-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

ماذا كان يقصد نيتشه حين أعلن موت الإله؟

 


سارة عمري


كنا مرضى بهذه الحداثة، مرضى بهذا السلام المتعفن، وبالتنازلات الجبانة… ذلك التسامح ورحابة الصدر التي تغفر كل شيء لأنّها تفهم كل شيء، إنّها ريح سموم بالنسبة إلينا.

فريدريك نيتشه (1)


- موت الحداثة:

تمثل الحداثة حالة أو تحوَّل تمخض بعد الثورة الفرنسية وفلسفات التنوير والعلوم والاختراعات التي عرفها عصرنا الحديث، كما شهد العالم قفزة في الاقتصاد والصناعة التي وجهته بشكل مختلف كليًا، كما نشأت عن ذلك ثورة في الفكر الفلسفي والثقافي في العالم، وطلوع شمس مدارس اهتمت بدراسة الإنسان، والعالم من خلال نظرة مختلفة كليًا عما اقتضته العصور السابقة التي كانت تقيد الفكر، كما ظهر الإنسان ككائن منتج وفاعل في التاريخ.


غير أن نيتشه أراد التصدي لكل ما أفرزته الحداثة في هذا العصر من سوائل حداثية مزيفة، وهو يُعتبر في الحقيقة عراب الحداثة حيث كان من أبرز منتقدين الحداثة والمشككين في العقل مع الوعي.

إن نيتشه عند الكثير من الباحثين“علامة فارقة على انعطاف جذري في تاريخ الفلسفة ونقديته العنيفة التي ميزت الحداثة بعناوينها المختلفة كالحرية، والتقدم، والعقلانية. هي التربة التي أنبتت ما بات يعرف اليوم بتيار ما بعد الحداثة.” (2)

لقد تحدث نيتشه عن وقتنا الراهن الذي نعيشه حيث تلعب فيه الحداثة دورًا هامًا في تاريخنا، والتي تمخضت بدورها من الثورة الفرنسية وعصر التنوير، وطلوع روح الإنسان، كذلك النزعة الإنسانويّة التي ترى في الإنسان ذاتًا فاعلًا في التاريخ، منح المعنى للحياة ولذاته، وفردًا منتجًا ذو إرادة حرة يتقيد بالقوانين.(3)


فموت الإله هو فقدان الإيمان به، وبقيمه الإلهية سواء أخلاقية ومعرفية كما نجدها في الكتب المقدّسة، وربما ليس ذلك بالمشكلة، بل المشكلة الحقيقية هي بقاء الإيمان به لكن على نحو غير مباشر يجعل البشر متعلقين بالنزعة الإنسانوية والعقلانية والتنويرية، كذلك المثالية، وفلاسفة مثل كانط* وهيغل* وماركس* الذين رآهم نيتشه مع كل ما أفرزوه مجرد آلهة جديدة متجبرة على العقول والأجساد بأثواب وأسامي جديدة فقط.


يقول نيتشه عن كتابه ما وراء الخير والشر:هذا الكتاب هو في جوهره نقد للحداثة، العلوم الحديثة، والفنون الحديثة، ولم تستثن منه حتى السياسة الحديثة. (4)

فالنزعات السابقة إذن قد جعلت من العلم والمعرفة منفصلين عن الإله، أي إنكار تسلُّمها من الرب والتسليم بأنها عطية إلهية. واعتمدت على العقل والتجربة، غير أنها ظلت تؤمن به وبحقيقة الحقيقة معًا.


كما أنها لم تستطع التخلي عن الأفكار الميتافيزيقية والدينية مثل: الحقيقة ثابتة وجوهرية، أو العالم يسير وفق غاية معينة وخط مستقيم. أما في العلوم ورغم إشادته بها والنهل منها فكان منها كثير من السلبيات مثل رؤيته في تمسك العلماء بالحقيقة المطلقة الثابتة كل الخطأ، حيث بتنا نرى علماء متمسكين ومتعصبين لفرضياتهم كل التمسك وكأنهم واثقون بوصولهم لشيء، كما يرى نيتشه أن المنهج العلمي قد انتصر على العلم نفسه. (5)


لقد جعلت الحداثة العالم عبارة عن مجتمعات استهلاكية تسلّع حتى الثقافة وتصدرها وتستهلكها مثلما تبيع سلعها، كما أنّها قامت بتصدير خرافات الذات الواحدة، الهوية، والفصل بين المجالات مثل: الفن، الإقتصاد، والسياسة، فكل شيء في العالم مترابط على عكس ما قدمته، وراحت منهمكة في التشديد على المساواة بين الجميع وبناء مدن فاضلة، والحقيقة أنه لا مساواة في العالم فالتراتب هو طبيعة كل شيء.


يقول بيار بودو* عن عبارة موت الإله المتعلقة بالحداثة: لم يقتل نيتشه الإله، بل إن القرن التاسع عشر قرن الزيف والمال والهمينة الإقتصادية هو الذي عرض عليه جثة الإله. (6)

إنّ هذا العالم عند نيتشه هو عالمٌ فاشلٌ، لا يستطيع الفرار من الماضي لأنه يتمسك بجوهره على نحو مضللٍ خادعٍ للبشر، بما في ذلك أخلاقه وحياته التي تعتبر مجرد ثوب علماني من نسيج الدين. كما أنّ جميع ما في العالم من حروب، وسياسات هوجاء، وحكام متجبرين يجعل الشخص يعيش في تناقض. فالناس ترى الديموقراطية والتطور والتقدم على نحو مثالي مع شعارات جوفاء، وفي نفس الوقت تدرك أن العالم كله متصارعٌ متناحر بسبب هذه الفضلات القديمة التي كان نيتشه يرفضها. (7)

إنّ التراتب الذي في العالم هو تراتب مقلوب، فالعبيد بأخلاقهم الارتكاسية والنافية للحياة هم الذين يتجبرون على الأسياد الحقيقيين، فثقافة الحداثة هذه لم تستطع التخلي عن الماضي اللاهوتي كليًا ولو أنّها انتقدته وقتلت تسلط الآلهة المطلق. ولقد رتبت العالمَ والحقيقةَ على نحو مقلوب سواء سياسيًا، دوليًا، وأخلاقيًا؛ ولذلك فالإنسان الحديث ما هو إلا إنسان منحط. (8)

إنّ المجتمع الحداثي لا يجب أن ينظر فقط إلى حاضره كوسيلة لحفظ البقاء فقط أو المنفعه بالحياة، بل يجب أن يرتقي ولفعل ذلك علينا التخلي عن ظلال الإله الذي يقبع في هذه الحداثة المخادعة، إن الحداثة في الحقيقة قد كادت أن تموت بالفعل كما أراد لها نيتشه .


تاريخ الأحاسيس الراقية والمثل الإنسانية -ولعلّه سيكون علي أن أروي هذا التاريخ- بإمكانه أن يمدنا بتوضيح حول السبب الذي جعل الإنسان يكون على هذه الدرجة العالية من الفساد.

فريدريك نيتشه (9)


- موت الإنسان الأخير:

لقد رأى ميشال فوكو* في الإنسان الأخير موتًا له، إن الإنسان الأخير هو وصف لنيتشه يتحدث فيه عن الإنسان الذي يعيش في عصرنا، إنسان الحداثة الذي عاين كل عمليات الموت التي مسّت المسيحية والقيم السائدة الثنائية والميتافيزقية، إن هذا الإنسان الأخير يرفض كل هذه القيم المطلقة، كما لديه إرادة نفي للحياة. (10)

يقول ميشال فوكو: في تقديري أنّ ما هو مؤكد اليوم، وهو أمر أدركه نيتشه ليس موت الإله فحسب، بل موت الإنسان أيضًا. (11)

إن موت الإله لا يجعل من الإنسان الأخير الذي قتله يفعل شيئًا بعده أو يعوض مكانه الفارغ كما فعل هيغل الذي استبدل العقل بالإله، وفويرباخ* الذي وضع محله الإنسان الحر، إن القيم التي زعزعتها الفلسفات والعلوم الحديثة هي زمن من إماتة مركزية الإله، كان الإنسان الأخير يعيش أيامها إلا أنه لم يفعل شيئًا ولم يقدم البديل، فهو قد أنكر القيم التي كانت سائدة ولم يستبدلها بقيم أخرى وجب أن تحل مكانها، بل حافظ على بعضها بطرق غير مباشرة وألّه نفسه. (12)


وإذا كان الإنسان هو ظل الإله حيث يتشكل في علاقة مع اللاهوت وبواسطته، أي كل ما هو إنساني هو متعلق بالإله وهباته ومشدودٌ إليه بخيوط عنكبوتية لا ترى، حتى إنسان القرن التاسع عشر اللابس لنزعاتٍ إنسانيةٍ حطمت الآلهة لكنها بالمقابل ألّهت البشر بوصفهم أحرارًا وعارفين كما أسلفت الذكر، ويعني هذا أنَّ كل ضرر للإله هو ضرر لعبده -أي الإنسان-.


وإذا كان الإله قد مات فالنتيجة تصرخ بموت الإنسان، مثلما يؤمن فوكو بصحة الأمر. (13) كما يرى هايدغر* أنه بموت الإله سيأتي إنسانُ من نوعٍ آخر. (14)


كما أن موت الإله قد أعلنه نيتشه في عدة فصول بعد أول مرة في كتابه “للعلم المرح”، فها هو في كتاب “هكذا تحدث زرادشت” يعلن أن الإله قد مات من الشفقة التي تمثل العدم والإرادة النافية، والارتكاسية، وحب قتل الغرائز وكل شيء جميل، و ها هو زرادشت يسأل البابا العاطل في أحد فقراته: “هل تعرف كيف مات؟ أصحيح ما يقوله الناس من أنّه مات مختنقا بشفقته؟ وبعد عدة أسطر يجيبه: “ذلك الإله القادم من الشرق كان قاسيًا ومتعطشًا للانتقام، ولكنه غدا عجوزًا في الأخير لينًا وهشا وشفوقا أشبه بالجد منه بل بالأب.. متعبًا من الحياة، منكسر الإرادة، وذات يوم مات مختنقًا بشفقته”.(15)


أما في فقرات معينة من نفس الكتاب فيقول فيها أنّ الإنسان الذي لقبه “بأقبح الآدميين” قد قتل الإله بعدما لم يتحمل شفقته عليه:” كان لابد له أن يموت لقد رأى بعينه ما رأى الجميع رأى أعماق الإنسان وأغواره وكل قبحه وعيوبه الدفينة لم تكن شفقته لتعرف حياء، كان يقبع في زاويتي الأكثر قذارة”. (16)

من هو أقبح الآدميين هذا الذي يقصده نيتشه؟ إنه الإنسان الارتكاسي والعدمي الذي فعل به ذلك، وهو رافض أو خائف من شفقته.

وسواء كان الإله قد مات لأجلنا شفقةً ورحمةً أم قد قُتل، فأهم حدث هو موت الإنسان وثقافته الحداثية. (17) وسواء وهن الإله وضعف حتى أشفق علينا ومات بفعل نكراننا له وتحطيم قوته، فإننا سبب ذلك بعدميتنا.

إن العدمية معناها لغويًا “لا شيء” كما أنها بأنواع، فهناك العدمية السياسية التي ترفض القوانين والإلتزامات، وهناك العدمية الأخلاقية التي ترفض الأخلاق وكل تلك القيم، والعدمية الفلسفية وهي شكية ريبية، أما عند نيتشه فتكون العدمية في عدة مجالات في الحياة ورؤى وأفكار، كما أنّها تتراوح بين الإيجابية والسلبية والنقص في آن واحد.(18)


والإنسان الأخير في نظر نيتشه عدمي بشكل سالب وناقص وليس إيجابي، فالعدمية السلبية تسخّف من العالم الثاني وكذلك تحتقر عالمنا هذا، وكل الأمر يقوم على عدم اهتمامها بالإله مثل البوذية، والنزعة التشاؤمية العدمية، فهي تقزّم من العالمين معًا، و بهذا عدميتها مطلقة إذا شئنا قول ذلك، أما العدمية الناقصة فهي محاولة استبدال أعمدة القيم فقط وليس القيم ذاتها، فتحول الإلهي الى إنساني كما فعلت المثالية والعقلانيّة والإنسانوية، وهي بذلك لم تفعل شيئًا غير أنها لا تأتي لنا بأي قيم جديدة، وتلك هي العدمية الأخيرة للإنسان الأخير والنهائية.(19)


لكن هل هذه العدمية الأخيرة هي حدث أبدي أم أنّ هناك شيء سيولد من جديد؟، يقول ميشال فوكو : “إنّ موت الإنسان الأخير سيكون شرطًا لولادة الإنسان الأرقى”.(20) وهنا ستأتي العدمية الفاعلة، وهي عدمية سوف يتم فيها تأسيس قيم جديدة تحل محل القديمة كليًا.(21)

إذا مات الإله سيموت الإنسان إذن، ذلك الإنسان الذي لم يعش الماضي ويعيش الحاضر لكن بأدوات كان يعيشها أجداده، أفكار مثل مركزية العقل، ثبوتية وواحدية الذات، أخلاق الألوهية أو ميتافيزقية، وإرادة حرة حقيقية في ذاتها، كل هذه الأمور لا يزال يتشبث بها الإنسان الأخير رغم اغتياله الإله معتقدًا أنه بعيد عنه للأبد، هذا الإنسان قد قتل الإله فعلًا غير أنه لم يقم بتنفيذ خطوته الأخيرة، أي دفنه، فرائحة الإله المقدسة لا تزال تنبعث إليه و تؤثر فيه، إن الإنسان الأخير عدميٌ فلسفيًا، وأخلاقيًا، وسياسيًا، وأيما يمكن تصوره؛ وفي هذا سلب ونقص كما يراه نيتشه لأنه يجعله مجرد متبرمٍ ومتذمرٍ يقف مكتوف اليدين، عاجزًا عن خلق أي قيم جديدة تحل على تلك التي رفضها باستثناء التلاعب ببعض خيوطها العقلانية التي ذكرناها، غير أن الأمر مبشرُ في الأخير؛ لأن الإله مات وسيلحق به هذا الإنسان ليخرج لنا من الرماد إنسان آخر أرقى وأسمى.


إن أسلوبي هو ضرب من الرقص، هو يهزأ بكل التناسقات، وهو يتخطاها بقفزة ويسخر منها.

فريدريك نيتشه (22)


-موت المؤلف التقليدي:

إن موت المؤلف مقولة قد وضعها رولان بارت* في الحقيقة، وهي تذهب إلى ما أنتجه القرن التاسع عشر من مفاهيم ومنجزات، فنهاية الفلسفة قد وضعت من قبل هيغل، وموت الغرب قد أعلنه اشبنجلر*، وموت الفن قد تحدث عنه بنيامين*، وموت الإله كان قد أطلق سراحه نيتشه. (23)

في القديم كانت النصوص تتعلق بنزعة الباحث دينيًا أو وجدانيًا سواء كان كاهنًا أو فيلسوفًا أو أديبًا، حيث ارتبط فكره وحياته وانفعاله معها ووعيه بما يكتبه، لقد كان المؤلف حاضرًا في النص مثلما تبعث ذلك كلماته.

يرى فرويد* أن بودلير* قد نبعت إنجازاته بسبب فشله الواقعي، كما يقول إميل سيوران* أنّ أدب كافكا* كان من أمراضه النفسية وفلسفة نيتشه كذلك، فالنص إذن وليد شعور ولاشعور المؤلف. (24)


فحضور الإنسان فيما يكتب يخلق الحياة لكتاباته، وإنه بذلك جل ما أنتجه لنا الإغريق والعرب وغيرهم كان من روحهم العقائدية والوجودية والعرقية التي أقحمت نفسها في الكتابة، ورؤيتهم للعالم سواء كان أدبًا أو تاريخًا أو أسطورةً.

غير أن طلوع شمس الفكر النقدي والعلوم التجريبية والتنوير قلب الأمور رأسًا على عقب، فقد صار لزامًا على المؤلف أن يتقيد بالنسق المنظم أولًا، وكذلك الموضوعية التي تخلو من كل تحيز أو عاطفة يمكن أن يضر النص وموضوعه، ويكون غير نزيه بذلك.


لقد وجب على العصر الحديث إذًا الرتابة المملة، والنسق المحدد، والطرح الأكاديمي. كما أنه من الضروري تجريد كل الأبحاث والفلسفات من أي تدخل لأي نوع من النزعات، والأهواء، والمشاعر يمكن لها أن تجعل الحقيقة والأحكام في النص زائفة كما قال بذلك باروخ سبينوزا*. (25)

إن أول أمر يجدر بنا الإنتباه إليه أن نيتشه يرى أن اللغة تخدم الميتافيزيقيا؛ فتخترع مفاهيم تبعًا لها وتؤكدها مثل الجوهر والهوية والذات، التي هي مجرد ألاعيب لغوية ولاهوتية، وصراع للسيطرة فقط على البشر وجعلهم يشعرون بالإطمئنان، تهدف إلى إحداث معنى واحد غير متعدد ومختلف ومتنوع، كذلك النسق والأكاديمية وما تحاول تغطيته، على أساس أن العقل هو فقط من يجب أن يمسك الأمور ويؤولها.(26)


يرى نيتشه في الأمر خطًأ فادحًا فهذه الأكاديمية، وكذلك الأسلوب النسقي المطلق ما هي إلا أغطية تحت سلطة مستبدة ترسم الحقيقة على أساس أنها موضوعية وهي غير كذلك.

كما يرى نيتشه في المنظورية سبيلًا نحو القيم التي يجب أن توجد، والمنظورية عنده هي رفض مطلقية المفاهيم ورؤية جميع القيم والتأويلات على أساس نسبي متعدد ومختلف حسب عدة أسباب.


فالمؤرخ يرى أن جميع وجهات النظر الخاصة به تهدد الموضوعية لأنه يخطئ وسوف يظلم نصه حين لا يزيح نفسه مما يكتب، والحقيقة أن الحس التاريخي هو حسٌ منظوري لا يخجل من إدخال نفسه وفرديته ورؤيته في النص. (27)

فيدعو نيتشه بطرق ما إلى مشاركة المؤلف والفيلسوف في نصه، وأن يكون موجودًا لا سيما إذا عرفنا طريق كتابته وأسلوبه في طرح فلسفته المتحاشية للنسق في معظم كتاباته، حيث في أغلب الأحيان نعثر فيها على نيتشه حاضرًا في كل كلمة ورأي، منتقدًا ذلك، أو مؤكدًا هذا أو نافيًا ذاك.


وإذا كان الإله بكل تعاليمه المتعالية الدينية قد مات، فإن المؤلف سواء اللاهوتي أو العقلاني الذي يختلس فكره من الدين والميتافزيقيا والعقلانية، كذلك أيضًا قد مات.

إن النص من دون مؤلف هو نص جامد وفارغ، فحضور المؤلف والفيلسوف المستقبلي من جديد داخل طيات ما يكتب واجب، لكن ليس ذلك المؤلف البليد والمشبع بتعاليم دينية أو مثالية وأفلاطونية، بل المؤلف الذي يقلب كل تلك القيم ويكتب ويوجه فلسفته نحو الحياة الحقيقية والإرادة مستعملًا جسده كذلك. ذلك الجسد الحكيم المجهول كما يقول عنه نيتشه في كتابه هكذا تحدث زرادشت.


-خاتمة:

من موت الأفلاطونية إلى موت المسيحية وموت القيم، ثم من موت الحداثة إلى موت الإنسان الأخير حتى موت المؤلف، كانت هذه المفاهيم هي محاولات لشرح وتقريب موت الإله، مجرد بضع كلمات اقتضت منا معرفة الكثير من الحقائق سواء النيتشوية أو الفلسفية لإدراكها، ويمكن أخذ بعضها مع ترك الأخرى أو انتشالهم جميعًا حسب ما يراه القارئ.


مقابل الموت دومًا هناك حياة، وإذا كان إله نيتشه قد قتل ومات فإنه من دون شك هو بداية لشأن عظيم سيحصل كان نيتشه يتمناه ويمهد له، نيتشه الذي أخذ دور يوحنا المعمدان وبشر بالإنسان الأرقى بدل يسوع كصوت صارخٍ في الكلمات يسمعه كل من يقرأ له. سواء أتى الإنسان أو سوف يتأخر أو لن يأتي فإنه من دون شك ما أراده نيتشه أن يصل إلينا لشيء مُستحق الإهتمام.


لا يجب علينا أن ننتظر إنسان نيتشه الأرقى إذا رأينا في الأمر خلل و عدم توافق مع طبيعتنا، بل علينا أن نخلق لأنفسنا إنسانًا خاصًا بنا أرقى من دون أن ننتظر فلاسفة المستقبل، فكل شخص هو فيلسوف نفسه وحياته. وسواء  كانت قيم إنساننا هذا روحية ولاهوتية أو عقلانية يراها صالحة، فما من فكر في الوجود طالح فقط بل هو نافع، ولا يهم الأمر ما دام كل إنسان أرقى سيجعل العالم آمنًا وجميلًا.


شرح المفاهيم والمصطلحات:

-إيمانويل كانت [1724 – 1804]: فيلسوف أخلاقي ألماني. من مؤلفاته المعروفة: نقد العقل الخالص، تأسيس ميتافيزقيا الأخلاق، الدين في حدود مجرد العقل.

-جورج فيلهلم هيغل [1770 – 1831]: فيلسوف ألماني من أبرز أعلام المثالية. من أول المؤسسين لفلسفة التاريخ، تعتمد فلسفته على الجدلية. من أهم أعماله: فينومينولوجيا الروح، محاضرات في تاريخ الفلسفة.

– كارل ماركس [1818 – 1883]: فيلسوف؛ ومفكر؛ واقتصادي؛ وأهم أعلام الشيوعية. أهم مؤلفاته: رأس المال، المسألة اليهودية.

-بيار بودو [1930 – 1988]: فيلسوف؛ ومفكر؛ وكاتب؛ ومؤلف فرنسي، كتب عن نيتشه كما لديه عدة روايات ومسرحيات.

-ميشال فوكو [1926 – 1984]: فيلسوف؛ ومفكر؛ وباحث يعد من وجوه مفكري ما بعد الحداثة. اهتم بالجنسانية والمعرفة والسلطة. أهم مؤلفاته: تاريخ الجنون في العصر القديم، تاريخ الجنسانية، الكلمات والأشياء.

-لودفيغ فيورباخ [ 1804 – 1872 ]: فيلسوف و أنثروبولوجي ألماني، اهتم بالدين و مسائله مثل الموت و الخلود و احتلت المسيحية حصة كبيرة من دراساته ، من أهم أعماله: جوهر المسيحية.

– مارتن هايدغر [1889 – 1976]: فيلسوف ألماني اهتم بالفن، والميتافيزيقيا، والوجود، والعدم. أثرت فلسفته في المدرسة الوجودية والتفكيكية، أهم أعماله الوجود والزمان كما لديه كتاب حول نيتشه.

– رولان بارت [1915 – 1980]: فيلسوف، وكاتب، ومفكر فرنسي ، اهتم بالأدب، واللغة، والفلسفات البنيوية، والوجودية،  والنزعات ما بعد الحداثية.

– اوسفالد اشبنجلر [ 1880 – 1936 ]: فيلسوف و مفكر و مؤرخ عني بمختلف المجالات المعرفية و الفلسفية و منها التاريخ، معروف بكتابه: انحسار او انحدار الغرب.

– والتر بنيامين [ 1892 – 1940 ]: فيلسوف و باحث و كاتب ألماني ذو نسب يهودي، اهتم بالنقد و الدراسات الادبية و التاريخية و الفلسفية، من أعماله نذكر “العمل الفني في عصر اعادة انتاجه تقنيا”.

– سيغموند فرويد [1856 – 1939]: عالم نفس وطبيب من النمسا، أب التحليل النفسي. من أهم مفاهيمه (الأنا والأنا الأعلى والهو)، (عقدة أوديب)، (عقدة الكترا). من أهم مؤلفاته: الطابو والطوطم، تفسير الأحلام، موسى والتوحيد.

– شارل بودلير [1821 – 1867]: كاتب وشاعر فرنسي، من أهم أعلام الأدب الفرنسي. أهم مؤلفاته: اليوميات، أزهار الشر.

– إيميل سيوران [1911 – 1995]: فيلسوف وكاتب وشاعر روكاني، كتب باللغة الفرنسية والرومانية معًا، تبنى اللاانجابية، احتلت الولادة والانتحار والدين ونقد النظم السياسية والحضارية حيزا كبيرًا من كتاباته. من أهم كتبه: مثالب الولادة، دموع وقديسون، تاريخ ويوتوبيا، المياه كلها بلون الغرق.

– فرانز كافكا [1883 – 1924]: روائي وكاتب تشيكي، يعد من أبرز الأدباء الذين كتبوا عن العبث والألم والقلق، عراب الكتابة السوداوية. أهم مؤلفاته: التحول، القضية، أمريكا، رسائل إلى ميلينا.

– باروخ سبينوزا [1632 – 1671]: فيلسوف هولندي من أصل يهودي، تعرّض لحملة من النبذ والإساءة من طرف اليهود بسبب تناوله لمسائل الدين بنقد، كان من الأوائل الذين دعوا لتطبيق منهج علمي بدراسة المخطوطات والكتب المقدسة، احتلت وحدة الوجود حيزًا من فلسفته وفكره، تأثر بابن عربي، وابن رشد، وديكارت. أهم مؤلفاته: رسالة في إصلاح العقل، الأخلاق.

عن المحطة

تعديل المشاركة Reactions:
ماذا كان يقصد نيتشه حين أعلن موت الإله؟

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة