بانكين
عبد الله
الثنائية بعد إدراكها كحقيقة بنيوية في
العلاقات التكافلية لكل الموجودات الكونية، المادية منها والمعنوية، والتعاطي
النظام الرأسمالي مع هذه الحقيقة. ثنائية: (المعارضة / الموالاة، والإرهاب /
المقاومة). ثنائيات تتناسب ومصالحها السياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي
المهيمن.
أصبح
مما لا شك فيه أن هذه الحقيقة الكونية هي بنية الحياة لكل الموجودات المادية
والمعنوية كنظام يضمن ديمومة كل منها بعلاقات تكافلية باختلاف النسبية فيما بينها.
الكل يكمل ويكتمل مع الآخر، ينهي وينتهي مع الآخر، يزداد بنقصان الآخر وينقص
بنقصان الآخر.
حالة
من الدراماتيكية تسود العلاقات الكونية هذه وتنفرد كل منها بخصوصية عن غيرها
لتلتقي بالكليات معها في نفس المضمار، تشبه بشكل كبير جدلية هيجعل وتتداخل تماماً
مع نسبية "أنشتاين" في قوله: "الشيء واللاشيء نفس الشيء"؛
بالنسبة للخصوصيات والعموميات لكل ثنائية جمعاً أو فرادى.
ومن
هذا المنطلق وادراكاً لهذه الحقائق البنيوية للحياة الاجتماعية أسست النظام
الرأسمالي قواعدها وأرصفتها على هذه الأرضية غير القابلة للهبوط ومعالمها العويصة
عن التفكك والواضحة كل الوضوح في آن معاً مستفيدة من تناقضاتها وتضاداتها البنيوية
ووظفتها في مصلحتها الرأسمالية وبنت عليها مصالحها السياسية والاقتصادية لتؤمن
ديموميتها مع الحفاظ على الدياليكيتيكية في العلاقات التكافلية لكل الثنائيات منها
على حدى، كالأقوام والأعراق والاثنيات واللغات والأجناس والأديان والمذاهب.. الخ،
من ثنائيات متناقضة ومقابلة ومن تضاديات مكملة ومتباعدة، مشكلة بذلك وحدة الأضداد
والتضاد المضاد لنظامها الرأسمالي.
وللنفاذ
من هذه القواعد البنيوية باعتبارها حقائق كونية تتغير وفق المعطيات المرحلية مع
"الزمكان" متداخلة فيما بينها بحساب الجدلية الهيجلية بين الماضي
والحاضر والمستقبل، فقد أتقنت وببراعة خلق المضاد لنفسها وحافظت على التوازن في
هذه الثنائية لعقود، ولكنها لم تتمكن من النجاة الكلي منها، بحكم أن هذا النظام
الكوني مبني على الثنائية ولا يوجد فيها كلي دون الجزئي.
وبهذا
أخطأت في حساباتها عندما غفلت عن الثنائيات اللاتضادية باعتبار أن التضادية
ثنائيتها اللاتضادية. وهذا بحسب "عبد الله أوجلان" أيضاً في قوله: "أن الموجودات الكونية
جميعها مبنية على التضاد وتحمل التضاد في جوهرها فاللاتضادية تعني العدم المطلق،
والعدم المطلق يعني اللاوجود، وبما أن لا وجود للاوجود؛ فهذا يعني أن لا وجود لعدم
مطلق".
وبهذا
فقدت الرأسمالية السيطرة على الثنائيات وباتت في مواجهة معها بعد أن كانت تتحكم
فيها، بل وأصبحت هي المتحكمة بالرأسمالية. وذلك بسبب تحليلاتها العلموية المعتمدة
على الجزئية والكلية والقياس الجمعي والفردي للمادة متناسية دور المعنى الرئيسي في العلاقات التكافلية
للثنائيات. وبهذا أخطأت حساباتها على المدى البعيد في التوقعات والنتائج التي ستصل
إليها الثنائيات عندما تدخلت فيها وحورتها عن مسارها وخلقت ثنائيات بحسب نتائج
أبحاثها العلمية والعلموية لخدمتها، ولكن عندما كبرت على حساب الآخر من هذه
الثنائيات كانت قد تغافلت عن أنها بذلك تنقص لأن علاقة الثنائيات علاقة طردية
وتناسبية.
أي
عندما تنقص أحد كفيَ الميزان أو تثقل ستتسبب في دمار أو سقوط الطرف الآخر بحساب
الثنائيات الكونية، والديمومة هنا متعلقة فقط بالتوازن بين كفيي الميزان مع حساب
الزمن وقدرة كل ميزان (ثنائية) على البقاء في نفس الوضع والحجم والثقل. وغاب عن
الرأسمالية بأن المتحكم بالمعادلة، معادلة التوازن هذه هو القانون الزمكاني المبني
على التغيير المستمر والتحول الدائم من الشكل إلى المعنى بعملية دياليكيتيكية
مشكلة في ذلك ثنائية غير ثابتة وثابت متغير في آن معاً.
دعوني
أوضح ما قصدته بثنائية (الإرهاب / المقاومة)، بعيداً عن رأيي فيها وأنها فعلاً لا
تشكل تضاداً بنيوياً بالمعنى المباشر. فهما فعلاً لا يشكلان التضاد وإنما
الرأسمالية بحساباتها تلك جعلت منها تضاد بناءً على ما ورد أعلاه بأنها خلقت (صنعت / ابتكرت) بعض الثنائيات
وحورت بعضها الآخر عن مسارها لتصب مجراها في برك مصالحها الاقتصادية والسياسية.
دعوني
أعطيكم مقاربة حول الخلاف والاختلاف، أو الاتفاق واللاتفاق، أوضح فيها وجهة نظري
من فرضيتي هذه (الإرهاب / المقاومة) بشكل رياضي:
"الرقم
6 والرقم 9 باللغة الأجنبية".
لو
قمنا برسم رقم 6 أو 9 على الأرض وتصورنا
نقاش يدور بين أربعة أشخاص يتوزعون حول هذين الرقمين على الاتجاهات الأربعة (يمين،
يسار، أعلى، أسفل) عن صحة وخطأ رأي كل منهم عن الرقم، هل هو 6 أم 9؟ باعتبار توافقهم من حيث الشكل باختلاف
الاتجاه من الأعلى وإلى الأسفل بين الرقمين.
فمثلاَ
لو وقفنا إلى الجانب الأعلى من الرقم 6 ونظرنا إليه لتبين لنا أنه الرقم 9، ولو
وقفنا إلى الجانب الأسفل من الرقم 9 ونظرنا إليه لتبين لنا أنه الرقم 6. ومن يقف
على اليمين واليسار من الرقمين سيتخلفون مع بعضهم ويتوقف كل منهم مع أحد الواقفين
على أحد جوانب الأرقام من الأعلى ومن الأسفل وهكذا دواليك.
ولكن
لو سألنا هنا عن صحة وخطأ رأي كل منهم، ترى مَن منهم على الصواب ومن منهم على
الخطأ؟ هل الرقم هو 6 أم 9؟! أعتقد بأن الجواب سيكون، الكل على الصواب والكل على
الخطأ، اثنان منهم متفقين ونفسهم مختلفين
مع الثنائي الآخر المتفقين بدورهم في الطرف الآخر.
إذاً
ما الحل (الإرهاب أم المقاومة، 6 / 9)؟
هنا،
ترى كيف يمكن حل هذا الخلاف، ولمَن ستكون الغلبة في الأخير عن صحة رأيه، وهل هناك
غالب ومغلوب أصلاً في هذه القضية، قضية الاختلاف؟!
حسناً.
ماذا لو استبدلنا الرقم 6 والرقم 9 بنفس الأرقام ولكن من لغة أخرى كالعربية مثلاً،
ألن يزول الخلاف؟!
ولكن
لو قمنا بعملية الاستبدال هذه هل ستحل القضية؟
وهل
يصح الاستبدال في الأرقام بين اللغتين كحل لهذه القضية أصلاً أم لا؟
نعم
قد يحل الاستبدال بين الأرقام من لغتين مختلفتين القضية، لأن الأرقام من حيث
القيمة الحسابية لم تتغير إنما تغير
الشكل، ولكن تغيير الشكل هذا سيحدث خلافاً جديداً؟ لأنه لو كانت الأرقام مكتوبة
بالعربية أساساً لما وجد خلاف؛ لأنه لا شبه أصلاً بين الأرقام 6 / 9 في اللغة
العربية حتى يحدث الخلاف الذين سيحدث في حالة لو أن الأرقام مكتوبة باللغة
الأجنبية.
ويعني
هذا أن الخلاف كان أساساً على الشكل، ولكن ألا يؤدي الخلاف على الشكل غالباً إلى
الاختلاف على القيمة؟! باعتبار أن الشكل يرمز للقيمة خصوصاً في حالة الأرقام
المكتوبة بالأجنبية هذه.
إذاً
ما الحل هنا؟
الحل
هنا هو في المفارقة الجدلية التي طرحناها بشكل رياضي للاستدلال على التضاد بين
قيمتين مختلفتين من حيث الشكل وهما (المقاومة والإرهاب، المعارضة والموالاة).
القيمة القتالية من حيث الخطة، الجهد، العناصر، الأدوات واحدة؛ ولكن من حيث الهدف
والمعنى؛ القيمة مختلفة تماماً. وعلى هذا الوتر والاختلاف لعبت الرأسمالية بمصير
الشعوب بجعل (المقاومة / الإرهاب، الموالاة / المعارضة)، تضاداً تخدم مصالحها
السياسية والاقتصادية من خلالهم. بمعنى خلقت ثئانية مضادة لتتقاتل الشعوب فيما
بينهم وتستفيد هي من هذا الاقتتال ببيع منتجاتها وفرض سيطرتها على أكبر مساحة
ممكنة وأكبر عدد بشري تحركهم وتستخدمهم وقت وكيفما تشاء.
لا
يمكن اعتبار الإرهاب والمقاومة من الثنائيات المتناقضة أو المتضادة لأنهما يشكلان
مفهوماً متعلقاً برؤية الذات وموقفها من الناحية السلطوية تجاه الآخر المعارض أما
من ناحية الجوهر فلا تضاد بنيوياً بينهما.
أما
تعاطي الرأسمالية مع الثنائيات وفق مصالحها السياسية و الاقتصادية فليس حكراً على
الرأسمالية فقط فالأمر يرجع إلى وهم إيديولوجي عام وهو وهم امتلاك الحقيقة. لننظر
في النقيض، الإيديولوجية الشيوعية قتلت الملايين في الصين والاتحاد السوفيتي من وراء
فهم محدد للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي فلم تترك مجالاً للديالكتيك أو تناقض
الأضداد كان كل همها بناء مساواة اجتماعية والقضاء على الطبقية، لكن المساواة كانت
هشة لأنها قامت على أنقاض ثنائيتها المكملة "الحرية" فأي تطور
اجتماسياسي له ركيزتان الحرية والمساواة دون أن نغفل استحالة تكوين مساواة شاملة
في كل الإيديولوجيات لأسباب عديدة منها تقسيم العمل والعوامل الذاتية والموضوعية
في الأشخاص والمجتمعات.
وفي
المحصلة الإيديولوجية الرأسمالية كانت نتيجة تفكير معمق وجدي للتاريخ ووسائل
الإنتاج وبنية المجتمع والاقتصاد مرت بأربعة قرون من الفكر والفلسفة حتى وصلت إلى
شكلها الحالي. الرأسمالية جاءت بإيديولوجيتها تلك بناءً على دراسات وتجارب قامت بها عبر الزمن بغض النظر عن الخطأ المتوقع
بل والمؤكد حدوثه مستقبلاً، لأنه لا ثابت في الكون وكل شيء متغير باستمرار،
فلا كامل طالماً هناك ناقص في المقابل،
ثنائية (الزيادة / النقصان).