-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

صالح بوزان لموقع «سبا»: الاستعمار هو المسؤول عن تشتّت الأدب الكردي



حاورته: تارا إيبو / خاص سبا



صالح بوزان خميلة مزينة بزهور أدبية من مختلف الحضارات .
أخذني برحلة عبر ذاكرته الغنية بالشعر والرواية والقصة و أدخلني إلى صالون الأدباء من العالم العربي إلى الكوردي و العالمي حواره تفوح منه مختلف العطور الأدبية .... و في صمت حديثة كان يقدم لي أقحوانه برائحة الربيع من الأدب الروسي و السوفيتي .

س1 - الأديب صالح بوزان بمن تأثر في بداية مشواره الأدبي حبذا لو تحدثنا عن نفسك ومتى بدأت بالكتابة و ما سبب الهجرة إلى المانيا ؟

ج-1. ولدت عام 1951 في قريتي شويتي التابعة إدارياً لمدينة تل أبيض في محافظة الرقة. كنت في طفولتي شقياً أطارد العصافير وأنبش جحور العقارب وألعب Çirrê, Hîvlotikê, Çavqurçonekê, Holiyê, Tarşê, qîttê, û bi Gorlan. كنت أرعى الخراف والماعز ولذلك أعرف كل بقعة من الأرض في منطقتنا. درست الابتدائية في قرية بندرخان التي تبعد عن قريتنا حوالي أربع كيلومترات شمالاً. نجحت في امتحان الابتدائية في المرتبة الثانية على منطقة تل أبيض. ثم درست الاعدادية في مدينة الرقة ونجحت في فحص البروفي في المرتبة الثالثة على المحافظة. درست الثانوية في حلب وكذلك سنتين في الجامعة قسم اللغة العربية وآدابها. ثم ذهبت ببعثة دراسية على حساب الحزب الشيوعي السوري إلى الاتحاد السوفيتي. حصلت على دبلوم ماجستير في الاقتصاد الدولي من جامعة كييف عام 1978. بعد العودة للوطن توظفت في معامل الدفاع في منطقة السفيرة شرقي حلب، استلمت فيها مكتب الامداد من الاتحاد السوفييتي والبلدان الاشتراكية. في عام 1997 انتقلت إلى مديرية الآثار في حلب. استلمت الشعبة القانونية وفيما بعد أصبحت أمين متحف الفن الحديث لغاية تقاعدي نهاية عام 2010. أنتسبت للحزب الشيوعي السوري عام 1968في مدينة الرقة وتركت الحزب نهاية عام 1999.
بدأت بقراءة الأدب منذ الصف الخامس الابتدائي. أتذكر أولى الكتب التي قرأتها حينها ألف ليلة وليلة، فيروز شاه، الملك سيف بن زيزن. كانت لغتي العربية ضعيفة جداً ولم أكن أفهم كل المفردات والتعابير، لكنني كنت أعاند في القراءة عندما انتقلت إلى مدينة الرقة لدراسة الاعدادية تكونت لي صداقات مع بعض الشباب العرب الذين لديهم ميول أدبية، وأصبحوا فيما بعد كتاباً مشهورين في سوريا مثل الشاعر والروائي ابراهيم الخليل، والشاعر ابراهيم الجرادي، والأديب عبد الله أبو هيف أتذكر أننا شكلنا نادي "أصدقاء القصة القصيرة" ونشر الاعلان عنه في مجلة القصة المصرية في هذه المرحلة قرأت مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي ونجيب محفوظ وعبد الحليم عبد الله وجرجي زيدان ونزار قباني ومصطفى صادق الرافعي وعبد السلام العجيلي وجبران خليل جبران وغيرهم.
انتقلت إلى مدينة حلب لدراسة الثانوية، ومن ثم درست سنتين في جامعة حلب قسم اللغة العربية وآدابها قبل أن أسافر إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة عام 1973. تكونت لي في حلب صداقات مع مجموعة شباب أصبحوا كتاباً مشهورين أيضاً في سوريا. منهم محي الدين اللاذقاني وعبد الرزاق عيد والروائي محمد أبو معتوق. ازداد في هذه المرحلة اهتمامي بالأدب وخاصة بالشعر. كانت أولى كتاباتي في الشعر قصيدة نشرتها لي مجلة سورية كان اسمها "الطليعة الأسبوعية" في باب "أدب الشباب". أتذكر أن المحرر كتب لي ملاحظة في النهاية يمدح القصيدة ويشجعني على الاستمرار.
كانت لي محاولات كتابية منذ المرحلة الاعدادية على شكل مذكرات يومية ما زلت أحتفظ بدفتر فيه بعض تلك الكتابات عندما أعود اليوم إلى تلك الكتابات أرى أن أغلب مادتها حول الحياة والوجود والحب والسعادة والموت كانت تلك الكتابات مكتوبة بلغة عربية ركيكة ومليئة بالأخطاء القواعدية والاملائية، لكنها تعكس ومضات من الفكر الوجودي
لا أستطيع أن أحدد اليوم بمن تأثرت من الأدباء كان تأثري دائماً بنوعية المادة التي أقرأها ففي مجال الرواية أعجبت كثيراً برواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ مع أني قرأت كل رواياته أعجبت بأغلب قصص يوسف ادريس تابعت كل قصص زكريا تامر، ويعجبني عالمه الخيالي وأسلوبه كنت أهتم أكثر بالروايات العالمية وخاصة الرواية الروسية والفرنسية في مجال الشعر أعجبت بالشاعر الجاهلي طرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى أعجبتني كثيراً مرثية مالك بن الريب للبحتري وقع خاص عندي أكثر من المتنبي، وخاصة قصيدته "ايوان كسرى" قرأت أغلب الشعر العربي الحديث كان بدر شاكر السياب رفيقي لفترة طويلة هناك شاعران لا أمل حتى الآن من قراءة أغلب دواوينهما، وهما عبد الوهاب البياتي وأدونيس رغم أنهما على طرفي نقيض عندما أقرأ عبد الوهاب البياتي أشعر أنني أنزلق لعالم السحر الشرقي وأساطير ألف ليلة وليلة ترجمت له ديوان "قصائد حب على بوابات العالم السبع" إلى اللغة الكردية أما أدونيس، فبالرغم أنني أعترف عدم فهمي لكل ما يكتبه، لكن هذا الشاعر خلق زواجاً استثنائياً بين الفلسفة والشعر هناك شعراء لم يعجبني في شعرهم سوى ديوان واحد مثل محمد عمران فقد أعجبت كثراً بديوانه "الملاجة" يمزج الشاعر في هذا الديوان الوجد الصوفي والحنين الممزوج بالألم للطفولة وذكريات الأم أعجبت بديوان "خطوات في الغربة" لبلند الحيدري. قرأت كل دواوين نزار قباني. لكنني لم أعجب سوى بديوان واحد له " يوميات امرأة لا مبالية"، وترجمته للغة الكردية أعجبت بالشاعر أمل دنقل. قرأت الشعر الكردي الكلاسيكي. أعجبتني كثيراً ملحمة "مم وزين" لأحمد الخاني. أثار اهتمامي فقي طيران وبابا طاهر الأورياني أما في الشعر الحديث فأعجبني شيركو بيكس وأحمد حسيني
لم تكن هجرتي لألمانيا متوقعه في سنة 2012 أزداد القصف على حينا في السريان الجديدة من قبل المعارضة كانت القذائف تقع على الأبنية توجد في حينا ثكنة طارق بن زياد العسكرية و هي في الأصل ثكنة فرنسية قديمة كان تبادل القصف بين الثكنة والمعارضة مستمراً وخاصة في الليل كنا أحياناً لا نستطيع النوم من صوت القذائف لم تعد أبنتي تستطيع متابعة الدوام في الجامعة فتم قصف كليتها ... خفنا عليها ولا سيما بعد حوادث خطف بنات الجامعة وأغتصابهن من قبل ما سميت حينها بالشبيحة سافرنا إلى قريتي شويتي من هناك سافرنا إلى تركيا بقينا عدة شهور في تركيا بعث لنا عديلي من كردستان العراق دعوة لزيارة كردستان باسم مهندس كردي عراقي عشنا في كردستان العراق عدة شهور لم أستطع إيجاد عمل وكذلك زوجتي من أجل المعيشة هناك ولم يكن ما تتقاضاه أبنتي من العمل يكفي لأجرة السكن والمعيشة لنا نحن الثلاثة ... أخي يعيش في ألمانيا منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي قام بتسجيل أسمائنا في وزارة الخارجية الألمانية التي فتحت المجال للجوء السوريين إلى المانيا وهكذا في عام 2014 حصلنا على الموافقة وجئنا إلى ألمانيا .



س2 - كيف تخطيت حاجز اللغة و الكتابة باللغة الكوردية بقلم فولاذي و بحرفية عالية علماً لا تتوفر مدارس تعليم اللغة الكوردية في سوريا ؟

- علاقتي مع اللغة الكردية لها خصوصية عندما ذهبت إلى المدرسة الابتدائية لم أكن أعرف كلمة عربية واحدة وكان التلاميذ العرب يسخرون مني، ومنهم الشاعر والصديق العزيز ابراهيم الجرادي الذي توفي منذ شهر لغاية عام 1994 لم أكن أستطيع القراءة والكتابة باللغة الكردية كان العمل السياسي يستهلك كل وقتي لم يكن بين أصدقائي الكرد داخل الحزب الشيوعي السوري وخارجه من يتقن القراءة والكتابة باللغة الكردية تعرفت على ماموستا علي جعفر المقيم حالياً في ألمانيا كانت له مكتبة في الأشرفية في حلب يبيع فيها القرطاسية، وبشكل شبه سري بعض الكتب الكردية أشتريت من عنده عدة كتب وهو بالذات دلني على مكتبة أخرى وقال أنها تحوي كتب كردية أكثر وهي مكتبة ماموستا محمد حمو تكونت صداقة بيني وبين ماموستا حمو أشتريت من مكتبته نصف الكتب الكردية الموجودة في مكتبتي بحلب كان يقوم بجهد كبير على صعيد تأمين الكتاب الكردي فعندما يحصل على كتاب كردي، يقوم بنسخه وتنظيم عدد من النسخ منه وبيعها لمن يرغب
منذ البداية أدركت أن تعلم القراءة والكتابة باللغة الكردية يستوجب تعلم قواعد اللغة الكردية أولاً لكنني لم أجد كتاباً بقواعد اللغة الكردية له مصداقية فالكتب التي حصلت عليها كانت عبارة عن محاولات في القواعد في عام 1995 قدم لي أبن عمتي فؤاد، وكان طالباً جامعياً في حلب، كتاب قواعد اللغة الكردية لجلادت بدرخان ترجمة ماموستا دلاور زنكي عندما تصفحت الكتاب وجدت أن جلادت يتبع منهجاً علمياً أكثر شمولية في قواعد اللغة الكردية وقفت على هذا الكتاب ثلاثة شهور أقرأ فصلاً فصلاً واستخلص الكثير من القضايا المفصلية في اللغة الكردية وأكتبها على دفتر خاص أراجعه بين حين وآخر.
عندما أنهيت هذا الكتاب شعرت أن استيعابي لقواعد اللغة الكردية وإملائها أصبح يوازي تقريباً مستواي لقواعد اللغة الروسية بدأت حينها البحث عن الكتب الكردية للقراءة فالقواعد وحدها لا تمكن المرء من الكتابة لا بد من أمتلاك فضاء اللغة، وهذا لا يتم إلا من خلال قراءة الأدب الكردي في البداية عانيت من الحصول على الكتب وكانت تلك التي أحصل عليها مكتوبة بلغة ركيكة ومضامين ساذجة قرأت رواية "الجبال المروية بالدم" لبافي نازي وقصة "عبدالي زينكي" و"ظل الحب" لـــ محمد أوزون لم أجد في هذه الروايات رصانة في اللغة ولا بنية روائية حديثة كان المرجع الأول لي هو الشعر الكردي الكلاسيكي قرأت ملا جزيري وأحمد خاني وفقي تيران وبابا طاهر استفدت كثيراً من كتاب "أنتولوجيا الشعر الكردي" حصلت عليه من مكتبة ماموستا محمد حمو ثم حصلت على دواوين جكرخون لم يثير أهتمامي جكرخون كثيراً ففي دواوينه الأربع الأولى نجده مجرد مقلد للكلاسيكيين الكرد أما دواوينه الأربع الأخيرة والتي كتبت على نمط الحداثة نوعاً ما فهي مجرد شعارات سياسية لا تملك عمق شعري لكنني أستفدت كثيراً من دواوينه الثلاث الأولى ففي هذه الدواوين حصلت على كمية هائلة من المفردات الكردية التي لم أكن أعرفها في السابق، ونظمت بها قاموساً عربياً- كردياً خاصاً
عندما بدأت الكتابة باللغة الكردية ظهرت أمامي صعوبة جديدة، وهي تركيب الجملة وحرية صياغة الفكرة كردياً فكلما كنت أكتب شيئاً وأعود إليه بعد أيام أجد أنني لا أفهم ما كتبته، كان واضحاً أنني أفكر بالعربي وأكتب بالكردي، ولذلك تتكون الجمل مشوهة تذكرت نصيحة لمعلمتي في اللغة الروسية، حيث قالت لي مرة: لن تستطيع الكتابة باللغة الروسية إذا لم تترك التفكير بالعربية وتبدأ التفكير بالروسي أتخذت قراراً أن أترك الكتابة باللغة العربية لمدة ستة شهور على الأقل، وأتفرغ للكتابة باللغة الكردية فقط أشتريت دفتراً وبدأت الكتابة على شكل مذكرات يومية بنفس اللغة التي كانت تتحدث بها أمي وأتحدث معها ومع أخواتي بدأت أكتب القصص التي كانت ترويها لي بنفس لغتها، كانت كتاباتي في البداية بسيطة وساذجة من حيث المحتوى والأسلوب، لكنها كانت صحيحة من حيث تركيب الجمل، وعندما كنت أعود لقراءتها بعد فترة من الزمن كنت أفهم ما كتبته عندئذ أدركت أنني أسير على الطريق الصحيح .
كنت أملئ دفتراً بحجم 400 صفحة على مدار السنة، لدي اليوم خمس دفاتر من تلك المرحلة وهي مليئة بأجمل الذكريات بالنسبة لي أصبحت هذه الدفاتر فيما بعد مصدراً للعديد من القصص والقصائد الشعرية والترجمات من تلك المادة أستخرجت مجموعتي القصصية الاولى بعنوان "Lawo"


وهناك مجموعة ثانية غير مطبوعة أستخرجت أغلب قصصها من هذه الدفاتر أيضا

;كما أستخرجت منها ديواني الأول باللغة الكردية بعنوان "Koçberî karê te bû"

والعديد من المقالات الفكرية والفلسفية التي نشرتها في مواقع كردية مختلفة وهكذا حدث عندي أنقلاب في التوجه فصرت أرغب كتابة الأدب باللغة الكردية أكثر مما أكتبه باللغة العربية والآن أعاني مشكلة معكوسة في اللغة العربية أغلب أخطائي في هذه اللغة تنتج لكوني أفكر أحياناً بالكردي وأكتب بالعربي فتتكرر عندي حالة تقديم الفاعل على الفعل وحالة وضع الفعل في نهاية الجملة العربية وهذه خاصية باللغة الكردية .
كانت معلمتي الروسية تقول لي أنّ تعلّم أية اللغة يحتاج إلى الصبر والعناد وهذا ما فعلت



س3 أستاذي أنت كشاعر كتبت القصة و القصيدة و المقالة أين تجد نفسك أكثر، عندما يكتب الشاعر قصة أو رواية هل يبذل جهداً أكبر لكي لا يغلب أسلوبه الشعري على الرواية أو القصة، ممكن توضيح هذه النقطة من فضلك؟
- لم أعتبر نفسي يوماً شاعراً بمعنى هذه الكلمة لا أقول هذا الكلام من باب التواضع أتذكر أنني قرأت بعض أشعاري في مدينة كييف عاصمة أوكرانيا أثناء دراستي الجامعية وعندما عدنا إلى بيت الطلبة سألني صديق من السويداء ما الفرق بين الشاعر وغير الشاعر؟ قلت: لا فرق كل ما في الأمر أن الشاعر يستطيع أن يصيغ مشاعره بلغة جميلة وينقلها إلى الآخرين أما الآخر فهو يملك أيضاً تلك المشاعر لكنه لا يعرف تحميلها على اللغة وإرسالها إلى الآخرين .
على الرغم أنني قرأت أغلب الشعر العربي القديم والحديث والكثير من الشعر المترجم للغة العربية وبعض الشعر الروسي باللغة الروسية، لكنني لم أفكر يوماً أن أسير في طريق الشعر كمحترف كنت أكتب الشعر لنفسي فقط وقلما كنت أقرأ ما أكتبه لأحد فديواني العربي الأول "في الوجد" والثاني "مملكة الجسد" طبعتهما بتحريض من الأصدقاء عندما كتبت الشعر في مقاومة كوباني وعفرين، لم أكن أقصد إرسال رسائل بل كنت أكتب ما يغلي داخلي من مشاعر وأفكار تمزق كياني كإنسان قبل كل شيء عندما رأيت فيديو التمثيل بجسد بارين لم أستطع النوم طيلة الليل لم يكن ذلك من منطلق قومي، كل ما في الأمر لاحظت أنني غير قادر السيطرة على مشاعري، فكتبت قصيدة بارين وغيرها في مقاومة عفرين ربما سيعتبر النقاد أنها قصائد عادية أما أنا.. فكلما أعود اليوم إلى قراءتها تدمع عيناي، قرأت مرة لدوستويفسكي يقول لصديقه: تصور أنا الذي أخلق بطل روايتي، لكنني أجده أحياناً يتمرد أمامي ويفرض نفسه عليّ هذا ما يحدث لي أحياناً، مع مراعاة الفارق الشاسع بيني وبين كاتب عظيم مثل دوستويفسكي. كلما أقرأ ديواني الكردي الأول "Koçberî karê te bû" أعود لنفس المشاعر التي دفعتني لكتابة هذا الديوان
أميل أكثر إلى كتابة القصة القصيرة باللغتين الكردية والعربية أجد فيها فضاء أرحباً فهنا لا تتحكم بي المشاعر فقط وإنما أختار الفكرة ومن ثم أبحث عن القالب القصصي لها في قصصي أميل إلى العالم غير الواقعي، إلى عالم الخيال أو إلى تلك الفانتازيا التي تحدث مع الإنسان في الأحلام، لدي قناعة أن أغلبنا ينتقد الحياة لأنها غير خاضعة للمنطق قال : دوستويفسكي على لسان أحد أبطاله في رواية "الأخوة كارامازوف": لا أنكر وجود الله، ولكنني لا أستطيع قبول العالم الذي خلقه، كتب عن هذه الخاصية في الحياة كثيرون من الفلاسفة والمفكرين والأدباء وأخص بالذكر الفيلسوف والأديب الفرنسي ألبير كامو الذي قال: "مما لا شك فيه أن النشاط الروائي يفترض نوعاً من رفض الواقع ولكن هذا الرفض ليس مجرد هروب" نحن نكتب لأننا نرفض الواقع وما دمنا نرفض هذا الواقع المشخص لأنه غير منطقي، فما المانع أن يخلق القاص لنا عالماً غير منطقي في قصصه، ويوصل من خلالها فكرة إلى القارئ ، أعتقد توظيف الخيال في الأدب عمل فني بحد ذاته
لكي أجاوب على جوهر السؤال لا بد التوقف قليلاً على عالم الرواية والشعر والقصة أعتقد عالم الرواية يختلف عن عالم الشعر في الأسلوب وأختيار الموضوع لا يكتب الكاتب الرواية كشاعر ولا الشاعر الشعر كروائي لأن الرواية والشعر عالمان متميزان دون أعتبار أحدهما أغنى من الثاني عالم الرواية هو مقاطع من الحياة شبه متناسقة مع الواقع بمعنى أن هذا العالم الذي يخلقه الروائي قابل أن يحدث في الحياة أما عالم الشعر فهو أما عالم الشعر فهو مقاطع مجتزأة من الخيال ، وغير قابل أن يحدث سوى في الخيال ولو أن نسيجه مأخوذ منها هذا الاجتزاء في الخيال الشعري يعطي للقارئ حرية التقدير وتخمين ما لم يوضحه الشاعر عن قصد يعني ليس الشاعر فقط يهيم في الخيال هنا، بل يجعل القارئ أيضاً يسبح في الخيال القارئ الذي لا يتقن هذه السباحة لا يعجبه الشعر ولا يقرأه الشعر عالم رمزي بعيد عن المنطق والواقع هو متاهة الخيال البشري نستطيع القول أن الرواية تدور في دائرة الشعور بينما الشعر فهو نتاج اللاشعور، لفت الفيلسوف الألماني هيغل أنتباهنا إلى فكرة فريدة حول الأدب وخاصة حول الشعر قال أن الإنسان يبدع في شعره عالماً غير واقعي ولا وجود له أصلاً وفي الوقت نفسه يُعجب به ويحن إليه ويتساءل هيغل هنا: أليس في ذلك نوع من العبث؟
نعرف في البدء كان الشعر... وهذا حال جميع شعوب الأرض تقريباً بدأ الأدب الاغريقي واليوناني والفارسي والعربي وكذلك الكردي بالشعر، أما الرواية فهي حديثة وهي حديثة جداً لدى الكرد، الرواية لغتها سردية ومليئة بالأشخاص والعلاقات الحية فيما بينها... وهذا يفرض على الكاتب ألا يسرح بعيداً في تكثيف معاني الكلمات وتحميلها أبعد من معانيها القاموسية كما يحدث في الشعر الرمزية في لغة الشعر لها مغزى جمالي بالإمكان أعتبار اللغة الشعرية ولادة غير شرعية تتمرد على التقليد النثري.. عندما يريد الروائي وصف لقاء حميمي بين حبيب وحبيبته على سبيل المثال، فهو يقوم بوصف سردي لتقلبات حركاتهما عند اللقاء والأضطرابات التي تختلج في نفسيهما، يرافق ذلك توتر في المشاعر وتلعثم في الكلام وربما تعثر في الخطوات يخلق الروائي كل ذلك لكي يوصل إلى القارئ حالة العشق العميقة التي تحدث ثورة المشاعر في قلب الحبيب... أما الشاعر، فلا يفعل في هذا المشهد كل ذلك السرد الطويل إنه يقوم بإعطاء رموز لغوية أو رموز أسطورية أو خرافية بحيث يضع القارئ أمام مشهدين للمقارنة... مشهد خيالي يخلقه الشاعر ليقارنه القارئ مع مشهد واقعي عند أغلب الناس وهكذا تظهر الصورة الرمزية الشعرية لهذا الحب الخيالي في أوج تمايزه عن الصورة الواقعية التي عليها عند عامة الناس كلما أبتعد الشاعر عن الواقع والمنطق تأخذ الصورة الشعرية عندئذ عالماً مغايراً وجمالية أدبية خاصة. الجملة الشعرية قد تتحول إلى صفحة كاملة في الرواية وقد يكون شعر الشاعر مفاتيح لمعرفة العالم السري للشاعر نفسه عندما نقرأ شعر بدر شاكر السياب، ونقرأ الكتاب النقدي للدكتور احسان عباس عن شعره، نكتشف أن الناقد أماط اللثام عن الخلفية النفسية للشاعر أكثر مما كان يعرفها الشاعر نفسه... أما أسلوب الرواية فيبتعد غالباً عن الغموض في الجملة قد يظهر الغموض في الخلفية الفكرية للرواية، بحيث لا يدرك كل قارئ ماذا يريد أن يقول لنا الكاتب من وراء روايته مثل رواية "الغريب" لألبير كامو أو رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ ومثل مسرحية "في أنتظار كودو" لصوموئيل بيكيت، أو مسرحية "الذباب" لجان بول سارتر..
أما عالم القصة القصيرة فهو عالم وسطي بين الرواية والشعر إذا جاز القول إذا كانت الرواية مقطع من الحياة والشعر مقطع من الخيال، فالقصة القصيرة له من هذا ومن ذلك فهي تشبه في سرديتها الرواية كما لدى تشيخوف وسعدي يوسف لكنها تكثف الحدث لإيصال القارئ في النهاية إلى فكرة محددة بينما الرواية مليئة بالأفكار المتنوعة والقصة تقترب من الشعر باستخدام الكاتب اللغة الرمزية كما عند زكريا تامر.
إذا أستثنينا سليم بركات في الشعر ونيروز مالك في الرواية ككتاب كرد يكتبون بالعربية بإمكاني القول لا يوجد عندنا كتاب كرد يتميزون بأسلوبهم الكتابي... بمعنى أن لديهم أسلوبهم الخاص في الشعر والرواية والقصة القصيرة عندما أقرأ أي مقطع شعري لسليم بركات دون ذكر الاسم أعرف فوراً أن هذا النص لسليم بركات ، وإذا أقرأ فصلاً من رواية لنيروز مالك سأعرف أن الكاتب هو نيروز... أما بقية كتابنا الكرد الذين يكتبون بالعربية هم مازالوا في طور تكوين أسلوبهم الخاص الحالة على صعيد اللغة الكردية لا تختلف، بل أدنى من الحالة في اللغة العربية باستثناء كتاب أقليم كردستان العراق هناك أستثناء واحد برأي على صعيد كردستان سوريا وهو الشاعر أحمد حسيني فلديه طريقته في تركيب الجمل وخلق الصور والأسقاطات الرمزية وبالتالي لا أعتقد أن الأشكالية التي وردت في السؤال يعاني منها الكتاب الكرد أصلاً، وخاصة الكرد السوريون.
في كل ما قرأت من الروايات لم أجد التداخل بين اللغة الشعرية ولغة الرواية سوى لدى سليم بركات فهل حقق سليم نجاحاً على هذا الصعيد وأنشأ نمطاً جديداً على صعيد لغة الرواية وأسلوبها؟ لا أستطيع الجزم بذلك .



س4 - من المسؤول عن تشتت الأدب الكوردي و كتابته بمختلف الأبجديات، وهل هذا يزيد من خطورة ضياع الأدب الكوردي وانتسابه الى مكتبات تلك الأابجديات المكتوب بها ؟
- أعتقد المسؤول الأول هو الاستعمار العربي والفارسي والتركي حتماً كانت هناك أبجدية كردية كما ورد في كتاب "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام" لابن وحشية وهو عالم كيميائي كلداني الأصل توفي في القرن العاشر الميلادي في هذا الكتاب وردت الحروف الكردية التي كانت تستخدم قبل الأسلام كتب الباحث محمد روني المراني في مقالة له أن أبن الوحشية ذكر في مخطوطته أنه ترجم كتاباً عن اللغة الكردية بهذه الحروف في أصلاح الكروم والنخيل في الحقيقة لم يصلنا أي كتاب بهذه الحروف ما نعرفه هو الكتابة بالحروف العربية بدون استحداث حروف إضافية تقابل الحركات في اللغة العربية كما في كردستان العراق كانت لدي الطبعة الأولى لملحمة مم وزين مطبوعة في الأتحاد السوفيتي مع ترجمة روسية وهي مكتوبة بالحروف العربية العادية .
عندما بدأ كرد أرمينيا كتابة النصوص الكردية أستخدموا الحروف الروسية مثل العديد من القوميات في جمهوريات أسيا الوسطى في الأتحاد السوفييتي السابق، كالشركس وداغستانيين وأذربيجانيين وغيرهم ، قرأت مما رَوَى عن جلادت بدرخان كان يذهب مع روجيه ليسكو إلى قرى عفرين ويدونان القصص الكردية الشعبية كان جلادت يكتب بالحروف العربية بينما ليسكو يكتب بالحروف الفرنسية وعندما يرجعان إلى البيت ليدونا ما جمعا من القصص، كان ما كتبه روجيه ليسكو بالحروف الفرنسية فيه دقة مع صوتيات اللغة الكردية أكثر مما كتبه جلادت بالحروف العربية، حيث كان يجد صعوبة في استحضار اللفظ الكردي بالحروف العربية فاقتنع أن الحروف اللاتينية تتسع للفضاء الصوتي للغة الكردية أكثر من الحروف العربية لكنني أعتقد أن وراء ميل جلادت للحروف اللاتينية فكرة أخرى أيضاً كان جلادت يفكر بكردستان تركيا أكثر من تفكيره بكردستان سوريا والعراق وإيران وبعد انقلاب الجمهورية التركية على الحروف العربية أراد جلادت أن يسهل على كرد تركيا قراءة ما يكتبه هو وغيره من الكتاب الكرد ولذلك تحول إلى الحروف اللاتينية بهدف التقارب مع الكتابة الجديدة للغة التركية .
نعاني اليوم من هذه الأشكالية على صعيد عموم كردستان فكرد تركيا وسوريا والمهجر جميعاً يكتبون بالحروف اللاتينية بعد أن تحول كرد الأتحاد السوفييتي السابق أيضاً إلى الحروف اللاتينية بينما كرد إيران يكتبون بالحروف الآرامية مثل الفرس وكرد العراق لهم طريقة خاصة في أستخدام الحروف العربية قام كرد تركيا بجهد ملموس منذ الربع الأخير من القرن الماضي بتحويل الأدب الكردي الكلاسيكي المكتوب بالحروف العربية إلى الحروف اللاتينية وهذا ما فعله كرد أرمينيا ومعهد الأستشراق في سان بطرسبورغ وبالتالي لم تعد هناك أية عراقيل أمام القارئ الكردي للأطلاع على التراث الكردي القديم بالحروف اللاتينية المؤيدون للحروف اللاتينية يستندون إلى حقيقة أن صوتيات اللغة الكردية تحافظ على نبرتها بالحروف اللاتينية أكثر من الحروف العربية وهذا صحيح بتقديري ومن ناحية أخرى نجد أن الحروف اللاتينية تجعل الكلمات الأجنبية التي تدخل إلى اللغة الكردية تمر بمصفاة الصوتيات الكردية فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن كلمة "خلق" العربية دخلت إلى اللغة الكردية وأصبحت "خلك Xelk". وهذا التغيير حدث نتيجة الحس الشعبي الشفهي. وكلمة "هم" العربية تحولت في الكردية إلى "خم Xem" مع الاحتفاظ بالمعنى. وكلمة "يعني" تحولت إلى "ياني Yanî". أما عند أستخدام الحروف العربية سيدخل إلى اللغة الكردية حروف "ح، ط،ع،غ". فكرد العراق يكتبون اسم عثمان "عوصمان" بينما نحن في سوريا نكتب بالحروف اللاتينية "أوسمان Osman وعلى المستوى الكردي الشعبي لا يقول أحد عثمان. وبالتالي فاستخدام الحروف العربية ستُفقد اللغة الكردية بعض خصوصيتها الصوتية، كما ستزداد عدد حروف الأبجدية الكردية
العناد في استخدام الحروف العربية يجري من قبل بعض اللغويين السوران بالدرجة الأولى والمسألة لها علاقة بالصراع السياسي التاريخي بين السوران والبهدينان، وبين البرزانيين والطالبانيين. يشعر السورانيون أن التحول إلى الحروف اللاتينية سيجعل حجم الأدب الكردي باللهجة الكرمانجية في أزدياد وأكثر تداولاً، وسيستفيد البهدينانيون من كل من يكتبه الكرمانج بالحروف اللاتينية في تركيا وسوريا والمهجر، وبالتالي لن ينصهر البهدينانية (الكرمانجية) مع الزمن في السورانية، كما يرغب السورانيون أعتقد هذا تفكير قاصر السورانية والكرمانجية مختلفتان ولو أنهما من جذر واحد كنت في السليمانية عام 2003 والتقيت بعدد من أعضاء اتحاد كتاب السليمانية في بيت ماموستا محمد حمو. اقترحت عليهم مسألتين الأولى الكتابة بالحروف اللاتينية، والثانية تأسيس أكاديمية باسم اللغة الكردية ولهجاتها وأن يكون في هذه الأكاديمية لغويون من الأجزاء الأربعة لكردستان، على أن تقوم هذه الأكاديمية باستخدام الحروف اللاتينية ووضع قاموس لغوي شامل لكل لهجة كردية وبعد ذلك يتم إعداد قاموس كردي تحوي كلمات جميع اللهجات القيام بهذا العمل سيحقق نتيجتين الأولى أن القارئ الكردي سيتعلم الكلمات الكردية في جميع اللهجات ولن تكون هناك مشكلة في تعدد المفردات لمعنى واحد مثل اللغة العربية وثانياً لن يجد الكردي السوراني صعوبة في قراءة الكرمانجية وفهمها كما لن يجد الكردي الكرمانجي صعوبة في قراءة اللهجة السورانية وفهمها سيحتاج كلاهما عندئذ فقط إلى أتقان قواعد اللهجتين وهذا ليس صعباً أبداً
أعتقد أن المستقبل سيكون للحروف اللاتينية لأن الكرد الذين يسيرون نحوها هم الأغلبية العظمى وإذا أقرت اللغة الكردية في سوريا المستقبل وحصل كرد تركيا على هذا الحق فسيصبح حجم الأدب الكردي بهذه الحروف أضخم وأسع في الأغلب وسيكون ذلك دعماً أكبر للحروف اللاتينية وللهجة الكرمانجية بالمناسبة يقوم كرد تركيا بحركة ترجمة نشطة من اللغات الأجنبية إلى اللغة الكردية رغم الاستبداد السياسي والثقافي التركيين على اللغة الكردية بمعنى آخر بدأ الأدب العالمي يترجم للهجة الكرمانجية وبالحروف اللاتينية.


س5- هناك من يحاول من جيل الشباب أن يدخل مجال الأدب والكتابة، هل هذا يبشر بالخير، وما النصيحة التي يمكن أن تقدمها لهم ؟

- لن ألتزم بالسؤال تماماً، لكنه مناسبة للحديث أكثر عن معاناة كتابنا الشباب سأختصر جوابي على كرد سوريا المسألة لا تتوقف على هل دخول الشباب في مجال الأدب والكتابة يبشر بالخير أم لا؟ فالمحاولة بحد ذاتها جيدة وعلينا تشجيعها ومراعاة سقطاتهم لأننا هكذا بدأنا جميعاً في شبابنا ألاحظ أن الشباب الكرد من الجنسين مازالوا في حيرة من أمرهم هل يختاروا الكتابة باللغة العربية أم باللغة الكردية؟
نعلم أن الشباب في بداية حياتهم يبحثون عن الشهرة السريعة والقدوة فيستعجلون في شأن الكتابة هم يدركون أن قراء اللغة الكردية أقلية، ولا تتحقق لهم الشهرة باللغة الكردية سريعاً ولعل السبب الأبرز أن أغلب كتابنا الكرد يكتبون باللغة العربية كما أن بعض كتابنا الذين كتبوا الأدب باللغة الكردية مالوا في الفترة الأخيرة إلى اللغة العربية وهذا ما يشجع الشباب إلى الكتابة باللغة العربية فهم يقتدون بمن هم القدوة كان الجيل الأول من الكتاب الكرد جيلاً كردياً من حيث اللغة وآدابها ظهر لدينا جلادت بدرخان وجكرخوين ورشيد كرد وأصمان صبري، والدكتور نور الدين ظاظا، وقدري جان الملاحظ أن أغلبهم من كرد تركيا فعندما جاء هؤلاء إلى سوريا لم يكونوا يتقنون اللغة العربية ولا ندري هل كان دافعهم للكتابة باللغة الكردية من منطلق قومي أم أنهم لم يكونوا قادرين على الكتابة بالعربية ما يدفعنا إلى هذا التصور أنهم لم يستفيدوا من تطور الأدب العربي وخاصة على صعيد الشعر فمنذ أربعينيات القرن الماضي خرج الشعراء العرب من النمط الكلاسيكي إلى الشعر الحديث لكن هذا الجيل الكردي الأول بقي ينهج نهج الشعر الكردي الكلاسيكية نجد عند رشيد كرد وقدري جان بعض نفحات الحداثة لكنها نفحات بدائية يدل ذلك على أنهم لم يقرؤوا الشعر العربي الحديث وبالتالي لم يتأثروا به أما الجيل الثاني فقد انصهر تماماً في اللغة العربية مثل سليم بركات ونيروز مالك على سبيل المثال في السنوات الأخيرة برز بعض الكتاب الكرد يكتبون الشعر والرواية والقصة باللغة الكردية لكن نتاج أغلبهم مازال باللغة العربية خلقت هذه الازدواجية تيهاً مظلماً أمام الشباب فأول ما يبدأ الشاب (الشابة) بالكتابة يلجأ إلى اللغة العربية، خصوصاً إلى الشعر عندما نقرأ نتاجهم نجده بدائياً وسطحياً في الغالب هذا لا يعني أن ليس هناك محاولات جيدة وبعضها متميزة لو تعب الشاب (الشابة) على نفسه بتعلم الكتابة باللغة الكردية ذاتياً، وكتب هذه البدايات من حيث الأسلوب والمفردات بها لكنا نجد شيئاً يستحق القراءة أكثر، ويبشر بولادة كتاب كرد بلغتهم الأم لا يمكن أن يبرز اليوم أديب شاب بسهولة في الوسط العربي على صعيد الشعر والرواية لا يكفي أن تعرف هذه اللغة وتتقن قواعدها حتى تصبح كاتباً هناك الكثير من العرب تخرجوا من الجامعة قسم اللغة العربية ولا يستطيعون كتابة قصيدة أو قصة أو مقالة فقد ظهر على الصعيد العربي فن النص وهذا الفن مازال في بداياته عند كتابنا الكرد الأدب العربي أكثر تطوراً مقارنة بالأدب الكردي الحديث لو بذل هؤلاء الشباب نفس الجهد على صعيد اللغة الكردية وكتبوا بها ستدخل كتاباتهم في باب الأدب الكردي لهذه المرحلة عندما نقرأ اليوم قصة محمد أوزون "عفدالي زينكي" نجدها مجرد حكاية مفككة فهي أضعف من الكتابات العربية التي كانت تُكتب في بداية القرن الماضي لكن محمد أوزون أصبح روائياً متمكناً فيما بعد، وأنتج روايات جيدة ومع ذلك ستبقى قصة "عفدالي زينكي" جزء من الأدب الكردي، وستقرأها الأجيال الكردية القادمة على أنها نموذج لبدايات الرواية الكردية .
أفضّل أن يتوجه الشباب(الشابة) الكردي إلى اللغة الكردية، فقد أصبح هناك قراء بهذه اللغة في تركيا وسوريا 



س6 – أستاذي، هل الخط السياسي للكاتب أو الأديب يقيد من دائرة قلمه وفكره ؟

-أعتقد المسألة ترتبط بالكاتب والأديب قبل كل شيء هناك فرق بين أنتماء الأديب والكاتب والمفكر بتيار سياسي وبين أنتماء السياسي لهذا التيار يجسد السياسي أنتماءه في كل شيء لتياره ولحزبه، سواء في القرارات السياسية أو الشعارات أو الألتزام الألزامي ببرنامج الحزب وغير ذلك أما أنتماء النخب الثقافية في الأدب والفكر لتيار سياسي أو لحزب سياسي يجب أن لا يجعله ينصهر في التيار والحزب فهو يتحد مع التيار من حيث الفكر والهدف، وليس ملزماً بتكتيك وتنفيذ القرارات والمهام هو حر في أختيار أسلوبه وأختيار مادته الأدبية أو موضوع بحثه إذا حافظ الأديب على هذه المسافة بينه وبين حزبه فإن الأنتماء السياسي لا يقيد دائرة قلمه وحرية متابعة نهجه الأدبي أما إذا أنصهر في الحزب أو في التيار السياسي، وجعل من نفسه الناطق الأدبي بإسمهما، فسينتج غالباً أدباً حزبياً هزيلاً
الأحزاب التي طلبت وتطلب من الأديب أن يلتزم بقرارات الحزب ، تقلد اللينينية فقد بُحثت هذه المسألة أول مرة في الفكر اللينيني بشكل واسع ظهر في الأتحاد السوفييتي السابق مصطلح حزبية الأدب صاغ الشيوعيون هذه الفكرة فيما بعد بمصطلح الأدب الملتزم والأديب الملتزم كانت الفكرة الجوهرية وراء هذا الأتجاه هي أن يلتزم الأديب بقضية المظلومين والطبقة العامل وطليعتها (الحزب الشيوعي) وينتج أدباً لصالح هذه القضية وثورتها ومع ظهور ديكتاتورية ستالين التي عمت على المجتمع السوفيتي كله بما في ذلك على الأدب ظهر نقاش واسع حول حرية الأديب وألتزامه شمل هذا النقاش جميع الأحزاب الشيوعية واليسارية في العالم ومعارضيها كان ماو تسي تونغ يُلزم الأديب بأن يكون في الخنادق مع الجنود أثناء الثورة الصينية تفاقمت المسألة عندما فُرض على الأديب أن يلتزم بقرارات الحزب وقائده وكان هذا وراء أنتحار شاعر ثورة اكتوبر الكبير ماياكوفسكي. هناك حكاية لطيفة عن ستالين تجاه ماياكوفسكي رواها لنا أحد أساتذتنا في جامعة كييف بأوكرانيا. ُطبع له مرة ديوان غزل وقُدمت نسخة إلى ستالين بعد أن قرأ ستالين الديوان سأل المسؤولين كم نسخة من هذا الديوان طُبعت؟ قالوا له كذا ألف فرد عليهم مازحاً، ما الحاجة لكل هذه النسخ؟ كان يكفي أن تطبعوا نسختين، واحدة لماياكوفسكي والثانية لحبيبته.
لا نستطيع أن ننكر أن ثمة أدباء كانوا يؤمنون بالفكر الماركسي وأبدعوا في مجال الأدب لم يكن ولاء هؤلاء للحزب، وإنما لإيمانهم الصادق بقضية الفقراء والطبقات المظلومة وبالتقدم الأجتماعي كان رسول حمزاتوف شيوعياً وكذلك جنكيز أيتماتوف لكنهما أبدعا في الأدب وأصبحا من الكتاب العالميين لا ننسى أن الفيلسوف والأديب الفرنسي جان بول سارتر كان شيوعياً في بداياته، وكذلك الشاعر الأسباني لوركا والشاعر التشيلي بابلو نيرودا والشاعر التركي ناظم حكمت .
كان مكسيم غوركي من كبار الكتاب الروس المؤيدين للثورة والنظام الأشتراكي وكان صديقاً شخصياً للينين لكنه لم ينتسب للحزب الشيوعي حافظ على مسافة معينة بينه وبين الحزب وقائده. كما كان الكاتب الروسي الحاصل على جائزة نوبل ميخائيل شولوخوف مؤلف رواية "الدون الهادئ" عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، عاش وكتب على ضوء قناعاته بعيداً عن أوامر الحزب وأوامر ستالين لا شك أن هناك شبه أجماع بين النقاد والمفكرين أن سياسة "حزبية الأدب" أثرت سلباً على الأدب الروسي فقد ظهر قبل الثورة عمالقة مثل تولستوي ودستويفسكي وتشيخوف وغوغول وبوشكين وليرمنتوف وغيرهم وظهر في المرحلة السوفييتية العديد من الأدباء كانوا مجرد حزبيين، وقدموا نتاجاً أدبياً ضحلاً وُجه نقد لاذع ضد الروائي الروسي بوريس باسترناك مؤلف الرواية المشهورة "الدكتور زيفاكو" والحاصل على جائزة نوبل كان نقداً حزبياً وليس نقداً أدبياً كانت التهمة الموجهة له أنه شخّص الواقع في ظروف الحرب الأهلية بعد ثورة أكتوبر ليس كما رآه الحزب الشيوعي الروسي لا تملك الأنظمة الشمولية مخابرات لمراقبة الشعب فحسب، بل تنشئ مخابرات على صعيد الأعلام والأدب أيضاً لاحظنا ذلك في سوريا منذ الوحدة السورية-المصرية ولغاية اليوم
تأتي المؤلفات العظيمة على يد كتاب يحملون خلفية فكرية عميقة أما الكتاب الذين لديهم خلفية فكرية سطحية فمن النادر أن ينتجوا أدباً عظيماً لاحظنا في القرن الماضي أن حركات التحرر التي حملت خلفيات فكرية وبعداً أجتماعياً تقدمياً خرج من بين صفوفها كتاب وأدباء ثوريون ومبدعون .
على صعيدنا الكردي مازال أدباءنا فقراء في الفكر كما ليس لدينا مفكرون كرد تجاوزوا إطارهم المحلي ربما نجح ابراهيم محمود كباحث في تجاوز هذا الإطار المحلي. هناك فرق بين أن تكون مطلعاً على فكر ما وبين أن تكون مؤمناً بهذا الفكر أو أن تكون منتجاً لفكر جديد نجد أن الشريحة الأولى أكثر تقلباً بين التيارات الفكرية والسياسية أما الشريحة الثانية فأقل تقلباً والشريحة الثالثة غير موجودة لدينا أصلاً هناك تجارب مريرة في بلداننا فقد وجدنا كتاباً ماركسيين كانوا مخلصين لهذا الفكر وكانوا منتجين في الأدب والبحث وعندما ابتعدوا عن الفكر الماركسي مال أغلبهم إلى الفكر الرجعي والولاء لأتفه التيارات السياسية لم يحدث هذا التقلب نتيجة تطور فكري لديهم، وإنما نتيجة تغير الموقع الذي صاروا فيه فعندما فقد ولاءه بالفكر الماركسي لم يستطع أن ينتج فكراً خاصاً يؤمن به أغلب أدباءنا يقفون خلف أحزاب كردية لا تملك خلفية فكرية، ووراء زعماء كرد بعيدين أصلاً عن الفكر قد نستثني هنا نسبياً حزب العمال الكردستاني وحزب الأتحاد الديمقراطي لكونهما مازالا ينتميان إلى الفكر الماركسي بشكل من الأشكال .
ينتقد بعض أدباءنا تيارات سياسية كردية ما على خلفية أدعاءهم الاستقلالية أو الأنتماء للنهج الليبرالي أو الإنسانية الكوسموبوليتية دون أن يكون لديهم خلفية فكرية واضحة غير أن هذه القصة مفتعلة، وفيها جهل بالفكر الليبرالي هناك فرق بين الاستقلالية السياسية والاستقلالية الفكرية فالاستقلالية السياسية مثلاً أن لا تؤيد نهج تيار سياسي معين كأن لا تكون مع حزب العمال الكردستاني في كردستان تركيا أو لا تكون مع حزب الديمقراطي الكردستاني في كردستان العرق أو لا تكون مع حزب الأتحاد الديمقراطي في كردستان سوريا في هذه الحالة ممكن أن يؤيد الكاتب مواقف سياسية معينة لهذا الحزب أو ذلك، وينتقد مواقف أخرى لنفس الحزب أيضاً لأنه كأديب ليس ملزماً أن يكون له نهجاً سياسياً متكاملاً ولا يسعى أصلاً لأن يكون له هكذا نهج أما الاستقلالية الفكرية فلا يمكن أن تتحقق إذا لم يكن لدى الأديب أو الكاتب فكراً ما يؤمن به أو فكراً أنتجه يتميز عن التيارات الفكرية الموجودة لو طبقنا هذه الرؤية على الأديب والكاتب الكردي سنكتشف أنه ليس مستقلاً لا سياسياً ولا فكرياً أغلب أدباءنا كانوا أعضاء في الأحزاب الكردية أو من مناصريها وعندما أبتعدوا عن أحزابهم تحول بعضهم إلى ناقد أنتقامي لحزبه وبعضهم ظل حول حزبه تحت الطاولة، وبعضهم وجد لنفسه بيئة مناسبة عند حزب آخر أو زعيم كردي آخر وبالتالي فالاستقلالية في الواقع الكردي قصة مختلقة .
أما أولئك الذين يدعون أنهم ليبراليون، فهم يصطنعون حالة لا يستطيعون تجسيدها لا في حياتهم ولا في أدبهم لقد أستخدمت كلمة "ادعاء" لأن مجتمعاتنا الشرقية عامة والكردية خاصة لم تنتج بعد الفئات الاجتماعية التي بالإمكان أن تنتج مفكرين وساسة وأدباء ليبراليين هؤلاء الأدباء يسعون لتقليد الأدباء الغربيين الليبراليين الذين لديهم واقع أجتماعي وأقتصادي وسياسي ليبرالي بعد التطور الكبير في النظام الرأسمالي بمعنى آخر فالليبرالية الغربية هي نتاج واقع أجتماعي وأقتصادي وفكري، وبالتالي كان ظهور الأدباء الليبراليين في الغرب حالة تنسجم مع طبيعة مجتمعهم ومع طبيعة العلاقات الأجتماعية القائمة كيف يمكن للأديب الكردي أن يكون ليبرالياً وهو يعتبر نفسه مناضلاً قومياً يوظف أدبه لتحرير شعبه من استبداد الدولة التي يعيش في ظلها، أو يدعو إلى إنشاء دولته القومية الليبرالية هي ما بعد القومية والأديب الكردي مازال ما قبل القومية تمارس الدول التي تجتزئ كردستان استبداداً عنصريا ضد الكرد على الصعيد السياسي والأجتماعي واللغوي والثقافي فهل النضال ضد هذا الاستبداد والعنصرية لا يهم أديبنا الكردي الليبرالي؟ وينظر إليهما من الخارج وكأنه خارج هذه الدوامة إذا كان الأمر كذلك، عندئذ هو لا ينتمي لهذا الشعب المظلوم، بل لديه عالم في خياله يسبح فيه وإذا أراد الأديب الكردي أن يكوم إنسانياً كوسموبوليتياً فهذا حقه وربما سنتمتع بقراءة بعض نتاجه الأدبي لكنه عندئذ سيكون بعيداً عن تحرير شعبه وعن حق هذا الشعب الحصول على هويته القومية وعلى دولته بالوسيلة التي يراها ممكنة الحكومات التي تغتصب حقوق الشعب الكردي هي حكومات ديكتاتورية، ومن ناحية أخرى فهي لا تسمح بالمطلق أن يناضل الشعب الكردي من أجل حقوقه بالوسائل الديمقراطية التي يتغنى بها هذا الأديب الكردي الإنساني الكوسموبوليتي لم يرفع الكردي السلاح لاضطهاد غيره بل لحماية نفسه فما الحل الذي يطرحه هذا الأديب للشعب المُستعبد؟ أن تنتمي إلى شعب هو في مرحلة نضاله التحرري وتنأى بنفسك عن هذا النضال تحت مصطلح الليبرالية أو الإنسانية الكوسموبوليتية فأنت بالتأكيد تهاجر هذا المجتمع إلى خيال بعيد .
لنضرب مثلاً حياً قامت الوحدات الكردية وخاصة المقاتلات بملاحم بطولية في الدفاع عن كوباني وعن عفرين أهتزت لها المجتمعات في الغرب والشرق لم تقم المرأة في تاريخنا الحديث بما قامت به المقاتلة الكردية في النضال التحرري والأجتماعي ألتقى الشاعر الروسي العظيم يفتوشنكو في لقاء أدبي في هافانا بشاب كردي سوري وقال له: إذا رجعت لسوريا وألتقيت بالمقاتلة الكردية فقل لها أن يفتوشينكو ينحني أمامك لماذا سينحني هذا الشاعر الأجنبي أمام المقاتلة الكردية؟ لأنه يدرك ما هو أبعد مما يدركه الأديب الكردي ذو التفكير المحلي والجهوي يجد هذا الشاعر الأجنبي في هذه المقاتلة ثورة على شرق الاستبداد والتقاليد الدينية والعشائرية، على شرق طغيان الذكورية الرجعية إنه يدرك كيف مزجت هذه المقاتلة الكردية بين حرية الشعب وحرية الذات.
قد يكون الأديب الكردي ضد العديد من مواقف حزب الأتحاد الديمقراطي وحتى ضد أتجاهه السياسي وقد يكون في أغلب نقده لهذا الحزب على صواب لكنه يتغاضى عن حقيقة أخرى، وهي ليس هذا الحزب وراء أنحراف الثورة السورية إلى الأسلمة الجهادية ليس هذا الحزب دفع الجيش الحر لأن يترك أهداف الثورة ويتحول إلى ميليشيات أسلامية جهادية تستحضر عصراً تعفن في التاريخ ويرتبط بالأستعمار التركي الأكثر همجية ليس هذا الحزب هو الذي جلب داعش لكوباني ليس هو الذي أستفز تركيا ومرتزقتها السوريين للهجوم على سكان عفرين المسالمين ليس هو الذي استجلب الروس والايرانيين وحزب الله والأمريكيين والفرنسيين إلى سوريا فما نصيحة هذا الأديب الليبرالي أو الإنساني الكوسموبوليتي لوحدات حماية الشعب عندئذ؟ هل كان عليها تسليم كوباني بدون مقاومة لداعش حتى لا يراق الدم ولا تدمر المدينة؟ هل كان عليها أن ترفع الراية البيضاء أمام الغزو التركي ومرتزقتها لعفرين؟ أغلب الأدباء والكتاب الكرد أتخذوا موقفاً عدمياً من كفاح وحدات حماية الشعب والمرأة هناك المئات من المواقف البطولية النادرة للمقاتلات والمقاتلين الكرد قلما أتصفت بها حركة تحرر وطنية ما في العالم فماذا كان موقف الأديب والكاتب الكردي الذي من المفروض أن يكون ضمير الأمة؟ هل كتبوا الشعر بهذه البطولات؟ هل كتبوا روايات بهذه البطولات؟ بل على العكس من ذلك، فقد كتب بعضهم ما يدعو إلى اليأس والتحريض للانفضاض من حول هؤلاء المقاتلين والمقاتلات، وتجريدهم من الحاضنة الشعبية الكردية هل هذا هو الموقف الصحيح للأديب الكردي القومي والوطني والمؤمن بقضية شعبه العادلة؟ أم أنه أنتقام سياسي جهوي، وعودة ميمونة إلى العقلية الرجعية والضغائن العشائرية والعائلية؟ هناك أروع روايات المقاومة في الأدب السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية في عهد دكتاتور فظيع مثل ستالين لقد قرأنا رائعة بوريس بوليفوي "قصة إنسان حقيقي" ، قرأنا ثلاثية قسطنطين سيمونوف (الأحياء والأموات، رحى الحرب، الصيف الأخير)، قرأنا بطولة قلعة بريست، قرأنا قصة شولوخوف "مصير إنسان" لقد جسد شولوخوف شخصية الأمة الروسية في إنسان بسيط وقع في الأسر عند الألمان
هل كان هؤلاء يكتبون للحزب الشيوعي السوفيتي وللدكتاتور ستالين؟ أم أنهم كانوا يكتبون للجندي الذي في الخندق، وللوطن الذي يداس تحت نعال المحتلين، وللأم التي تمثل الوطن في الملصق المشهور وهي تقول: "الوطن الأم تناديكم". من يعرف اللغة الروسية يدرك المغزى العميق لتلك الأنشودة السوفيتية التي أشتهرت في كافة الأتحاد السوفييتي سنوات الحرب مثل النار في الهشيم تقول الأنشودة
إذا فقد الجندي ساقيه في الحرب ... يستطيع معانقة الأصدقاء
وإذا فقد يديه ... يستطيع الرقص في الأفراح
وإذا فقد عينيه ... يستطيع سماع موسيقى الوطن
وإذا فقد سمعه ... يستطيع التمتع برؤية الأحبة
وإذا فقد الإنسان كل شيئي ... يستطيع الاستلقاء على أرض وطنه
أما إذا فقد أرض وطنه ... فماذا بمقدوره أن يفعل..!!
هل كان كل ذلك من أجل الحزب الشيوعي ومن أجل الدكتاتور ستالين؟ لقد مات ستالين وأنهارت الاشتراكية، ولم يعد الشعب الروسي يفكر بهما لكنه سيبقى يقرأ هذا الأدب المقاوم جيلاً بعد جيل، وسينحني كلما مر من أمام مقابر شهداء تلك الحرب بقلمه بنفس شجاعة الجندي لقد أنضم الفيلسوف والأديب الفرنسي جان بول سارتر إلى المقاومة الفرنسية ضد النازيين وكان في الخنادق الأولى حتى عاهرات فرنسا وقفن مع المقاومة كن يقدمن أجسادهن إلى الضباط النازيين ليلاً ليحصلن على معلومات عن تحرك الجيش النازي ويقدمنها لقيادة المقاومة ألم يكن لسان حال كل وحدة منهن يقول أنا عاهرة في وطني، فهذه حريتي ولكن عندما يتعرض الوطن للاحتلال فأنا مناضلة مثل أي فرنسي يحب وطنه
إنني من المؤمنين إيماناً راسخاً، عندما يحدث أعتداء على الوطن والشعب فعلى الأديب والكاتب والمفكر أن يكون مقاتلاً .

س7 - ما رأيك بمنهج التوثيقي في الرواية التاريخية، و هل من الممكن أن توثق الأحداث التاريخية بمصداقية من خلال سرد أحداث الرواية؟

- لا أعتقد أن الرواية التاريخية توثق الحدث التاريخي، فهي تحوم حوله الوقائع التاريخية جامدة ومجردة من المشاعر وهكذا يُكتب التاريخ بينما يأتي الكاتب لإعطاء الحياة لهذا الحدث التاريخي كما عاشه الناس في ذلك الزمان لا شك أن الرواية التاريخية أكثر قراءة من الكتاب التاريخي وأوسع أنتشاراً بين الجمهور وخاصة بين الشباب يلتزم الكاتب الروائي بجوهر الحدث التاريخي كوقائع وفي الوقت نفسه هو يلبس هذا الحدث ثوب الرواية الذي يجعل الحدث حياً هنا يلعب خيال الكاتب دوراً كبيراً فهو يبحث عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في زمن الحدث التاريخي يبحث عن أخلاق الناس وسلوكهم اليومي وهذا ما يصعب الحصول عليه فيحاول قراءة أدب تلك المرحلة، ولا سيما القصص والحكايات والسير الذاتية وكتابات الرحالة والأغاني الشعبية وحتى الأساطير القديمة يفعل كل ذلك لكي لا يبتعد في خياله كثيراً عن واقع الحدث التاريخي من المؤكد يستحدث حكايات فرعية في روايته من أجل إغنائها ولتصبح شيقة وممتعة للقارئ لا بد أن يكون للكاتب استنتاجه عن الحدث التاريخي قبل البدء بكتابة روايته وقد لا يتفق هذا الاستنتاج مع رؤية المؤرخين أو المفكرين وبالتالي فالكاتب يريد اقناع القارئ باستنتاجه أشتهر بين الكتاب العرب جرجي زيدان في كتابة الروايات التاريخية ومع أن رواياته كانت ممتعة وسلسة، وشخصياً قرأتها بمتعة، لكنها تعرضت للنقد السلبي قال بعضهم أن هذا النقد السلبي جاء من قبل الكتاب الاسلاميين، لكون جرجي زيدان مسيحي وكتب رواياته التاريخية عن الأحداث الاسلامية ويبدو أنه غير بعض الوقائع التاريخية كتب جان دوست رواية ميرنامة باللغة الكردية وهي رواية لا بأس بها، وقد كتبت مقالة عن الرواية نشرتها في موقع آفستا.
أعتقد أن الروايات التاريخية مهمة وكلما أقترب الكاتب من حيثيات الحدث التاريخي القديم من الناحية الأجتماعية والسياسية وأستطاع الوصول إلى العوامل الرئيسية والثانوية التي أدت إلى ذلك الحدث التاريخي وما نتج عنه كلما قدم لنا عملاً جيداً


كلمة أخيرة :

لست كاتباً روائياً أو شاعراً ممتهناً حتى أستطيع أن أقدم النصائح للشباب في هذين المجالين من الكتابة كان أهتمامي دائماً ينصب على الفكر أغلب قراءاتي بعد تخرجي من الجامعة تتعلق بالفلسفة والفكر الأجتماعي والديني والأساطير والملاحم لكني على قناعة أن الكاتب الناجح هو الذي يكتب لنا ما يستحق القراءة ليس الآن فقط، بل كذلك في المستقبل عندما كنت شاباً قرأت لعدد كبير من الشعراء الشباب العرب في سوريا كانوا أكثر صخباً في الصحافة كانوا يفتعلون النقد والمديح لبعضهم البعض من أجل الشهرة لكنني أرى اليوم أن الذين صمدوا منهم في الشعر العربي أسماء قليلة جداً أما الباقون فقد ضاعوا في متاهات الحياة وهذا سيحدث عندنا على صعيد الأدب الكردي أيضاً فكم واحد منهم سيصمد في المستقبل؟ هذا ما ستحكم عليه الأجيال القادمة .
أعتقد أن من أهم عناصر نجاح الكاتب هو أتقان اللغة التي يكتب بها والقدرة على المراوغة فيها كما نلاحظ عند أدونيس وسليم بركات يحتاج الكاتب إلى خلفية ثقافية عميقة فبدون ثقافة تتحول الكتابات في أحسن الأحوال إلى جمالية اللغة والأسلوب كجمالية التمثال. وهذا هو الفارق بين أدونيس وسليم بركات الأول قدم لنا شعراً جميلاً ذا خلفية فكرية عميقة، أما الثاني فقدم لنا نصاً شعرياً في قمة الجمال اللغوي والأبداع الفني والصور الشعرية الخلاقة ولكن دون خلفية ثقافية أو فكرية .
لم أتحدث عن الموهبة فبدونها كل الشروط السابقة لا معنى لها بدون الموهبة والممارسة الطويلة لا يستطيع أي انسان صياغة فكرة أو صياغة خيال ينطبق هذا على الروائي والشاعر والقاص لا يستطيع أحد تقديم المساعدة على هذا الصعيد الموهبة لها خصوصيتها وتختلف من شخص لآخر أما على صعيد اللغة الكردية أرى أن قراءة الأدب الكردي الكلاسيكي تساعد كثيراً في بناء القاعدة اللغوية الكردية الأصيلة عند الأديب الشاب أنصح كل شاب وشابة أن يعتمدا حالياً على مرجعين في قواعد اللغة الكردية وإملائها، وهما كتاب القواعد لجلادت بدرخان وكتاب القواعد لساميتان ساميتان رئيس المعهد الكردي في استنبول لقد بات لدينا عدد غير قليل من الروايات ودواوين الشعر في اللغة الكردية وخاصة في كردستان الشمالية فلا بد للكتاب الشاب قراءتها بتمعن لدينا في سوريا أيضاً كتاب جيدون في الأدب مثل حليم يوسف وأحمد حسيني وهوشنك أوسي وجان دوست على سبيل المثال شخصياً أعجبت بلغة أحمد حسيني الشعرية وطريقته في تركيب الجملة الشعرية كردياً كما أنني أعجبت بلغة حليم يوسف السردية في الرواية، وهو أكثر اتقاناً في فن الرواية على الصعيد الكردي يعجبني التزامه الحاسم باللغة الكردية أعجبتني رواية جان دوست "ميرنامه" رغم أنني وجدت فيها بعض المشاهد التي لا ضرورة لها، وفي بعض الفصول يلاحظ القارئ أرتباك في اللغة ومع ذلك أعتبرها رواية جيدة أعتقد أن الشاعر أحمد حسيني والروائي حليم يوسف خرجا من تعصب العقلية الجزراوية التي تعتبر كل ما يكتبه الجزراوي هو اللغة الاستاندارت وما يكتبه الكوباني والعفريني هو لهجات محلية فلغتهما أقرب إلينا جميعاً
مازال أدبنا الكردي فقيراً بالترجمات العالمية على صعيد الفكر والرواية والمسرح والشعر وبالتالي سيضطر شبابنا الاعتماد على الترجمات العربية فالعرب ترجموا الكثير من الفكر الأوروبي والأدب العالمي بمختلف أصنافه إلى اللغة العربية .



لك تارا إيبو و لأسرة موقع الالكتروني سبا كل الشكر والتقدير

أهم المطبوعات الاستاذ صالح بوزان باللغتين العربية والكوردية :

1- نقد أفكار زعماء الردة في الفكر الماركسي-اللينيني. دار الطليعة الجديدة. دمشق 1994. 


2- انهيار الاتحاد السوفييتي ومصير العالم الثالث. دار الطليعة الجديدة. دمشق 2002. 


3- في الوجد- شعر. دار الطليعة الجديدة. دمشق 1996. 


4- مملكة الجسد- شعر. دمشق 2008. 




Bikurdî:

1- Lawo- kurta çîrokDihok 2003:

2- HelbestênEvînê li SerDergehênHeftanÊnCihanê. WergerjiErebî.

WeşanxaneyaBajar. Stenbol 2004.
تعديل المشاركة Reactions:
صالح بوزان لموقع «سبا»: الاستعمار هو المسؤول عن تشتّت الأدب الكردي

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة