-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

لما يتحوّل الحرف الجميل لأداة تنقيب عن الإنسان ككائن إبيستيمي في ديوان رشيد جمال

 

بوزيان موساوي – المغرب / خاص سبا



1.    بطاقة تعريف موجزة:
صدر للشاعر الكردي السوري رشيد جمال عمر ديوان شعر تحت عنوان رسائل منسية على هامش الحب و الوطن.. الكتاب من الحجم المتوسط، 112 صفحة، عن دار فضاءات للنشر و التوزيع. الأردن. 2017 .
الكتاب مبوب إلى جزئين أو فصلين: رسائل منسية على هوامش الحب، و رسائل منسية على هوامش الوطن.
رشيد جمال عمر. الجنسية: سوري. من كوباني الشهادة. إجازة في الفلسفة من جامعة تشرين. له ثلاث مجموعات شعرية:
الحب اليتيم. و ترانيم حب. و رسائل منسية على هوامش الحب و الوطن.
عن أعمق دلالات كتاباته يقول:
كنت أدفن حروف اسمي
المحملة بلون الرمال
لعلي أرقد قليلا على مقعد
يقربني من الحياة.
حتى الموت رسم على الورق
لن أموت على الورق...

2.    حيثيات منهجية:
لقراءة النصوص الأدبية أكاديميا، لا بد من منهجية ذات إطار مرجعي يضفي عليها المشروعية.. و نقصد بها النظريات النقدية التطبيقية المتداولة و المتعارف عليها غربية كانت أو عربية، القديمة منها أو الحديثة... غير أنه لا أستسيغ مطلقا الانطلاق من اختيار منهجية معينة قبل قراءة النص الأدبي، سواء كان قصيرا أو ديوانا أو رواية، و توظيفها كقالب جاهز على شكل جذاذة بتوجيهات لملء الفراغ انطلاقا من المتن المقروء.

قراءتنا للديوان الذي نحن بصدد مقاربته هنا أملت مساءلة العنوان و الإهداء، و هي مقاربة منهجية ممكنة من وجهة نظر سيميولوجية محضة تهتم بفك شفرة عتبة المتن المقروء كنقطة انطلاق.

3.    عتبات النص:
ـ رسائل منسية: هل يندرج الكتاب/ ديوان ضمن جنس الرسائل GENRE EPISTOLAIRE ؟
ـ على هامش الحب و الوطن: هل نحن فعلا أمام أغراض / تيمات شعرية مكتوبة للتغني بالحب و الوطن؟
رسائل منسية: هذا العنوان في حد ذاته لا يحمل جديدا من حيث صياغته و اختيار مفرداته، لقد قرأناه لفيكتور هوغو في القرن التاسع عشر، رسائل كتبها في المنفى و لم تنشر، و إيميلي سيبو في رسائلها المنسية التي أرخت أدبيا لأحداث عاصرت الحرب العالمية 14 ـ 18 .. كما وظفت بنفس المفردات و الصياغة من لدن كتاب من الجيل الحديث مثل صيام زياد صيام كعنوان لقصيدة عن القدس و صوفيا سليمان كعنوان لديوان لها...
و مفاد ملاحظتا ليس مآخذة الشاعر رشيد جمال عمر على اختياره لعنوان مستهلك، بل لكوننا رأينا شخصيا في عنوان رسائل منسية ما قد يأخذ مقام جنس أدبي، أو فرعا له.. حتى قد يمكن تصنيف نص شعري أو رسالة أدبية و غيرهما في خانة الرسائل المنسية، تماما من الناحية الشكلية مثل ـ قضايا محفوظة ـ affaires classées ـ المعروفة في جنس الرواية البوليسية... و هذا ما فهمناه من الشاعر لما ذيل رسائل منسية بعنوان فرعي: على هامش الحب و الوطن.
و أملت علينا قراءة العتبة أيضا مساءلة الاهداء، نقرأ:
الإهداء
«إلى إنسانية الإنسان
Justin Trudeau».

خرج الشاعر رشيد جمال عمر في إهدائه عن المألوف، إذ بدل إهداء ديوانه لشخص أو أشخاص ذاتيين أو معنويين كما العرف، اختار مقولة لجوستان ترودو ليكون المرسل إليه أو المهدى له لها صفة مشبهة ذات بعد سيكولوجي و فلسفي و إيديولوجي: إنسانية الإنسان.

و اختيار الشاعر جمال رشيد عمر لهذا الاهداء كعتبة ما قبل النص في رسائل منسية على هامش الحب و الوطن لم يكن اعتباطيا و لا من قبيل الصدفة.

الإهداء يحمل ثلاثة رسائل:
الأولى فلسفية بامتياز تكشف غياب صفة الانسانية و تحيل إلى فلسفة الأنوار للقرن الثامن عشر الأوروبي التي غلبت عليها النزعة الانسانية و المثل الانسانية العليا في زمن ساد فيه النظام الفيودالي الاقطاعي و استعبد فيه الإنسان...

أما الرسالة الثانية فهي لا شك إيديولوجية ـ سياسية هادفة و مشفرة منطلقها اختيار مقولة لجوستان ترودور... و هو شخصية سياسية راهنة و وازنة و فاعلة في المشهد السياسي الكندي بحكمه تقلد منصب رئيس الحكومة الكندية... و سبب اختيار هذه الشخصية قد يكون مرده كون هذا الرجل مرجع سياسي في ما يخص نظام الحكم الفيدرالي الذي يطالب به عدد لا يستهان به من أكراد سورية ـ جمال رشيد عمر كردي سوري ـ أي الاستقلال الذاتي داخل نظام فدرالي يؤمن بالتعددية العرقية و الدينية و الطائفية و العقائدية و السياسية... كردستان سورية.

والرسالة الثالثة قد تكون موجهة للقراء ـ المتخصصين منهم على وجه التحديد ـ قد يكون مفادها دعوة لتبني منهجية قراءة لا تبحث عن جمالية الحرف لجماليته كغاية و إنما لقراءة المسكوت عنه كخطاب يترجم رسائل شاعر حامل لهم قضية و وطن..

شاعر يوظف سلاح الحرف الجميل للتنقيب عما تبقى من الإنسان داخل الإنسان السوري هنا / الآن.. و من ثم عنوان مقاربتي للديوان:
لما يتحول الحرف الجميل لأداة تنقيب عن الإنسان ككائن إبيستيمي.

4.    مفاتيح الكتاب – الديوان:
و لأجل تضاعيف أكثر عن موضوع مقاربة الديوان، اخترنا مجموعة مفاتيح قد تفتح لنا مخزون الأدوات اللغوية و الأسلوبية و المفاهمية المباشرة و المشفرة التي اعتمدها الشاعر، و من بينها:


4 ـ 1 ـ لما تتحول الأنا المفروض أنها فاعلة إلى ذات مشلولة مفعول بها:
نقرأ:
ماذا أقول...؟
للقلم الذي يكتبني
بلهيب الوجد يحرقني
في وهاد الحب يرميني
و لا يتركني !!
ماذا أقول...؟
للقميص الذي يلبسني
المعطف الذي يخنقني
و ساعة يدي
التي يئست من يدي
و توقفت عن الصراخ في معصمي...

القلم هو سلاح الشاعر و المفكر و المثقف و المؤرخ و الصحفي و رمز لحرية التعبير عن المواقف.... و القميص رمز للستر و الرزق و العيش الكريم و الاستقرار الاجتماعي و النفسي.. و المعطف رمز للانتماء العرقي و الديني و السياسي و الفكري.. و الساعة رمز للزمن و للظرفية و للتاريخ...

استعملت تركيبيا في الجمل بصيغة الفاعل و هي في الأصل مجرد أدوات وظيفية أصلها جماد و هي ذوات غير عاقلة مجردة من وظيفة الفعل، لأنها مفعول بها... بينما تظهر الأنا العاقلة ـ ذات الشاعر ـ سلبية و منهزمة و خنوعة تخضع للفعل و لا تفعله... ظاهرة أسلوبية تشبه إلى حد بعيد تمثل بناء القصيدة السريالية التي تعتمد ما يسمى بالكتابة الأتوماتيكية.. نقرأ لفؤاد الكلجي ـ الحوار المتمدن العدد 5310 بتاريخ 10/10/2016:

فالقصيدة (السريالية) شكلت علامة فنية مميزة في مفهوم الحداثة و في التوجه صوب الكتابة (الأوتوماتيكية) التي تجوب في أعماق الذات والتي تجوس عبر الأحلام، وحالات الجنون والهذيانات التي تستشف همومها في أعماق النفس الواعية واللاواعية و التي تقهر الواقع عبر المفارقات والتناقضات والسخرية والكتابة (الأوتوماتيكية) التي لا تعير أي اهتمام بقواعد المنطق أو اللغة، وهذا الأمر لا يمثل نوعا من العبث ، قدر ما يمثل موقفا فكريا، ورؤيا مختلفة نحو العالم والمجتمع.

و نستشف من هذا أن الشاعررشيد جمال عمرليس متشائما و انهزاميا يكرس سياسة القبول بالأمر الواقع و فقه الذل وثقافة الخنوع، كما قد يبدو، لأن المسكوت عنه قد يكون عكس ذلك تماما، و كأن لسان حاله يقول:
لقد حان الوقت، ومنذ آماد بعيدة لانزعاج القلوب، وما زال في الوقت مُتسع للإنتباه، وما زال في الأمة قدرة على القومة والنهوض برغم عمق الجراح وغزارة الدماء النازفة... لكنه لا يعبر عن ذلك بشعر حماسي تقليدي كما عند أبي القاسم الشابي... بل اختار التموقع في منعطف بين الشك و اليقين بين الوجود و العدم، بين التشاؤم و التفاؤل... نقرأ:
ما زلنا نتخبط
بين المسافة و الفراغ
اللذين يمضيان بنا
فننحني للشؤم مرة
و للوجود مرة
نحضن المكان
الفراغ
الزمان
نصرخ بلذة الانتصار...

هكذا تنتقل لعبة الكتابة ـ بالمفهوم السريالي ـ من الذات الفاعلة ـ الأشياء ـ للمفعول بها ـ الأنا ـ إلى ذات مخاطبة وهمية ـ أنت ـ إلى وصف كينونة بصفة الجمع ـ نحن ـ... ظاهرة استدعت منا التوقف عند حرقة سؤال الكتابة و لعبة الأنا و الأنت.
4 ـ 2 ـ حرقة سؤال الكتابة و لعبة الأنا و الأنت:
نقرأ:
والأقدام أدمنت على شقوق الأحذية
و ـ الأنت ـ في خجل طفولي
ينحني للحياة
و الأنا..
خلف ظل الأحذية المشنوقة
على عتبة الموت
الذي يتسلل خلف ظل أنفاسها العطشى
فما الذي يخيفك.. ؟
يا سيد الأحذية
إن كان الموت يتسلل كل ساعة
بين شواطئ حذائك.

هي لعبة الأنا و الأنت لكن، ليس بالشكل الذي عهدناه مع نظريات التلفظ Théories de l’énonciation التي اعتمدها التحليل البنيوي لبنى النصوص مورفولوجيا و تركيبيا... نحن أمام تقنية لجأ إليها الشاعر رشيد جمال عمر لمسرحة المشهد الدرامي ـ مسرح العبث ـ في القصيدة الحديثة.. فبدلا من صوت الشاعر المنفرد، يزدحم النص الشعري بالأصوات... الثابت المتكرر ـ أنا ـ الشاعر، و المتحول بؤرتين تتغير صفتهما على طول الديوان... بتداخل هاتين البؤرتين المتحولتين يتكون المشهد الشعري / الدرامي للنص الشعري، أفقيا بحقل دلالي مكون من مفردات و عبارات دالة على العناصر المؤثرة في ذات ـ الأنا ـ الشاعر، و عموديا بحقل دلالي مواز مكون هو الآخر من مفردات و عبارات دالة ردود أفعال ـ الأنا ـ كذات تبدع شعرا من إفراز واقع.
و من ازدواجية هذه البؤر اخترنا من الديوان بؤرتي الاستفهام و الأنا/ الكائن الإبستيمي، و بؤرتي الأنا و الأنت / القصيدة، و بؤرتي الأنا و الأنت / الحبيبة، و بؤرتي الأنا و الأنت / الوطن و بؤرتي الأنا و نحن / المصير المشترك.
أ ـ الاستفهام و الأنا ـ كائن ابستيمي ـ :
نقرأ:
قلبي أنا...
شتاء احترق في الرماد
و مضت الأنفاس إليك
كمطر يبحث عن ذاته
و الشوارع ترسم أرصفة
مبللة.

ب ـ الأنا و القصيدة ـ بطاقة هوية :
نقرأ:
تفاصيلها الصغيرة تستعذبني
كل حرف من اسمها يقذفني
في فضاء الشعر
و كل قصيدة ترتب جنازتي
على وزنها...

ج ـ الأنا و الأنت ـ الحبيبة ـ :
نقرأ:
ماذا أقول...؟ !
إني عشقت الانتظار في هواك
أمطرت الشوارع بأوراقي
زرت كل المقاهي
و رسمت صورتك على كل طاولة لمستني
و فنجان احتساني
لكنك لم تأت !!

د ـ الأنا والأنت ـ الوطن ـ:
نقرأ:
على نهدي الأيمن
مرسوم رفات
و الأيسر وطن يعاني الازدحام
العابر إلى نسق الوجود
المشرد بين ثناياه...

ونقرأ:
كم تشبهين هذا المكان
الذي تحرر منك
و كم مرة سأحطم سلة مهملاتي
و أقذف بمعطفي الرث !!!
لا شيء هنا..
فالمكان قابل للرحيل.

هـ ـ الأنا و نحن ـ المصير المشترك ـ :
نقرأ:
وأنا و الرسائل
ما زلنا على هوامش الحب
نبحث عن عنوان...
تعديل المشاركة Reactions:
لما يتحوّل الحرف الجميل لأداة تنقيب عن الإنسان ككائن إبيستيمي في ديوان رشيد جمال

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة