؛ قامت بنهش لحم المرأة وكأنها كلب ضال ينهش لحم فريسة في العراء، تملصت المرأة منها بصعوبةٍ بالغة وركضت نحو الخارج عارية كيوم ولدتها أمها والدم ينزف منها بكثرة، تبعتها كارما بقذائف من اللعنات والشتائم النابية، قبل أن تعود لزوجها فوجئت بامرأته الأولى واقفة أمام باب المنزل وصوت ضحكتها العالي  أصاب الغربان في السماء بالصرع، نظرت لها بتشفٍ ورمتها بكلماتٍ أشد قسوة من الحجارة:

-         نسيت أنكِ جديدة ولا تعرفين قواعده، فهو يا عزيزتي في كل مرة تلعب الخمر برأسه لا بد  أن يلعب هو في امرأة جديدة فلا تغضبي وتثوري يا حلوتي رويداً رويداً ستعتادين الأمر.

أدارت ظهرها وعادت من حيث أتت كأفعى تجر خلفها سمها الزعاف، وتركت كارما تتخبط بين إهانة كرامتها وكبريائها، وبين غربتها وقلبها الذي تهشم، لكن سرعان ما حسمت أمرَها وقررت الانتقام، لم تجد شيئاً يشفي غليلها سوى نشر أسرار الخائنين؛ فالغضب عم على كل خائن لشريك حياته في السر، وهو يظهر له الحب والوفاء والإخلاص على الملأ، هرعت إلى المكتب بعد أن رمقت زوجها بنظرة مطولة من عينيها المتوهجتين كقاع الجحيم من شدة الغضب، جلست على المقعد وأسندت رأسها، رأت الجميعَ غارقين في عارهم من أخمص أصابعهم إلى رؤوسهم، ضحكت بجنون وهتفت:

-         أيها الأوغاد الملاعين هذا جزاءٌ من يضع أسراره في يد بشرٍ مثله، ويا للخيبة والعار استأمنتم عدوكم.

بكبسة زر واحدة  كشف المستور المختبئ وراء القلعة الزرقاء، وسقط كل خائنٍ في بئرِ فضائحه، كأن الساعة قد رست في هذا الوقت؛ ليدخل الناس في طوفان من مشاكل أهلكت حياتهم وزلزلت استقرارهم، فبعد كشف الخفايا والمصائب السوداء؛ لم يخلو بيت من العداوات، ولم تبقَ امرأة على ذمة رجل؛ كل شيء أصبح رمادًا ذرته رياح الحقيقة.

 

تعديل المشاركة Reactions:
كارما

Kaya Salem

تعليقات
    تعليق واحد
    إرسال تعليق
    • غير معرف3 ديسمبر 2022 في 9:25 م

      Nick, a 21-year-old in California, is sort of|a kind of} younger folks. He had first gambled as a younger teen, when he visited household on the East Coast and certainly one of his SM카지노 cousins introduced him to authorized on-line sports playing. Nick wasn’t sufficiently old to gamble then, however he discovered it easy sufficient to get around the systems the companies had set up. “It really wasn't that onerous to create an account underneath my dad's name,” he said. By the time he was a senior in high school, Nick was playing on his laptop at school.

      إرسال تعليقحذف التعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة