recent
جديدنا

التحدّيات بين الحياة الافتراضية والواقعية

الصفحة الرئيسية

 



إيمان أحمد

 

اليوم ومن خلال تجربة غير متوقعة على منصة تيك توك، اكتشفت ميزة جديدة في خانة البحث، حيث أظهرت لي هذه الميزة عدد الفيديوهات التي شاهدتها خلال يوم واحد، كانت النتيجة مفاجئة للغاية، وتركت في نفسي شعوراً بالدهشة والتساؤل عن مدى تأثير هذه الظاهرة على حياتنا اليومية. في لحظة من التأمل، تساءلت: إلى أين نحن ذاهبون؟ وكيف سيبدو المستقبل في عالم تتسارع فيه كافة الأمور، وتتزايد فيه الضغوطات النفسية والعاطفية؟

 

لقد أصبح من الواضح أن العصر الذي نعيش فيه يتسم بإيقاع سريع للغاية، حيث أصبحت فكرة التمهل رفاهية لا يمكن للكثيرين امتلاكها. في الماضي، كان من علامات النضج والوعي التأنّي في اتخاذ القرارات والأفعال، بينما اليوم، نجد أن غالبية الناس في سباق مستمر مع الزمن، ومع أنفسهم، من أجل اللحاق بموجة التغيير السريع.

 

إن جودتنا في الحياة اليومية قد تلاشت بشكل غير محسوس، وأصبحت حياتنا أكثر افتراضية من أي وقت مضى فمثلاً عندما أقرر الاستمتاع بفنجان من القهوة، فإنني لا أستمتع برائحته وطعمه كما كان يحدث في السابق. بدلاً من ذلك، أصبح التركيز منصبّاً على التقاط صورة مميزة للمشروب، واختيار أغنية مناسبة، ومن ثم نشر الصورة على منصات مثل انستغرام، في محاولة للحصول على إعجابات وتعليقات. وهذا يعكس حالة من التفكك عن اللحظة الحاضرة، وكأن سعادتنا أصبحت مرهونة بتفاعل الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدلاً من الاستمتاع بتجاربنا الشخصية.

 

ومؤخراً وبينما كنت جالسة مع أحد الأشخاص، لاحظت كيف تحوّلت جلسته إلى مراقبة متواصلة لحالته التي نشرها على صفحته الشخصية؛ يتابع من شاهدها ومن تفاعل معها، وكأن هناك صراع غير معلن على من يفتح حالة من، ومن يردّ بإعجاب مقابل إعجاب، لحظتها أدركت أن هناك نوعاً من صراعات الحالات والإعجابات حيث باتت المعاملة سطحية: فتحتِ حالتي سأفتح حالتك، أعطيتِ إعجاباً، سأردّه لك. هنا توقفت وسألت نفسي إلى أي مدى بلغ بنا التفكير؟ ما هذا المبدأ؟

 

أنا، كشخص لا يشغلني من شاهد حالتي أو من وضع إعجاباً على منشوراتي؛ فالإعجاب بالنسبة لي ينبغي أن يكون صادقاً نابعاً من تقدير حقيقي، لا مجرد ردّ دَين أو مجاملة إلكترونية. هذا المنطق السائد يشير إلى خلل عميق في فهمنا للتفاعل الإنساني، حيث تحوّلنا إلى أسرى لمنظومات رقمية تحكمها معايير سطحية ومؤقّتة.

لقد تحولت حياتنا إلى منافسة غير منتهية، حيث نقارن حياتنا بحياة المشاهير والشخصيات العامة، متجاهلين تماماً الفارق بين الواقع الافتراضي الذي نراه على هذه المنصات، والواقع الذي نعيشه. نحن نعلم تماماً أن هذا النوع من الحياة هو مجرد تمثيل، لكنه لا يزال يؤثر فينا بشكل عميق.

 

أصبحنا نبحث عن الردود السريعة، ونتأثر بمقدار السرعة التي يتلقاها الآخرون في الرد علينا، وكأن هذه الردود هي مقياس لنجاحنا في هذا العالم الافتراضي وفي الوقت ذاته، أصبحنا نحلل كل كلمة وكل «إيموجي – ملصق» بدلاً من أن نركز على تفاعلاتنا الحقيقية، مثل نبرة الصوت وإيماءات الجسد. نحن اليوم نعتقد أننا نتحكم في أجهزتنا الذكية، بينما الحقيقة أن هذه الأجهزة أصبحت تتحكم فينا.

 

نعيش في عالم سريع، مليء بالترندات والمظاهر، حيث يمكن لأي شخص أن يصبح قدوة في لحظة، بفضل قوة وسائل التواصل الاجتماعي. لكن هذا يخلق معايير خاطئة، تتمثل في قيمة الحياة الافتراضية على حساب التجارب الحقيقية، التي يمكن أن نعيشها خارج هذا الإطار الرقمي.

 

لا بد من إدراك أن الحياة الحقيقية هي تلك التي تحدث خارج شاشات هواتفنا، في التفاعل المباشر مع العالم من حولنا. لذلك، ينبغي لنا أن نأخذ وقتنا في كل شيء، وأن ننضج بشكل طبيعي بعيداً عن ضغوط التوقعات الرقمية. لا يجب أن نفعل شيئاً ضد مبادئنا وأخلاقنا لمجرد أن جمهوراً افتراضياً قد يصفق لنا. لأن كل محاولة لأن نصبح غير أنفسنا تفقدنا جزءاً من هويتنا، وفي النهاية قد نفقد أنفسنا بالكامل.

لهذا لا بد أن نعيد النظر إلى أنفسنا، فالحياة الحقيقية ليست في الإعجابات والمشاهدات، بل في التفاعل الصادق مع اللحظة، مع الأشخاص من حولنا، مع ذواتنا، علينا أن نتذكّر النضج لا يُقاس بحجم التفاعل بل بقدرتنا على التمسّك بمبادئنا وعدم القيام بما يتعارض مع قيمنا لأجل تصفيق افتراضي عابر، لأن كل تنازل عن حقيقتنا يكلّفنا جزءاً من هويتنا وقد نفقد في النهاية أنفسنا بالكامل.

 

google-playkhamsatmostaqltradent