حاورها: ميران أحمد
أن
تلبس اللجوء معطفاً لتحمي نفسك من الحرب والموت فهو رغبة كبيرة للتمسك بحق العيش
والعراك مع الحياة وتحدياتها وصعوباتها، وأن تصل إلى دولة/ مدينة وأنت لا تملك فيها
إلا الشغف والطموح لأن تكون رقماً إلى جانب تشبثك بالهوية والانتماء لإنسانيتك، فهو
أيضاً طريق كبير وعميق لأن تنجز وتحقق ما تتمناه.
همرين
أوسو، من نازحة بين مدن وقرى دولتها، إلى لاجئة في أحضان الغربة والغرابة، إلى
كاتبة تريد أن تشقّ طرقاً تمزّق بها صراخ الحروب وأسلاك الحدود. ولدت في مدينة
كوباني، وفي سن الرابعة عشرة، أجبرها هجوم شرس من تنظيم داعش هي وعائلتها على
مغادرة مسقط رأسها والفرار إلى الحدود مع تركيا واللجوء فيها، حتى وجدت موطناً جديداً
لها في ألمانيا منذ نهاية عام 2017.
التقى
بها موقع «سبا» الثقافي، وكان معها هذا الحوار:
·
بداية... مَن هي همرين أوسو؟ وماذا يعني لها الأدب والفن؟
همرين
أوسو، فتاة كردية من مدينة كوباني، تسكن في مدينة هامبورغ الألمانية منذ نهاية سنة
2017م. أدرس في الوقت الحالي علم التربية والتعليم في جامعة هامبورغ، وإلى جانب
دراستي أعمل كمترجمة مع اللاجئين؛ لتسيير معاملاتهم مع مؤسسات الدولة ودوائرها.
الأدب
والفن، أستطيع أن أقول أنهم أفضل أصدقاء، رافقوني منذ صغري، وبشكل خاص خلال رحلة
اللجوء، وإلى يومنا الحالي.
من
خلال الأدب و الفن سواء الرسم، الغناء،
العزف، أو الكتابة أحاول إنشاء وطن صغير (ملاذ آمن) لنفسي، ألجأ إليه كلما فقدت
شعور الأمان وشعرت بالضغط من صعوبات الحياة والضغوط النفسية في بلاد الغربة.
·
لكونك لاجئة في البلاد الأوروبية، كيف كانت بدايتك مع اللغة؟ وهل
واجهتك صعوبة في الكتابة الأدبية بلغة غير لغتك؟
بدايتي
مع اللغة الألمانية كانت كبداية أي لاجئ يصل إلى ألمانيا بعمر الـ 18 عام، كان
يتوجب علي أن أذهب إلى (كورسات) اللغة الألمانية. كان هدفي أن أنهي جميع مراحل
اللغة في وقت قصير؛ كي أستطيع أن ألحق أحلامي وأحققها وأصل نهاياتها الجميلة، ولكن
للأسف وبسبب البيروقراطية هنا كان علي أن أتحلى بالكثير من الصبر بسبب الأنظمة
والقوانين الكثيرة والشائكة هنا. بعد كل مرحلة لغة كنت أنتظر ما يقارب الشهر لأحصل
على النتيجة، وفي كل مرة أبحث عن مدرسة أخرى تدرّس المستويات الأخرى من اللغة. بعد
مدة تقارب السنتين أنهيت جميع مستويات
اللغة، فبدأت بالمرحلة الثانوية أو البكالوريا.
لم
أواجه الكثير من الصعوبات خلال كتابة كتابي الأول «أسميتها روجبين»؛ لسببين:
أولهما أنني تمكنت بشكل جيد من اللغة الألمانية خلال رحلة البكالوريا هنا، لأننا
كنا ندرس الأدب أيضاً، والسبب الأخر هو أنني ومنذ البدء بتعلم اللغة الألمانية
أكتب بشكل دوري مذكراتي والأسئلة والمواضيع والقضايا التي تدور في داخلي وفي ذهني
باللغة الألمانية. هذه كانت من إحدى الاستراتيجيات التي اتبعتها خلال تعلمي للغة الألمانية.
·
«أنا أسميها روجبين – Ich
nenne sie Rojbîn». من أين جاءت فكرة هذه القصة؟ حدثينا عن
محتواها ورسالتها، وهل من جهت أدبية أوروبية دعمت مشروعك؟
فكرة
كتابي «أسميتها روحبين» – الصادر عام 2023م عن دار «ستوري ون» الألمانية وعلى طول
ثمانين صفحة – أتت من خلال مسابقة كتابة سمعت عنها، وأردت المشاركة فيها. الكتاب يتضمن
مجموعة قصص قصيرة، تتحدث عن مسيرة روجبين، فتاة صغيرة من مدينة كوباني، إلى أن تصل
إلى ألمانيا. تلك القصص تتضمن مواضيع كثيرة، منها الصعوبات المجتمعية هناك، عن
طفولتها في تلك المدينة مروراً بفترة الحرب وجوانب من الحياة أثناء اللجوء والعيش
خارج الوطن.
رسالتي
من الكتاب التي أردت إيصالها للمجتمع الألماني هو أننا وبالرغم من كل ما مررنا فيه
من صعوبات منذ نعومة أظافرنا أننا قادرين على أن ننجز ونحقق أهدافنا. وكذلك أتمنى أن
تصل رسالتي هذه للجيل الصاعد هنا في ألمانيا، أننا وبالرغم من شحّ الإمكانيات فلن
نتخلى عن أحلامنا وأهدافنا. أتمنى أن أستطيع بقصصي أن أزرع فيهم حب العلم والكفاح
من أجله.
لم
أحصل حتى الوقت الحالي على دعم من جهات أدبية أوروبية، ولكن بدأت مؤخراً بالحصول
على دعوات لقراءة كتابي في جامعات هامبورغ، وكذلك في مؤسسات اجتماعية عديدة.
·
إلى جانب تعلّم اللغة ومهاراتها والكتابة في الأدب نراك تجيدين العزف
والرسم. هل العزف والرسم حرّضاك ودفعاك للكتابة، أم أنه الشغف شغف الكتابة؟
نعم
العزف والرسم والغناء هواياتي الأخرى، للأسف وبسبب ضيق الوقت لم أعد أرسم منذ وقت
طويل، ولكنني مستمرة بتعلم الموسيقا. الموسيقا جزء لا يتجزأ من حياتي الحالية، وأستطيع
أن أقول أنني أخطط دراستي وعملي وحياتي الخاصة، بحيث أستطيع الذهاب بشكل منتظم إلى
تدريباتي الأسبوعية.
هنالك
الكثير من الأسباب التي دفعتني للكتابة، منها الشوق الدائم إلى مدينتي والحياة
البسيطة فيها، وكذلك الكمية الهائلة من المشاعر المختلطة التي أعيشها كمغتربة في
ألمانيا. وللرسم والموسيقا أيضاً دور كبير في الكتابة الأدبية. في الكثير من
الأحيان أسمع المقطوعات الموسيقية التي نعزفها أو نغنيها على شكل حكايا وقصص
تدفعني للكتابة. أخرى قصة من كتابي تدور أحداثها حول مقطوعة موسيقية على مسرح
"Elbphilharmonie".
·
ما هي الكتب التي تستهوي ميولك كقارئة؟
أفضّل
في أغلب الأحيان قراءة الروايات بشكل عام، وكذلك الشعر.
·
ولماذا الأدب؟ أين الفلسفة والمعارف الأخرى وخاصة وأنك في دولة نهضت
بالعلم والمعرفة والثقافة؟
لماذا
الأدب؟ نتاج هذا الكتاب حدث صدفة، من خلال فرصة حصلت عليها عبر مسابقة "Young Storyteller Award 2023"، التي نظمتها دار النشر "Story.one"، بالتعاون مع مكتبة "Thalia"، والأدب كان الأقرب إلى قلبي، فهو كان طريقاً
لأخرِج من خلاله كل تلك الآلام والقصص من مخيلتي وذهني، لكن اهتمامي بالأدب لن
يكون على حساب اهتمامي بالفلسفة والفن والمسرح وعلم النفس، لكن كمشروع للكتابة
اخترت الأدب.
فأنا
كما قلت في جواب لسؤال سابق أدرس علم التربية والتعليم، وفي المرحلة الثانوية كانت
لدينا مواد متعلقة بعلم النفس، إضافة إلى اهتمامات قبل الدراسة بهذا المجال الشائك
والممتع.
·
هل نرى كتابك مترجماً إلى العربية والكردية؟
كتابي
متوفر في الوقت الحالي فقط باللغة الألمانية. حالياً ليس هنالك فرصة أو خطة ترجمة
الكتاب إلى لغات أخرى.