-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

محمود نعسان لموقع سبا: المرأة أوكسجين، وواقعنا مصنوع حسب أهواء الآخرين

 


حاوره: إدريس سالم

 يريد هذا الكاتب أن يترك أثراً، أن تلوّح علامته في كلّ نفس تهوى الحياة. يطالبنا في أن نصنع واقعنا، لا واقعنا يصنعنا؛ فمصيرنا مقرّر ومرسوم، والسيناريو مكتوب، والممثّلون هم الفقراء، الذين لا يملكون هذا القرار، ويحلمون بالحرّيّات والخلاص. وللغوص بشكل أعمق في دهاليز روايته «وحي السراب»، كان لا بدّ من حوار يكشف خباياها وأسرارها ودلالاتها...

 

هنا حوار موقع «سبا» معه:

·      تكتنف الرواية كفنّ مكتوب عوالم كثيرة وشائكة، ترتكن عليها وتستلهم منها وتعمل فيها.الرواية بين الفنّ والتدوين الاجتماعيّ، هل أدّت دورها كاملاً في التعبير عن الواقع وأحوال الناس وقضاياهم؟ هل استطاعت أن تكون مدوّنة المجتمع، بتأكيدها على مدى ارتباطها بالتحوّلات ومواكبتها، ومقاربة تلك القضايا وتمثيل الواقع المعيشيّ وطريقة تحليله، سرديّاً وروائيّاً؟

إذا أردنا بالمدوّنة عملية الوصف أو العرض فقط، فنستطيع القول بأن الرواية ليست بعيدة كثيراً عن أن تكون مدوّنة المجتمع؛ لأن هناك عدد لا بأس به من الروايات تتناول الواقع المُعاش بسرديّاته اليوميّة والقضايا الحياتيّة بكثير من التفصيل والإسهاب المشبع للمشكلة.

أما إذا أردنا بالمدوّنة على أن تكون الرواية إحدى علاجات المجتمع من أدوائه، فأنا أرى أن الرواية العربيّة تحتاج أشواطاً طويلة لتصل إلى هذه المرحلة، التي تكون فيها قادرة على معالجة القضايا المجتمعيّة، وليس الاكتفاء بالمعاينة فقط، كما فعل الأدب الروسيّ مثلاً، والإقبال الكبير على روايات تولستوي في الصين بعد فشل الثورة الثقافيّة، ووقوف الناس في طوابير للحصول عليها.

 


·      الرواية هي الحياة، ظاهرة اجتماعيّة مثيرة ومستعصية، وفنّ يخضع حياة البشر لفعل التسريد. على الرواية أن تحاور قضايا الهوية والذاكرة والتاريخ، أم تواكب التحوّلات الراهنة في العالم؟

نحن أمام وصفين لا ثالث لهما؛ إما أن تكون الرواية للفرد (أو فردانيّة)، بمعنى أنها تعمّم مشاعر الفرد (الذي هو الكاتب أو القارئ) وتحوّلها من مشاعر خاصّة إلى مسائل عامّة، وشخصيّاً أرى أن عملقة المشاعر الخاصّة ليست بالمهمّة الصعبة، التي يجب أن يتصدّر لها الكاتب.

أما الوصف الثاني، فهو غياب المشاعر الخاصّة (بالكاتب) وتضحيته بها، على حساب يوميّات المجتمع، وفي هذا انتقاص من أبجديّات الكتابة، وغياب لتأثير لدور الكتابة عند الكاتب، فالكتابة ليست فقط معالجة القضايا العامّة.

 

·      ما نقاط الاختلاف والتشابه بين محمود نعسان وسيبويه؟

أنا أرى أن الشخصيّة الروائيّة، من الصعوبة بمكان أن تنفصل عن شخصية كاتبها، فلا بدّ للكاتب أن يتقمّص شخصيّة ما من عمله، ولا يشترط أن تكون الشخصيّة الأوّليّة أو الثانويّة، ولا يشترط أن يتقمّص الشخصيّة بكاملها دفعة واحدة، فقد يأخذ من هذه الشخصيّة بعضها، ومن الأخرى البعض الآخر. والشخصيّة لا تولد من عبث ولا من رحم المرأة كما يقول الراحل ميلان كونديرا، بل تولد من موقف ما، وتكون رغبات الكاتب المكبوتة، وغير المتحقّقة، فمَن منّا يستطيع أن ينكر أن فرانز كافكا غائب في أعماله؟ أو أن دوستويفسكي لم يعانِ من الفقر والاضطرابات النفسية نتيجة القيود المفروضة عليه؟

وفيما يتعلّق بالاختلاف والتوافق بيني وبين سيبويه؛ فكلانا مصاب بمرض السكّريّ، والبقع السوداء منتشرة في جسمَينا؛ لأن الأنسولين انتحر. ولكن ليسا كلانا يعرف العم إيّاد الحمدوري[1]، وليس كلانا يعاني من نفس الصراعات الفكريّة والنفسيّة، ويعمل في نفس المهنة...

 

·      سيبويه كان مصاباً بمرض مزمن، وعانى منه في قضية اجتماعيّة، وهناك الشابّ المُقبل على الزواج، والذي قد يعاني من سرطان، أو فشل في الكلية أو القلب، أو إعاقة جسديّة... أو غيرها من الأمراض المزمنة. لماذا يكون المريض المُقبل على الزواج منبوذاً من المجتمع والناس؟ مَن يسنده ويحمي الإنسان الذي في داخله؟ ولماذا يقبله المجتمع على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ويرفضه في الواقع؟

هذا السؤال يعرّينا نحن – كلّ البشرية – أمام ذواتنا، وأمام المواقف التي تجابهنا في الحياة؛ لأننا أصبحنا منافقون ذو وجهين، نتسوّل رضا الناس عنّا في مواقع التواصل، قد ندّعي أننا نملك قيماً مثالية ونرفض قيم المجتمع، لكن كم واحد منّا قادر على التماثل بين واقعه وقيمه؟! صدّقني قلّة قليلة، ونحن الإنسان ضدّ الإنسان، فقد نستنكر رفض الشابّ المريض المقبل على الزواج، ولو وقعنا في نفس الموقف وكنّا مسؤولين عن بناتنا لرفضنا الشابّ المريض! أليس هذا من التناقضات التي تكتنف الإنسان؟ رفض المريض على كافّة الأصعدة وليس فقط الزواج، هو إنكار لذات الإنسان، ونزول بالإنسان إلى الجانب الشكليّ فقط، وهذا قد يولّد عند المريض عقدة نقص تزيد من مرضه؛ لأنه مع الأيّام قد يرفض هو أيضاً نفسه.

 

·      كلمة «أحبّك»، هل صحيح أنها تُقال للزوجة فقط؟ ألك رأي آخر؟

لا، بل تقال للصديق والأخ والأمّ...، ولكن لا تُقال بنفس الطريقة والروح والمبعث الداخليّ، التي تُقال فيها للزوجة. إن تأويل النصّ أحياناً يذهب به بعيداً عن مراد الكاتب، فعندما ذكرت أن كلمة «أحبّك» تُقال للزوجة فقط، فإني أردت أن أعطي للزوجة قيمة لا تشاركه فيها أيّ أحد، وتحت أيّ مسمّى أو مصطلح، ولا يخفى عليك كما من النوايا السيّئة تمرّر تحت اسم الصداقة، وكم من علاقات الصداقة تطوّرت إلى علاقات غراميّة.

 

·      ماذا أردت أن تقول للجيل الجديد من خلال بطل الرواية سيبويه؟ وما الرسالة التي تحملها «وحي السراب»؟

ربّما كانت «وحي السراب» تحمل رسائل كثير – في أقلّ من 200 صفحة – يصعب حصرها، ولكن كلّها تشكّل محور حياتنا ومتطلّباتها، وأردت أن أقول للشابّ: لا تستسلم، ولا تنهزم أمام الواقع؛ يجب عليك أن تصنع واقعك، لا أن يصنعك واقعك. عقلك وقودك للسير في هذه الحياة. إن واقعنا مصنوع حسب رغبات بعض الناس، ونحن نسير على خُطاهم، وعليك أن تغيّر هذا الواقع ولو قليلاً، والأهم أن تمارس حقّك في التفكير والملاحظة والتشكيك، لأن الملاحظة مفتاح التغيير.

 

·      هل طالب العلم في سوريا كانت له كرامة، مقارنة بالمناهج التعليميّة التربويّة وطرائق تدريسها، خاصّة وأنا أقرأ كيف أن بطل روايتك دافع عن صديقه محمد، في هجوم المدير عليه، وهدر كرامته أمام الطلاب؟

نعم، وكيف تكون الكرامة محفوظة والطالب يُضرب، بل يُعذّب من أجل أن يَدرُس؟! كان نظام المدرسة أشبه ما يكون بنظام السجن، ولكنه بشكل حضاريّ. لكن لا بدّ أن نكون منصفين ونقول أن الطالب أيضاً كان يحارب المدرسة بتمرّده؛ من تخريب للممتلكات ومحاربة داخليّة للمدرّسين.

 

·      والكرامة... ما هي؟ ومَن يدفع ضريبتها؟

الكرامة هي احترام إنسانيّة الإنسان، أيّ احترام مشاعره، وتقدير قيمته، وعدم إهانته بما يكسره أمام نفسه، ولا يوجد معيار لهذه المشاعر والقيم، فما يهين كرامة عمرو، قد لا يهين كرامة زيد. ومَن يدفع ضريبتها، هو صاحب الكرامة نفسه؛ لأن مواضع الألم عنده مفعّلة، وعلى قدر هذه الفعالية ومستواها تكون الضريبة.

 

«في فراغه أبحث عن شخص ليكون وجهتي البوحيّة، وقِبلة بثّ شجوني، فهو كالحبّ لا يُقاس بأحد غيره، فضلاً على أن يُستبدل به، فما ظنّك بالحبيبين إذا الحبّ عسف وعبأ بهما؟! كالموت لا يزورك إلا مرّة هذا الحبّ، وقد زارني وقضى نحبه مني، والآن إني يتيم الصديق، روحي مشروخة بك يا محمد، كلّ زوايا قلبي في قسم الصداقة تفتقدك».

·      ماذا تعني لك الصداقة؟! وهل الصداقة موجودة؟ أهي فعل ثابت مطلق، أم مشاعر وأحاسيس مؤقّتة؟

الصداقة علاقة مقدّسة كالزواج، شراكة بين طرفين، تعاهدَا على الوفاء والصدق والإخلاص – ولو بدون لفظ أو كتابة – الصداقة ضرورة مثل ضرورة الزواج، ولا أبالغ إن قلت أن الصداقة أعلى درجة من الزواج أحياناً؛ لأنك تستطيع أن تبوح بكلّ ما في صدرك لصديقك، ولكن قد لا تستطيع أن تبوح لزوجتك! فالصداقة حقيقة حتماً إذا كان الصديق حقيقيّاً، وليس افتراضيّاً على مواقع التواصل، أو زميلاً مؤقّتاً.

وقد تناول الأدباء والكتّاب موضوع الصداقة باستفاضة واستيعاب، وكتاب «الصداقة والصديق» لأبي حيان التوحيديّ، خير مثال على ذلك.

 

·      قرأنا في الفصل الثاني مقولة: «السُّكر بوّابة الجريمة والرزيلة».

أحقاً السُّكر بوّابة للجريمة والرزيلة، أم نافذة الروح لتهدئ من متاعبها وآلامها وتستعيد قوّتها؟

السُّكر يلغي عن الإنسان عنوانه، يلغي عنه الأداة التي يمكن أن يحلّبها قضايا العالم، العقل هو فضيلة الإنسان وخلاصه الوحيد من شرور وآلام هذا العالم، ويقول المعرّي في هذا الصدد:

أَرى بَشَراً عُقولُهُم ضِعافٌ          أَزالوها لِتُعدَمَ بِالخُمورِ

نعم! قد تهدأ مرّة أو مرّتين، ولكن الهدوء غير مطلوب وليس فضيلة عند الإنسان، فضيلة الإنسان العمل والبناء، لا الهدوء والهرب.

 

·      هل كلّ شيء في الحياة – مهما يكن وماذا كان – رهن بالمعايير والنسب والمقادير؟

نعم. كلّ شيء في هذه الحياة، وأؤكّد على كلمة (كلّ شيء)، ومنها الحبّ، الصداقة، التضحية، الوفاء، العبادة، الكره...إلخ، يجب أن يكون باعتدال، ولا سبيل إلى هذا الاعتدال إلا إذا عرفنا النسب لنحدّد الاعتدال، والنسبة مقياسنا لمعرفة نتائج جهدنا وأنفسنا.

 

تقول في روايتك: «الشيخوخة قطعة من الموت، الموت في الشيخوخة موتتان».

·      ماذا أردت أن تقول من خلال هذا الاقتباس؟ ولمَن توجّه رسالتك: للمؤسّسات الاجتماعيّة الرسميّة للقيام بدورها وتفعيله، أم للأبناء وحثّهم على برّ الوالدين؟

كان يعتقد دوستويفسكي بأن حياة الإنسان بعد الأربعين ضرْب من المعاناة، وبالنسبة لي هي من أكثر المراحل التي تخيفني (الشيخوخة)؛ في الشيخوخة نكون أطفالاً غير أبرياء، وفيها نلمس عجزنا، وندخل صراع الموازنة بين الرغبة والعجز، فيها يفقد الإنسان قيمته، ويصبح عبئاً على نفسه قبل الجميع.

أردت أن أوضّح للشابّ قيمة عمره ومدى قوّته، وأحثّه على التقارب من فهم مشاعر كبار السنّ عندما «يثرثرون» كثيراً، وعندما يتدخّلون فيما لا يعنيهم، ليثبتوا أنفسهم ووجودهم فقط.

 

«الحرب صناعة الفقراء وقطاف الأثرياء».

·      هل الحروب في الشرق والعالم صناعة ومخطّط لها؟ ومَن يصنعها: الفقراء أم مؤسّسات ومراكز سرّية مجهولة، أو هي نتيجة طبيعيّة للديكتاتوريّات والأنظمة الفاسدة، أم أن غياب العلم والجهل سبب لذلك، دون أن ننسى/ تنسى مقولتك في الصفحات اللاحقة: «كأن العم سام قرّر مصيرنا وانتهى»؟

نعم مصيرنا مقرّر ومرسوم، والسيناريو مكتوب، والممثّلون هم الفقراء، الذين لا يملكون هذا القرار، ويحلمون بالحرّيّات والخلاص. هناك أناس لا تحرّكهم سوى تطلّعاتهم إلى مستقبل أفضل لهم ولأطفالهم، وهناك أناس لا تحرّكهم سوى كروشهم وجيوبهم ليصعدوا فوق جثث وتضحيات هؤلاء الفقراء، إنه ليس فقر ماركس؛ أيّ ليس فقراً مادّيّاً وماليّاً، وليس فقر أدوات الإنتاج، بل إنه فقر تقرير المصير.

 

·      والحرب تعرّي الأرواح والعقول؟ وممّ تعرّيها؟

كلّنا في الرخاء مثاليّون، وكلّنا ندّعي الإنسانيّة والأخلاق، ولكن المواقف هي المحك، ولا موقف مثل الحرب، يصبح كلّ شيء فيها مباح، مثل القتل والسرقة والاغتصاب... إلخ، فعندها إما أن تظهر الأخلاق النبيلة والمحافظة على الروابط الإنسانيّة والإيثار والإخاء، أو تطفو على سطح الرغبات المكبوتة بفعل البيئة، من سرقة واستغلال وجشع، فالحرب موقف لا قيود فيها ولا رقابة، وتستطيع أن تفعل فيها ما تمليه عليك رغباتك.

 

·      مَن هو الخليفة الذي كنت تذكره في نهايات بعض فصول روايتك؟ وما الغاية منه روائيّاً واجتماعيّاً؟

الإنسان لا يستطيع أن يعيش دون خيال وأسطورة ترسم حياته، والإنسان في هذه الدنيا سفير سلام وخير وبناء، لا بدّ أن يخرج منها بعد أن يترك بصمة فيها، ولا بدّ أن يتركه أفضل ممّا يدخلها، أما مَن دخلها وخرج منها دون أن يترك أثراً للبناء والتطوير، فلا فائدة منه غير زيادة عدد البشرية، ولأن الإنسان تعلوه لحظات فتور وضعف فلا بدّ أن تكون له قدوات وأبطال يشحذون همّته، والقرآن ابتنى هذه الشخصية القادرة على انجذاب الإنسان واستجماع قوّته، فقال الله تعالى: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾، وقد يخلق كلّ إنسان لنفسه أسطورة تقوده وتعلي من همّته، وهذه الأسطورة تكون حسب ما يعتقد به، ولكن أن تكون خليفة أيّ أن تكون المسؤول الأوّل عن هذا العالم، شرور هذا العالم وظلامه أنت المسؤول عنه، وليس القدر.

 

·      يقول ابن مفلح: «العين ترى ما لا تملك على غير أصله، فإذا ملكته رأته على أصله».

لم الرجل يسمع الجنس الآخر – صديقة أو زميلة – ويكون منغمساً في همومها وشجونها، وعندما تعترض زوجته أو أخته أو قريبته مشكلة أو قضية ما، تراه يتأفّف وينفر غضباً وصراخاً؟

هذه النفس البشريّة (ضحك)، وهذه إحدى التناقضات التي لا أجد لها جواباً، إلا أنها تناقض الإنسان مع نفسه، وعدم قناعته، وغلبة الشهوة على العقل. قبل الزواج بها يراها أجمل نساء العالمين، وبعد الزواج تصبح أقبح النساء، ويتمنى أي امرأة أخرى مكانها، ولو قلبنا الصورة فكانت (فرضاً)؛ كلّ نساء الدنيا زوجاته إلا هذه المرأة (زوجته الحقيقيّة) لكانت هذه المرأة أجملهنّ، وكانت كلّ زوجاته عفاريت أمامها.

 

·      ما المرأة؟ ولم الشرق يدافع عنها بالكلام، ويستحقرها بالأفعال؟

هناك أشياء تحقّرها الكلمات، وتقلّل من قيمتها الجُمل والتوضيحات والبلاغات، والمرأة هي شيء، من بين عشرات الأشياء تقريباً، لا أفهم كنهه ولا أحيط بوصفه. فعلاً هي شيء غريب جدّاً، من بعيد هي نور، ومن قريب قد تكون ناراً، شجرة الحياة التي نتفيّأ ظلالها، وتعطينا الأوكسجين، وهي الشجرة التي نقطع حطبها ونشعله ناراً لنستدفئ بها! أليست المرأة غريبة؟ وأليس الرجل يتصرّف معها بتناقض؟

 

·      هل المرأة تُقتل بالإهمال، أم بالإنجاب والجنس؟

الجنس الفرديّ (عدم الاكتراث بإشباع الطرف الآخر) والإنجاب غير المنتظم والمعقلن، يقتل المرأة ويشيّئها؛ لأنها تصبح آلة لتلبية الرغبات والحاجات ويغيّب دورها كإنسان من لحم ودم، فالحياة كاملة قائمة على التكامل والموازنة، لا على الفردانيّة والأنانيّة، والحياة الزوجيّة أكثر حاجة إلى هذا التوازن، فالجنس ليس عملية فرديّة، والمرأة ليست وعاء بالمعنى السلبيّ، وليست مربّية بالمعنى السلبيّ، بل هي شريكة تقاسم الرجل الفراش والمتعة والتربية والقرار والرفض والقبول، فالجنس يكون بقبول الطرفين، وكذلك الإنجاب يكون بقبول الطرفين، وفق ما يناسب طبيعة المرأة وقدرتها على هذا الإنجاب، لكي تحافظ على أنوثتها، وتحافظ على دورها كزوجة وأمّ، وليس كأمّ فقط، هذه الأشياء تتساوى مع الإهمال، إلا أن اشتراك المرأة في هذا القتل الرحيم لنفسها لا يجعلها تهتمّ وتحسّ بسكّين الجنس والإنجاب، إنما تنجرّ بعاطفتها ورهافة حسّها إلى العقل الجمعيّ للنساء، التي تضع العاطفة والكلمات الرنّانة في هرم الحياة الزوجيّة، ولا تأخذ المسائل بأبعاد نفسيّة ومستقبليّة.

وقد تجد، للأسف منهنّ مَن ترضى بالاعتذار أو الكلمات العاطفيّة اعتذاراً عن الضرب والإذلال.

 

·      الواقعيّة السحريّة، كانت نعمة على فنّ الرواية، مقارنة بالفانتازيا، التي تقول أن الرواية هي ميدان الحياة. بم تعلّق؟

أنا الآن منحاز بشكل مبالغ به إلى واقعية الواقعية.

 

·      وما هي واقعية الواقعيّة لديك؟ ولم تنحاز إليها؟

واقعية الواقعيّة، أيّ الواقع دون السحريّة والخيال، الواقع كما هو بمعطياته، وأنا منحاز لها؛ لأنها الأكثر قدرة لحلّ القضايا الحياتيّة بدون مواربة.



·      عندما يصبح تحطيم القيود طريقة راسخة شبه رسميّة في الكتابة، ويصبح الخيال المجنّح واجباً لازماً على كلّ كاتب، فإننا نصير بحاجة إلى التغيير مجدّداً. ما القيود التي أردت أن تحطّمها في روايتك؟ وما التغيير الذي يحتاجه الإنسان؟

ربّما من المآخذ التي تؤخذ عليّ بأنني واقعيّ بشكل كبير، وأنني بعيد عن الخيال، وبما أنك قلتَ قيود، فإذن هناك مقيّد، وهناك معاناة وهناك تسلّط، فإذا كان الواقعيّ متخماً بالمعاناة والمقيّدين، فلا أستطيع أن أسافر بخيالي وخيال القارئ إلى جنّات عدن وجناحاي مقصوصان! أنا ابن هذه المعاناة، وفرْض عليّ أنا أكتب عنها، وأكتب للمقيّد، وأشجّعه على كسر قيوده، لا على نسيانها والتصالح معها.

 



[1] أحد شخصيات رواية «وحي السراب».

تعديل المشاركة Reactions:
محمود نعسان لموقع سبا: المرأة أوكسجين، وواقعنا مصنوع حسب أهواء الآخرين

Kaya Salem

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة