-->
U3F1ZWV6ZTEzNzUzMDQwMTQxX0FjdGl2YXRpb24xNTU4MDI5NzIxNDY=
recent
جديدنا

الشتات



القاص : خليل عثمان
 
لم يتمكنوا من جلب ما قد يحتاجونه ...
ماذا يحملون معهم ، فكل شيء من مقتنيات منزلهم له في نفوسهم حكاية وذكرى ...
أخذوا ألبوم صورهم وبعض الوثائق الهامة وغادروا ...
مع أن كل ما يملكونه هو هذا المنزل ، إلا أنهم مضطرون لمغادرته ، فهذا البيت الواقع في ذلك الحي البائس من المدينة ، كان ثمرة شقائهم لسنوات ...
إنها مأساة كبرى أن يتخلى المرء عن كل ما يملك ، ويرحل فجأة ويتشتت في أرجاء المعمورة ...
ما الذي يحصل هل هي القيامة ... ؟
أم ماذا ...
بشكل مرعب و متسارع باتت مدينتهم الآمنة تحت رحمة الحمم والصواعق المنهمرة عليها من كل حدب وصوب ، وكأن السماء بدأت تمطر نارا" ولهيبا"...
فكان لا بد من الرحيل ...
كان المشهد تراجيديا" ومريبا" وهم يسيرون مع قافلة النازحين ... الذين شكلوا أفواجا" من البشر ممتدة الى مد النظر ...
كانوا يجهلون وجهتهم ...
وصلوا مع من وصلوا الى الحدود الشمالية للبلد ، ولأنهم على يقين بعدم وجود أي مكان آمن في تلك البقعة من العالم ...
كان لا بد من التفكير بالخلاص مما هم فيه ،
وإيجاد سبيل لقضاء تلك الليلة في العراء ...
ومن ثم الرحيل في الصباح ...
وهكذا قضوا ليلة ظلماء هناك ، وليتمكنوا بعدها من عبور الحدود والمضي الى الشتات ...
كانت وقفة تأمل وحزن وهم يودعون آخر نسمة من نسمات وطنهم ... ويحاولون ترسيخ المشهد الآخير من أرض أجدادهم ، في خفايا الذاكرة ...
كان التعب قد نال منهم ، وأصبحوا بهيئة يرثى لها ...
وسط هذه الأجواء بدأ فصل آخر من حياتهم البائسة .
حطوا الرحال في بلد طالما سمعوا عن جماله ،
و حلموا بزيارته .
كان البشر ينتشرون على أمتداد الحدود بشكل مريب ...
تمكنوا من أن يستقلوا حافلة كانت بأنتظارهم ...
ومضت بهم إلى إحدى المدن ...
انبهروا بما شاهدوه ، فبدا لهم كل شيء في هذا البلد مختلفا" ، وجميلا"... !
ما كان يؤرقهم هو ذلك الشعور الذي انتابهم وللمرة الاولى ، وهو الإحساس بأنك اصبحت تحت بند اللجوء في بلد آخر ...
هذا الإحساس الذي يجعلك ترى نفسك هزيلا" وذليلا"، وتثير الشفقة امام الآخرين من مواطني ذلك البلد ، والأسوء من ذلك كله هو الشعور بالأحباط واليأس الذي ينتابك جراء ذلك ...
إنها الفوبيا من كل شيء من الغد ومن الجوع ومن التشرد وحتى من البشر ؟
بعد قضائهم عدة أيام في المدينة التي حوتهم
كان لابد من البحث عن منزل يأويهم وعمل يترزقون منه ، ووجدوا ضالتهم في مزرعة كبيرة خارج المدينة ...
ضحك القدر بوجههم حين وافق ذلك الاقطاعي الثري على أن يقوموا على خدمته وخدمة أرضه .
أمضوا هناك قرابة العام في الزراعة والعناية بالحيوانات و الارض ...
كان الوقت يمضي ببطىء شديد ...
إنه الانتظار الذي أثقل كاهلهم ...
انتظار غد ربما يحمل لهم بعض الغبطة والراحة ... وربما المزيد من التشرد والشقاء ...
وتمضي بهم الأيام في غربتهم ...
وهم منهمكون بعملهم ...
وعندما حان وقت جني ثمار تعبهم
حصل ما لم يتوقعوه ......
المسؤول عنهم في العمل يتوارى فجأة عن الأنظار ... ليتبين لهم أنه خدعهم وسرق عرق جبينهم وولى هاربا" ...!
منحهم الرجل الثري بعض المال وطلب منهم المغادرة ...
ومرة أخرى ...
لمموا جراحهم ... ومعها أمتعتهم البسيطة وشدوا الرحال من جديد ... أرادوا العودة الى المدينة التي استقبلتهم لأول مرة ، وعندما وصلوا الى جانب الطريق العام ، تبعثروا كقطيع ليس له راع ينتظرون اي شيء يقلهم الى المدينة ...
بعد برهة من الزمن توقف رجل مسن بسيارته الفارهة جانب الطريق استفسر عن وجهتهم وطلب منهم الصعود ... تنفسوا الصعداء ..!
بدأ الرجل بالتحدث معهم وكان من الواضح أنه متعاطف معهم ... وربما مشفق عليهم !
أقترح عليهم الذهاب معه الى مزرعته .
وهناك قدم لهم الطعام والشراب وعرض عليهم أن يعملوا لديه في مزرعته تلك .
فأسكنهم في منزل متواضع جانب قصره ...
وهكذا بدأت العائلة تعمل في تلك المزرعة ...
وكان الرجل صاحب الأرض شهما" كريما"،
يسر لهم كل ما يستطيع وجعلهم يشعرون وكأنهم في أرضهم ، ومدهم بكل ما يحتاجونه .
إنهم لا زالوا يعملون بإخلاص في تلك الأرض . ولكنهم يفتقدون الشعور بالراحة والأمان ...
فهم يحملون جراحات الماضي وآلام الحاضر ...
هل هو قدرهم أن يعيشوا هاربين من الموت ... !
يقال بعد كل كبوة لا بد من الوقوف من جديد .
فهم رغم كل الآلام وفي كل صباح يستيقظون فيه يتأملون شروق شمس الحرية والسلام في بلدهم و مدينتهم ليعودا اليها ...
هذا ما يحلمون به ...
يا له من حلم ساذج !
هكذا أصبحوا ... لقد فقدوا كل شيء ...
فوطنهم أصبح مباحا" لكل امم الأرض
لقد جعلوا منه مختبرا" لأسلحتهم القذرة
وأفكارهم المدمرة ... وايديولوجياتهم البالية ...
لماذا يحصل كل هذا في بلدهم ...؟
إنها معاناة شعب بأكمله من حرب ليس لهم فيها ناقة أوجمل ...
فهل يأتي ذلك اليوم وتضع تلك الحرب أوزارها ؟
اما تلك العائلة فلا تزال تعمل و تحلم ...
لم يبقى لهم سوى الاحلام ...
وربما أحلامها تتحول هي الآخرى الى كوابيس !
تعديل المشاركة Reactions:
الشتات

Şan

تعليقات
    ليست هناك تعليقات
    إرسال تعليق
      الاسمبريد إلكترونيرسالة