ما معنى الوجود يسبِق الماهية؟ وهل الإنسان حرٌّ في أفعاله؟

بانكين عبد الله

الأغبياء غيروا فهمنا للكون، والفاشلين حولوا كوكبنا إلى قرية صغيرة ومنيرة.

لا يوجد إنسان غبي أو فاشل، حتى ولو كان يعاني من تخلف عقلي!

لا بد أن نشير إلى بعض الشخصيات الذين اتهموا بالغباء والفشل؛ وأصبحوا بعدها علماء عصرهم وقدموا للبشرية ما لم يقدمه من حكم عليهم من الأساتذة أو الأهالي بالفشل والغباء، بل ويمكن أن الذين قالوا عنهم ووصفوهم بالأغبياء والفاشلين يكونوا قد عجزوا حتى عن فهم ما قدموه من أبحاث ونظريات أحدثت ثورة علمية طورت وغيرت فهمنا للكون أجمع. ربما عرفتم عن مَن أتحدث، نعم إنهم العالمين "ألبرت آنشتاين" صاحب النظريتين النسبية العامة، والنسبية الخاصة وغيرها، و "توماس أديسون"، مخترع المصباح الكهربائي. ولكل مَن يقرأ قصتهم سيغير نظرته وتفكيره ومفهومه عن الفشل والغباء، وبل حتى عن الحياة ككل.

الأهالي يقتلون فينا الذكاء لنصبح بعدها أغبياء؛ ولم نكن أغبياء بالفطرة!

ثبت مؤخراً في بعض الأبحاث بأن "الأخلاق تورث جينياً". لذا، لا أنفي وجود نسبة من الغباء بالفطرة، ولكنها نسبة محدودة جداً وقابلة للتغير لاحقاً، ولا يجب اعتماد هذا الدليل العلمي كقانون عام أو كدليل يثبت صحة مفهومنا؛ أو منظورنا في اتهام أحدهم بالغباء أو الفشل. (وحالة الغباء بالفطرة هي حالة مكتسبة أيضاً من الأم والأب وتتعلق بالسلوكيات وخصوصيات كلاهما فترة حمل الأم به وقبلها حتى... الخ).

وبالعودة إلى سياقنا هذا فجميعنا نشتكي غالباً من تصرفات أطفالنا ونعاني كثيراً في تربيتهم، ولا نجد أنفسنا إلا وقد فقدنا أعصابنا ولجئنا إلى الضرب كوسيلة لتعليمهم ونهيهم عن أحد السلوكيات غير المحببة؛ لأننا نفتقر للأسلوب والبديل للضرب.

وكذلك نرى بأن المعلمين في المدارس هم أيضاً يعانون من هذه المشكلة "التعامل مع الأطفال / الطلاب" ويلجأ بعضهم للضرب كوسيلة في تعليهم، لأنهم قد فشلوا معهم في باقي الأساليب.

أرى أن الضرب أسلوب الضعفاء والحمقى، ولو أنهم (من يستخدم الضرب) ليسوا ضعفاء أغبياء لكانوا قد وجدوا الأسلوب الأنسب والبديل للضرب في التعامل مع الأطفال أو الطلاب، ولكني أعتقد بأنهم وجدوا في الضرب الطريق الأقصر لاستجابة الطلاب أو الأطفال لمطالبهم فاتبعوه وظنوا أنهم نجحوا بهذه الطريقة الخاطئة في تعليهم وتعتبر هذه الطريقة جريمة بحق الإنسانية بكل ما تعني كلمة الجريمة من معنى.

وكدليل دامغ؛ فمؤخراً قد ثبت علمياً أن كل ألم (كف / صفعة) على خدّ الطفل يقتل (100) خلية مسؤولة عن الذكاء، وأن الخوف يحطم شخصيته ويجعل منه إنسان انطوائي غير قادر على الدخول في المجتمع. وبهذا المعنى يكون قد ثبت إدانة المعلم والأهل بالجريمة المذكورة أعلاه، وهي قتلهم الذكاء فينا لنصبح بعدها أغبياء، لذا "الغباء مكتسب والذكاء مقتول"، طبعاً لا أقصد هنا عملية حسابية عن عدد قتل الخلايا المسؤولة عن الذكاء ولو أن العملية الحسابية هنا صحيحة بحسب وصف العلم  للألم بالقاتل لتلك الخلايا، أنما الحالة التي النفسية التي تفرض علينا بسبب الضرب والشعور بالإهانة والألم الذي يجعلنا نخاف ونصبح انطوائيين وننسحب من المجتمع والذي يؤثر سلبياً على جميع علاقاتنا الاجتماعية وتفاعلنا مع محيطنا الداخلي والخارجي ويقتل فينا الذكاء الاجتماعي والإبداع عامة، لذا فنحن الذين نختار أن يكون أطفالنا أغبياء أو أذكياء وهم لا ذنب لهم أبداً!!

الضرب جريمة وأسلوب الحمقى والضعفاء.

طالما أن الضرب جريمة وأسلوب الحمقى والضعفاء، والسبب في اكتساب الغباء وقتل الذكاء، إذاً:

ما البديل؟

كيف نتعامل مع الأطفال ونتمكن من ضبط سلوكهم دون اللجوء إلى الضرب؟

كيف يمكن ضبط سلوك الطالب الذي تعوّد على الضرب والقسوة في التعامل معه داخل المنزل بعد دخوله المدرسة؟

حتى نتمكن من وضع بديل مناسب وناجع في تربية الطفل وضبط سلوكه علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلي:

أولاً: الطفل بطبعه لا يحب القوانين والقوالب والقواعد:

جميع الأطفال ينزعجون من القوانين والقوالب والقواعد لأنها تقيد حريتهم الشخصية من وجهة نظرهم لأنهم يرون بأنه من حقهم ممارسة كل ما يريدوه في الزمان والمكان الذي يريدوه دون الاهتمام بالأعراف والعادات والتقاليد (عيب حرام)... الخ، من القيود التي تضبط سلوكياتنا العامة والخاصة نحن الكبارلأنهم لا يعونها بعد.

ثانياً: لكل شيء في الحياة ثمن (قانون القيمة):

بمعنى كل سلوك نريد تغيره يحتاج بداية إلى التحلي بالصبر إضافة إلى الأسلوب والمقومات التي يحتاجها عملية التغير. لذا يجب ألا نتوقع من الأطفال تغير سلوكهم بمجرد الإشارة إليه مرة أو مرتين، وعلينا ألا نكتفي بالإشارة ونبحث في كل مرة عن طريقة جديدة لتغير سلوكه.

ثالثاً: "لا تكن قاسياً فتكسر؛ ولا تكن ليناً فتعصر":

بمعنى تعلم الاعتدال في الأمور وتحكم بعواطفك وسلوكيات، ولا تبالغ في ردة أفعالك مع الأطفال؛ واتبع سياسة ازدواجية في توجيهم؛ (العقاب والثواب).

نظرية العقاب والثواب ومهارة التواصل بديل الضرب:

·        استبدل القمع والمنع بالحوار والإقناع.

·        استبدل الضرب بالمخاصمة، أو المكافئة.

·        استبدال الصوت العالي بالصمت.

·        استبدل النظرة العصبية بالنظرة الهادئة والحنونة.

·        لا تخلط بين الشخصية والسلوك أو التصرف.

·        تقبله كما هو؛ وأحببه كما هو، لا كما تريد أن يكون.

·        اترك السلبيات وادعم الإيجابيات.

·        لا تقم بإثارة المشكلة، تجنبها ومن ثم اضرب المثل فيها واربطها بالعادة السيئة التي لا تحبها والتي تجعل منه إنسان دوني (شخص مكروه أو غير محبب في المجتمع) في مناسبة وزمكان آخر.

·        لا تنتقده وخصوصاً أمام الآخرين.

·        لا تقارنه بالآخرين.

ولكن حتى تتمكن من تطبيق هذه النظرية عليك أولاً أن تبني علاقة جيدة مع طفلك، فكيف تبنى علاقة جيدة بطفلك؟

·        استغل ظروفه في بناء علاقة معه وقدم له المساعدة عندما يحتاجها وقبل أن يطلبها منك.

·        اتبع الأسلوب المرن في وضع القوانين ولا تفرضها عليه.

·        احترم خصوصيته، أشعره بالاهتمام والتقدير دوماً.

·        أكسبه سمعة طيبة ووجهه للحفاظ عليها؛ فمثلاً:

امنحه لقباً وميزه به.

سمّيه كل يوم باسم جميل وشجعه على التحلي بتلك الصفات.

اجعله ينافس على الحصول على الألقاب وقدم قائمة يومية أو أسبوعية منها، وكافئه على الألقاب التي نالها في نهاية كل أسبوع أو كل يوم.

احرص على الدعم النفسي وقم بحضنه على الأقل أربعة مرات في اليوم؛ عند استيقاظه ولحظة ذهابه إلى المدرسة وعند عودته وقبل النوم.

امنحه الثقة وعلمه على الصراحة لتتمكن من تنمية شخصيته ويقوى على تحمل مسؤولياته.

ولوعدنا إلى مدخل هذا البحث وتطرقنا إلى الدور الذي لعبته والدة "توماس أديسون" الذي تم فصله من المدرسة بعد ثلاثة أشهر واتهم بأنه غبي ولا يملك المؤهلات الكافية لدخولها؛ وكيف ترجمت والدته الرسالة التي أرسلها معلموه لها لابنها؛ ولو قرأنا في قصته سنتمكن من استنباط حقائق عدة تفيد في ترسيخ مفاهيمنا في ما نرمي إليه كهدف لهذا البحث في كيفية توجيه الطفل وبناء العلاقة معه، وما هي الماورائيات التي تؤثر سلباً وإيجاباً على مستقبله، وكيف أن أديسون حولته أمه من غبي فاشل إلى عالم عصره.

ولا ننسى بأن أنشتاين كان يعاني من مشاكل في السمع وصعوبة في النطق حتى عمر التاسعة؛ مما أثار خوف والدته بأنه يعاني من تخلف عقلي؛ وأيضاً رسوبه في امتحان الجامعة، وما الدور الذي لعبته زوجته في دعمه وأبحاثه. لذا علينا ألا نحكم على الأمور مسبقاً ونمنح أطفالنا الوقت والدعم الكافي؛ فلا يوجد إنسان فاشل ولكن هناك مَن لم يأخذ فرصته في هذه الحياة ومن لم يحصل على الدعم الكافي وتلقى الضرب واللوم حتى تحول إلى فاشل وغبي.